«ما – صرخة الصمت».. معاناة ونضال النساء في بورما

«وحتى اليوم ما زالت النساء في بورما تقاومن وتناضلن من أجل حقوقهن»..
بهاته العبارة، اختار المخرج تي ماو ناينك أن ينهي قصة فيلم مأساوي للغاية!

تم أول أمس الأربعاء، عرض فيلم «ما – صرخة الصمت» في قصر المؤتمرات بقاعة الوزراء، في إطار فعاليات الدورة الـ 21 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش. والفيلم من إخراج تي ماو ناينك، وهو الفيلم الروائي الطويل الثاني للمخرج، وقد اختار أن يسلط فيه الضوء على معاناة النساء ببورما، وينقل أصوات الشجاعات منهن.
حضر العرض مخرج الفيلم وفريق الإنتاج، وقد عبر المخرج عن سعادته بالتواجد في المهرجان وكذلك بلقاء الجمهور الذي حضر ليشاهد عرض فيلمه. فيما قال فريق الإنتاج: «التقينا ماو ناينك سنة 2018، وكانت بالفعل رحلة صعبة، ونحن سعداء ومفتخرون بالمشاركة في هذا الفيلم الذي يقدم فكرة عن الحرب الأهلية في ميانمار (بورما)».
يدخلك فيلم «ما – صرخة الصمت» في أجواء كئيبة منذ الدقيقة الأولى، وهو مستوحى من أحداث حقيقية، وقد اختار المخرج تي ماو ناينك إضاءة خافتة وألوان داكنة تتماشى مع الأحداث المأساوية للفيلم التي تعود إلى سنة 2022، حيث كانت تعيش يانغون تحت وطأة حرب أهلية عقب الانقلاب العسكري الذي عاشته البلاد في فبراير 2021.
تدور قصة الفيلم حول ثلاث فتيات يعشن بعيدا عن عائلاتهن في مكان أشبه بالسجن.. غرف مكتظة ملتصقة ببعضها البعض وكأنها زنازين.. الكثير من الضجيج والقليل من الراحة بعد يوم عمل شاق، لا مكان حتى لقضاء احتياجاتهم الحميمية في الحمام، إذ يقمن بالاستحمام خارج الغرف – الزنازين. تدخل الفتيات للعمل في الظلام وتخرجن أيضا في الظلام، وقد ركز المخرج على هاته التفاصيل لإظهار مدى البؤس الذي تعيشه النساء اللواتي تشتغلن بالمصنع وهن يقتلن يومهن داخل صالة بئيسة وآلة خياطة مهترئة.
تتعرض هؤلاء الفتيات للضغط من طرف السيدة المشرفة على الغرف، إذ تطالبهن بدفع أجر الغرفة وكذلك مصاريف المأكل. لكنهن في المقابل يعشن ضغطا آخر في العمل بمصنع النسيج في ظل رفض رئيسهن أداء شهرين من أجورهن.
تتغير الأحداث شيئا فشيئا حينما تقف فتيات المصنع ليتحدثن عن فتيات عاملات تشتغلن بمصنع آخر مجاور لهن، حيث قمن بإضراب عن العمل حتى يحصلن على رواتبهن.. بدت الفكرة في البداية مجنونة، وقد رفضت العاملات بمصنع النسيج خوض الإضراب.. في حين هناك من بدأت الفكرة تختمر في أذهانهن.. القمع يولد الرضوخ، ولكنه يولد أيضا الانفجار، فماذا كان ثمن المحاولة؟ الدم!
في الصباح الموالي، وبينما بدأت بعض الفتيات تدخلن إلى العمل، اجتمع البعض الآخر أمام الباب وهن يرددن «نريد أجورنا الآن.. لا عمل بدون أجر»، بدت هؤلاء الفتيات وكأنهن مجنونات، لقد اخترن طريق النضال، في حين، اختارت الأخريات الخضوع لرئيس العمل، دون جدال.. دون نقاش.. وفضلن الصمت والاشتغال في ظروف غير إنسانية وبدون أجور.
كانت «مي تيت» واحدة من الفتيات الثلاث، خائفة وحائرة، إلى أن قررت الانضمام لفريق المحتجات.
«لن تكون لنا قوة إلا إذا سرنا يدا بيد» هكذا كانت تحاول زعيمة الاحتجاج أن تقنع الفتيات اللواتي ما زلن مصرات على العمل دون تلقي أجورهن. كان الخوف يتملكهن، فهن نساء وحيدات وعاجزات.. لكن، إذا خفن، فالخوف هو من سينتصر، فلا مكان للخوف.. يجب الاستمرار في النضال.
يظهر المخرج بين الفينة والأخرى مشاهد الخراب التي خلفتها الحرب، ثم مشاهد النساء وهن يضعن مناديل حمراء على رؤوسهن في الإضراب. وقد يتهيأ للمشاهد أن بعد كل هذا البؤس سيحظى الفيلم على الأقل بنهاية سعيدة!
سيخلف إضراب العاملات خسارة كبيرة للمعمل، لأن النصف يشتغل، والنصف الآخر متوقف، بالتالي لن يسلم الإنتاج في وقته المحدد. سيحاول المسؤول عن المصنع استدراج الفتيات من أجل العودة، محاولا إيهامهن بأنهن إذا اشتغلن لليلة كاملة سيعطيهن الرئيس أجرة شهر.
لكن «مي تيت» سترفض وستحرض الفتيات على عدم الرضوخ لأن في ذلك تراجعا عن مطالبهن وبمثابة عودة إلى الوراء. وقد كان الرد قاسيا من طرف رئيس العمل وهو من أتباع النظام العسكري، وسيهجم مجموعة من الموالين له على الفتيات ذات ليلة وهن نائمات أمام المصنع بطريقة وحشية، سيتعرضن للضرب والقمع، أصوات الصراخ ستبدأ في الارتفاع.. ثم بعد ذلك سيهدأ كل شيء.
في مشهد أخير وهادئ.. ستظهر كل النساء المضربات وهن مرميات على الأرض، غارقات في حمام دم والمطر ينهمر عليهن، قتلن لأنهن فقط طالبن بحقوقهن. قتلن بعد أن تعرضن للتهديد والتعذيب وقبل أن يأخذن أجورهن.. لكن الموت فيه شيء من الراحة والأمان الأبديين. «وحتى اليوم ما زالت النساء في بورما تقاومن وتناضلن من أجل حقوقهن».. بهاته العبارة، اختار المخرج تي ماو ناينك أن ينهي قصة فيلم مأساوي للغاية!
هذا وقد درس المخرج ماو ناينك الإخراج في معهد يانغون للسينما وفي كلية السينما والتلفزيون التابعة لأكاديمية براغ للفنون المسرحية، وهو أيضا، شاعر وفنان، وقد عرض أول فيلم طويل له عام 2014 «الراهب» في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي. وفاز بثلاثة جوائز منها جائزة شبكة الترويج للسينما الآسيوية.
جدير بالذكر أن فيلم ما – صرخة الصمت (ميانمار، سنغافورة، فرنسا، النرويج، كوريا الجنوبية، قطر) يتنافس على النجمة الذهبية إلى جانب 14 فيلما في إطار المسابقة الرسمية للدورة الـ 21 من مهرجان مراكش الدولي للفيلم، وهم «سودان يا غالي» لهند المدب (فرنسا، تونس، قطر) و«جاين أوستن دمرت حياتي» للورا بياني (فرنسا)، و«تحت البركان» لداميان كوكر (بولونيا) ، و«ملزمة في السماء» لهيو شين (الصين)، و«معطر بالنعناع» لمحمد حمدي (مصر، قطر، تونس، فرنسا)، و»وينعاد عليكو» لإسكندر قبطي (فلسطين، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، قطر)، و«نهاية سعيدة» لنيو سورا (اليابان والولايات المتحدة الأمريكية).
بالإضافة إلى «الذئاب تأتي دائما في الليل» لغابرييل برادي (أستراليا، منغوليا، ألمانيا) و«البحر البعيد» لسعيد حميش بن العربي (فرنسا، المغرب، بلجيكا)، و»أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» لمراد فرات أوغلو (تركيا) و«الكوخ» لسيلفينا شنيسر (الأرجنتين، البرازيل، إسبانيا، شيلي)، و«القرية المجاورة للجنة» لمو هاراوي (النمسا، فرنسا، ألمانيا، الصومال)، و«العواصف» لدانيا ريموند – بوغنو (فرنسا، بلجيكا).

 مبعوثا بيان اليوم إلى مراكش:
متابعة: سارة صبري
تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top