يكاد المراقبون لأوضاعنا الوطنية لا يجدون في الساحة اليوم سوى المحتجون على أداء الحكومة بشأن معالجة معضلات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
من بقي يساند الحكومة إذن ويؤيدها؟
الجميع يشتكي من الغلاء والتضخم، وينتقد جمود الحكومة وصمتها ولامبالاتها، وآخر تجليات ذلك ما جسدته الوقفات الاحتجاجية في حوالي ستين مدينة مغربية ليلة أول أمس من طرف الجبهة الاجتماعية المغربية.
وقبل ذلك، كان الإتحاد المغربي للشغل قد أصدر بلاغا يستنكر فيه الأوضاع الاجتماعية ومعاناة الشغيلة والطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويعرض عديد مطالب في وجه السلطات العمومية، كما أن استعراضا بسيطا للصفحات الأولى لجرائد نهاية الأسبوع يكشف الإجماع الواضح على معاناة الناس بسبب تدهور القدرة الشرائية وتفاقم الغلاء.
صحيفة يومية عنونت ب:(وعود الحكومة»تتهاوى»: تقرير رسمي يتوقع تفاقم الغلاء واستمرار موجة التضخم)، وصحيفة يومية ثانية شددت في صفحتها الأولى على أن(معدل انعدام الأمن الغذائي في البلاد ينتشر بسرعة)، وثالثة أوردت أن( المغرب من أكثر دول المنطقة تضررا من موجة الغلاء)…
ونضيف إلى هذا عناوين مقالات الصحف الإلكترونية وما تنقله منصات التواصل الإجتماعي على مدار الساعة، والفيديوهات المنتشرة وصرخات مواطنات ومواطنين بسطاء، وكل هذا لم يصدر عن أشخاص يمتلكون مواقع الكترونية ويسعون لرفع عائداتهم من المشاهدات، كما أورد أحد صبيان الحزب الأغلبي مؤخرا، ولكن الأمر يتعلق بإحساس شعبي عام وسط مجتمعنا، وبواقع حقيقي على الأرض وليس مفترضا أو متخيلا .
والعجيب أن الحزب الثاني في الأغلبية كان جمع خبراءه للتشاور ورفعوا لقيادة الحزب اقتراحات في اطار الاستعداد لاجتماع زعماء الأغلبية مع رئيس الحكومة.
ونسب إلى هذا الحزب أن لجنة خبرائه عقدت مشاورات لتشخيص ومدارسة الأزمة التي باتت تتفاقم مع توالي ارتفاع الأسعار، مقترحة في تقرير مفصل رفعته للمكتب السياسي، حلولا استعجالية للتخفيف من عبء موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية المعيشية، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين من تداعيات ارتفاع نسب التصخم، وحماية الاقتصاد الوطني أيضاً، من المؤثرات الخارجية وتقلبات أسعار المواد الغدائية الأساسية.
ولا ندري هل الحزب المذكور سيرفع هذه الإقتراحات الى رئيس الحكومة؟ وهل سيرد عليه حزب هذا الأخير ببلاغ يشتمه هو كذلك؟ وهل سيعتبر الأمر خروجا عن الأعراف الديموقراطية وإخلالًا بالاحترام الواجب للمؤسسات؟
أما الحزب الثالث في الأغلبية، فقد سبق أن تابعنا تصريحات أحد قيادييه الذي يترأس مؤسسة دستورية رئيسية، ثم قرأنا ما نشرته حينها صحيفته على صفحتها الأولى، وحتى لما حاول في البلاغ الأخير للجنته التنفيذية إحداث بعض التوازن تجاه موقعه الحكومي، فهو لم يتردد في التشديد على ضرورة تسريع تفعيل الية الدعم النقدي المباشر للأسر المعوزة، طبقا للتوجيهات الملكية السامية، في إطار التعويضات العائلية المقررة في ورش الحماية الاجتماعية، مع مواصلة تحسين الدخل في إطار الحوار الاجتماعي، وذلك نظرا لإلحاحية الظروف الصعبة التي تمر منها شرائح واسعة من الأسر المغربية.
لم يعد الأمر محصورا في أحزاب المعارضة إذن، والتي لم يتردد صبيان حزب رئيس الحكومة في وصفها ب»المعارضة الفاشلة»، وإنما الاستياء صار واضحا اليوم داخل صفوف أحزاب الأغلبية نفسها، والحكومة باتت، تبعا لذلك، بلا مدافع عنها او عن اختياراتها.
هناك غضب واحتقان وسط الشعب وفي الشارع، وهناك انتقادات تصدر عن النقابات، وعن أحزاب المعارضة، ووجدت لها صدى حتى ضمن أحزاب الأغلبية ذاتها، ولا تخفي الأوساط الاقتصادية والمهنية أيضا استياءها جراء ما يلف الواقع والمستقبل من غموض وقلق، وكل هذه الأطراف اليوم هي لا تتفق مع الحكومة ولا تؤيدها.
من بقي إذن؟
هل تعول حكومة»الكفاءات»على بعض المؤثرين المفترى عنهم للدفاع عنها أمام الرأي العام الوطني وتحسين صورتها؟ هل تعول على بعض صبيانها الذين جيء بهم من العدم ليتنافسون فيما بينهم في المديح الفج وكلام»قلة لحيا»وخطاب الجهل؟ وهل شتم الشعب وتعيير المعارضة السياسية بأنها لا تدافع سوى عن( الگاميلة) هو الرأي الحكومي الذي يستطيع إقناع المحرومين من لقمة العيش ومن( الگاميلة)؟
حتى بعض إعلامنا الوطني الذي سبق أن أغدقت عليه أموال الدعاية صار يخجل في مدح هذه الحكومة وبدأ يلزم أصواته وأقلامه ببعض الصمت لأن الجمود واللامبالاة فاقا المتوقع، وأوضاع الناس لم تعد قابلة للإخفاء…
الأحزاب المشكلة اليوم لتحالف الأغلبية تمتلك تفوقا عدديا كبيرا في غرفتي البرلمان، وهي بذلك كانت تستطيع إقرار برامجها وتصوراتها لتحسين أوضاع المغاربة، وهذه الحكومة يعززها وجود رؤية عامة يجسدها النموذج التنموي الجديد، لكن هذا كله لم ينفع هذه الحكومة، لأن جمودها وتكلسها ولا مبالاتها كانوا أقوى وأفضع، وبلغ الأمر إلى أنها أغرقت البلاد في تراشق بين مؤسسات البلاد حول الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وكأن الأسر المقهورة تود التفرج على هذا التراشق ومعرفة من سينتصر على من.
الخلاصة أن الحكومة مسؤولة عن تحسين أوضاع الناس وصيانة الاستقرار الاجتماعي في البلاد، وعن إعمال التدابير والسياسات العمومية لتحقيق ذلك، لكنها فشلت، وهذا الفشل يقر به الكل اليوم، ولا أحد ينكره.
وعلاوة عن ذلك، هناك أسئلة مطلوب من الحكومة ورئيسها الرد الصريح والمقنع عنها، وتتعلق أساسا بتضارب مصالح وزرائها، وبالعلاقة مع عدد من اللوبيات، وبما طرحته فرق المعارضة مثلا في الأيام الأخيرة، وبما تشهده عديد قطاعات حكومية بسبب غياب الكفاءة لدى الوزراء… هل تستمر حكومتنا إذن في تحدي الواقع وفي( تخراج لعينين) ضدا على حقائق الأوضاع المعاشة فعليا؟
<محتات الرقاص