أغلفة موازية

انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية، لعبة على صفحات التواصل الاجتماعي، أطلق عليها اسم: أغلفة موازية.
يراد بهذه اللعبة، عرض أغلفة لكتب ذائعة الصيت، مع تغيير صورتها، لكي تكون متطابقة مع الواقع المعاش.
على سبيل المثال، يتم إلصاق صورة لشخص مغربي عرف بعدائه للمرأة على غلاف رواية الطاعون لجون بول سارتر، أو إدراج رواية اللص والكلاب وإلصاق صورة على غلافها لزعيم سياسي مغربي معروف وهو يخطب أمام مواطنين ينتمون لحزبه، وهناك من أورد كتاب كفاحي لهتلر وألصق على غلافه صورة لوضعية طاولة الطعام بعد انتهاء الأكل.. إلى غير ذلك من النماذج الكثيرة الطافحة بالسخرية والقسوة.
لم تكن هذه اللعبة بالذات منتشرة كما هو الحال اليوم، صحيح كان يتم توظيف الفوطوشوب لتشويه صور بعض الأشخاص والسخرية منهم، لكن على مستوى أغلفة الكتب، لم نكن نشهد هذه الممارسة بالزخم نفسه الذي أصبحت عليه اليوم.
تعودنا الاطلاع على إعلانات عن إصدارات جديدة سواء في صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصحف الورقية أو في غيرها من المنابر، حيث يتم الحرص على نشر صورة الغلاف، وغالبا ما تضم هذه الصورة لوحة تشكيلية ما، قد تعبر عن مضمون الإصدار وقد لا تعبر عنه بالضرورة.
وعادة ما يتم اتخاذ ذلك لتمييز الكتاب عن غيره من الإصدارات، فضلا عن وظيفته التزيينية، فصدور كتاب مجرد من رسوم فنية على غلافه، قد ينقص من قيمته الجمالية وليس الأدبية أو الفكرية.
لكن من أين أتت هذه الفورة للعبة المسماة: أغلفة موازية؟
ما الدافع إليها؟
ما السبب الذي يدفع بمدون ما إلى أن يكد ويجتهد لكي يبحث عن صورة ساخرة لغلاف عمل فكري أو إبداعي ذائع الصيت؟
علمتنا التجربة أنه ليس هناك نار بدون دخان.
ما هي إذن هذه النار التي أحرقت أغلفة إصدارات كثيرة، لا حصر لها، لكي توصل إلينا رسالة مغلفة بالسخرية. السخرية السوداء؟
أول ملاحظة، هي أن هذه اللعبة انتعشت وقت العطلة المدرسية البينية الأخيرة، وبالنظر إلى أن أغلب ممارسيها هم أساتذة وتلامذتهم، وبالنظر إلى أنهم وجدوا أنه ليس لديهم ما يشغلون به فراغهم، فقد لجؤوا إلى البحث عن أغلفة موازية.
لكن من بين الملاحظات الأساسية التي يمكن تسجيلها منذ مدة ليست بالقصيرة، هي أن أغلب الكتب الحديثة الصدور التي يتم الإعلان عنها، من خلال تدوينات سريعة وموجزة، في صفحات التواصل الاجتماعي بالخصوص، سواء من طرف مؤلفيها أو من طرف أصدقائهم، غالبا ما لا نعثر عليها في سوق الكتب.
مما يدعونا إلى التساؤل:
هل فعلا صدرت تلك الكتب أم أن مؤلفيها أرادوا فقط تذكيرنا بأن لديهم كتبا يتمنون إصدارها؟
وهل تلك الكتب أصلا لها وجود في الواقع، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد أخبار كاذبة؟ وما أكثر الأخبار الكاذبة التي انتعشت في ظل وسائط الاتصال الرقمية.
من العبث أن يتم الإعلان عن صدور كتاب ما، في حين أن هذا الكتاب لم يصدر قط، وقد لا يصدر بالمطلق، لأنه بكل بساطة لا وجود له، إنه مجرد غلاف عليه عنوان واسم المؤلف ومزين بواسطة لوحة تجريدية.
هناك من يقوم بإصدار كتابه بالفعل، لكن بعد مدة طويلة من عرضه للبيع في المكتبات والأكشاك، يتبين أنه لم يتم اقتناء أي نسخة منه، ولو نسخة واحدة.
هذا في نظري، يشكل انعكاسا لظاهرة الأغلفة الموازية، من حيث عبثية الموقف ومظهره الباعث على السخرية، تلك السخرية المرة.
إن لعبة الأغلفة الموازية، لها بعد آخر، يتكرر مع مجموعة من التجارب، وهو عندما يقترب شيء معين من الأفول، يتم العبث به وعدم المبالاة به، هذا حال الكتاب الورقي.
إذن، لا ينبغي أن نستغرب لانتعاش لعبة الأغلفة الموازية في هذا الوقت بالذات.

> عبد العالي بركات

الوسوم ,

Related posts

Top