إجماع المشاركين والجمهور على المطالبة ببناء مسرح يليق بحجم أكادير ومكانتها الثقافية

لقد كان المسرح ولا يزال أساسا لبناء المجتمعات الحضارية، ومرآةً تعكس واقع المجتمع من خلال نصوص يؤلفها الكاتب المسرحي ويترك فيها مجالا يبدع فيه المخرج المسرحي، والسينوغراف وآخرون بشكل يجعل من العرض لوحة مستقاة من واقع المجتمع، تقتبس منه الكثير من الأحداث، وتسلط الضوء على معاناته لتُطْرَحَ للنقاش والتحليل بغية الوصول إلى إمكانيات التخفيف من حدتها أو التخلص منها. وجمعية أفاييك للمسرح بأكادير واعية بهذا الدور الريادي الذي يلعبه أبو الفنون. وانطلاقا من المعنى العميق لضرورة الفن المسرحي ودوره الأساس في بناء المجتمعات الحضارية، وإيمانا منها بما للمسرح من أهمية بالغة في حماية الروح وصون ملامح ومعاني الهوية الوطنية، ورغبة منها في تقديم عروض جديدة ومتنوعة ثقافياً، والاعتراف بالإبداع والتميز في المسرح، والاحتفاء بالمبدعين، والمخرجين المسرحيين، والنقاد المناضلين ممن أبلوا البلاء الحسن في سبيل الدفاع عن أب الفنون ومهنييه، ومساهمة منها في الارتقاء بالمشهد المسرحي المغربي، وتشجيعِ وترسيخِ ثقافة المسرح الاحترافي باعتباره فضاء للتعبير والتواصل الحي، والمساهمةِ في النهوض به ماديا وأدبيا وتنظيميا حتى يواكب التغيرات التي يشهدها مجتمعنا، وإعادةِ الاعتبار للمسرح والمسرحيين بالمغرب عموما وبمدينة أكادير خصوصا، وسعيا وراء إدراج مدينة أكادير ضمن المنظومة المسرحية الوطنية.. انعقدت الدورة الـ 18 من جائزة أكادير للمسرح الاحترافي من 11 إلى 15 من ماي 2016، حيث عاش المهرجانيون والجمهور على حد سواء من خلالها لحظاتِ المجد والإبداع، لحظاتِ الترفيه والفرجة، لحظاتٌ تألق فيها المؤلفون المسرحيون، والمخرجون والممثلون المبدعون، والسينوغرافيون والتقنيون الفاعلون في خارطة المشهد المسرحي العربي.. لحظاتٌ جسدتها الفرق المشاركة من مصر والعراق والمغرب..والتي أبانت عن روح المسؤولية، وحُبَّها الثابت، ونضالها من أجل قضايا المجتمع، قضايا الإنسانية، قضايا الوطن.
دورة ماي 2016 كان لها طبعها الخاص، حيث استقبلت دولتين شقيقتين عزيزتين على قلوبنا، جمهورية مصر العربية التي مثلتها فرقة “مؤسسة فنانين مصريين للثقافة والفنون” في عرضِ “أيامْنا الحلوة” للمخرج المسرحي الأستاذ/ عمرو قابيل، وجمهورية العراق في عرضها الشرفي “حمام بغدادي” للکاتب والمخرج الأستاذ/ جواد الأسدي. كما عشنا أطوار الجائزة مع أربع فرق من المملكة المغربية من مدن أكادير، والدار البيضاء، وفاس، وشفشاون.
وعرفت جائزة أكادير للمسرح الاحترافي في الدورة 18 دخول خمس فرق أجواء المنافسة. ففي اليوم الأول من أيام المهرجان شاهد الجمهور مسرحية “أماناي” لمخرجها الأستاذ/ محمد أيت سي عدي لمحترف آفاق الجنوب للفنون الدرامية بأكادير، وفي اليوم الثاني عَرَضَ “محترف 21 للمسرح” مسرحيته “بارد وسخون يا هوى” للمخرج الأستاذ/ سعد الله عبد المجيد، وفي اليوم الثالث شاهد الجمهور عَرْضِ “أيامنا الحلوة” لمؤسسة فنانين مصريين للثقافة والفنون للمخرج الأستاذ/ عمرو قابيل، وتتبعنا في اليوم الرابع عرضين مسرحيين، الأول لـ “محترف فاس لفنون العرض” في مسرحية “مولات السر” لمخرجها الأستاذ/ حميد الرضواني، والثاني لـ “فرقة مسرح المدينة الصغيرة شفشاون” في مسرحية “زمان جديد” لمخرجها الأستاذ/ يوسف العرقوبي. عروض مسرحية فُرجوية أمتعت وأقنعت، وتتبعها جمهور واسع من مدينة أكادير والضواحي..
وتكونت لجنة التحكيم من المخرج المسرحي الأستاذ/ محمد خوميس، رئيسا؛ وعضوية كل من  المخرج المسرحي العراقي الأستاذ/ جواد الأسدي، والمخرج المسرحي الأستاذ/ عبد الجبار خمران، والباحث في التراث المشهدي والإعلام الثقافي الأستاذ/ مصطفى بنسلطانة.
كما تميزت دورة هذه السنة بتنظيم صالون فكري دار موضوعه حول “الكتابة المسرحية”، شهد مداخلات قيمة لكل من الفنان والكاتب المسرحي الأستاذ/ الحسين الشعبي، والباحث والناقد المسرحي الدكتور عز الدين بونيت، والمخرج المسرحي المصري الأستاذ/ عمرو قابيل، والمخرج المسرحي الفنان/ عمر سحنون، والمخرج المسرحي الأستاذ/ عبد الجبار خمران، كما حضر الجلسة أعضاءُ الوفد المصري، وثلة من المهتمين بالمسرح ممن عبروا عن سعادتهم بهذا اللقاء المثمر.
وقبل انطلاق فعاليات اختتام الدورة نظم حفل توقيع كتابين في المجال المسرحي، ويتعلق الأمر بمؤلف “الساروت” للكاتب المسرحي الأستاذ الحسين الشعبي، وكتاب “حوارات في المسرح العربي” للأستاذ والكاتب المسرحي عبد الجبار خمران.
كما تميز حفل اختتام المهرجان بلحظات تكريم “رجل من عمق سوس، رجل بذل الغالي والنفيس في سبيل رقي المسرح، الأمر يتعلق بالمبدع والمناضل الأستاذ الحسين الشعبي الذي تميز بمساره الإبداعي الغني ونضاله المستميت، وبلائه الحسن في سبيل الدفاع عن أب الفنون ومهنييه”.. وقدمت شهادات في حقه استهلها الأستاذ صالح المالوكي عمدة مدينة أكادير بقصيدة شعرية مؤثرة أثنى فيها الشاعر على المكرم ومساره الثقافي والمسرحي. وقدم كل من الدكتور عز الدين بونيت والدكتور رشيد أوترحوت شهادتين وازنتين في حق المحتفى به، تطرقا فيها بالتفاصيل للحياة الفنية والنضالية للفنان الحسين الشعبي، والمسارات التي قطعها على مدى أربعين سنة من الإبداع والنضال في المشهد الثقافي الوطني.. وكان نقيب المسرحيين الدكتور مسعود بوحسين قد ساهم بورقة/ شهادة حول المكرم نشرها المنظمون ضمن كاتالوغ الدورة.
وخلال حفل اختتام هذا الحدث الوطني الشامخ، والصامد أمام مختلف الإكراهات، وتعميقا للحس الجمالي وتطويره، وصونا لإنسانية الإنسان، وحفاظا على مكتسباته الوجدانية، أعلن المنظمون عن جملة من التوصيات التي لا مناص منها ليقوم المسرح بأدواره المنوطة به، وضمان استمرارية إبداع مسرحي يلقي بظلاله على الجميع:

أولا: على الجهات المسؤولة أن تضع قضية المسرح من أولوياتها لما له من دور ريادي في إذكاء الروح الوطنية، والتربية على الحوار الاجتماعي، ونبذ العنف..

ثانيا: من حق جائزة أكادير أن تحضى بدعم محترم، ورعاية من الدولة حتى تُتَرجَمَ أهدافها كاملة على أرض الواقع؛

ثالثا: الدولة مُطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاستثمار في هذا الحقل المثمر من خلال توفير بنيات تحتية تتجسد بالأساس في بناء مسارح بالمعايير الدولية، ومراكز التدريب، وفتح أوراش المسرح، وتنظيم دورات تكوينية يُعْهَدُ تأطيرها إلى مسرحيين حقيقيين؛

رابعا: الدولة والمنتخبون مطالبون ببناء مسرح يليق بمستوى مدينة الانبعاث، المدينة التي أعطت ولازالت تعطي لهذا البلد الكثير والكثير، مدينة أكادير؛

خامسا: إدراج المسرح ضمن منظومة التربية والتعليم من خلال المناهج الدراسية، وتأطير الأندية التربوية المهتمة بأب الفنون؛
سادسا: تقديم الدعم الكافي لإقامة تظاهرات من هذا النوع لما لها من أهداف نبيلة تخدم الوطن والمواطنين.

جوائز مهرجان الدورة الثامنة عشر لمهرجان جائزة أكادير للمسرح الإحترافي جاءت على الشكل التالي:

– الجائزة الكبرى فاز بها العرض المسرحي “زمان جديد” – إخراج يوسف العرقوبي – فرقة المدينة الصغيرة من شفشاون.   
– جائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى العرض المسرحي “أمناي” – إخراج محمد أيت سي عدي – فرقة آفاق من أكادير.  
– جائزة النص المسرحينالها نص “زمان جديد” للكاتب أحمد السبيع.
– جائزة التمثيل ذكور حصل عليها الممثل سعيد بكار عن أدائه في عرض “زمان جديد” – فرقة المدينة الصغيرة.
– جائزة التمثيل إناث فازت بها مناصفة الممثلتان رباب الخشيبي وفاطمة ديوان عن أدائهما في عرض “زمان جديد” – فرقة المدينة الصغيرة.   
 – وتنوه اللجنة بالجهد المبدع والمختلف للفنان القدير حميد البوكيلي.

Related posts

Top