الابتذال كما عاشته غرفة التجارة بالدار البيضاء

جلسة انتخاب رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالدار البيضاء يوم الجمعة الأخير، قدمت لنا صورة فاضحة لحجم التدني الذي بلغته ممارستنا الانتخابية والسياسية، وما حدث أساء للجميع، وخصوصا لصورة بلادنا.
لقد كان القضاء قد ألغى انتخاب رئيس ومكتب هذه الغرفة، وذلك بسبب خروقات شابت عملية التصويت، وبسبب طريقة التصويت على الرئيس وأعضاء المكتب، ثم قررت المحكمة إعادة الانتخابات، وتقدم مرشحان إثنان للتنافس، فيما انسحب الثالث، وهو رئيس سابق للغرفة والجهة الطاعنة…
تداولت كثير مجالس حديث تفاصيل الضغوط الممارسة على الأعضاء ومبالغ شراء أصواتهم لفائدة هذا المرشح أو ذاك، وتكلمت كواليس العارفين عن ألاعيب و»تقنيات» بهذا الشأن، وعن عمليات الكر والفر بين المعنيين، ورغم كل هذا لا جهة إدارية أو سلطوية تحركت، وكل ما يروج لم يبلغ آذان سلطاتنا الموقرة.
يوم «المعركة» اختلط كل شيءٍ وعمت الفوضى محيط مقر الغرفة بالدار البيضاء، ورغم إبعاد الصحفيين وتطويق القاعة بعناصر القوات العمومية، فإن صورا وفيديوهات جرى تسريبها من داخل القاعة تكشف المواجهات وتبادل المشاداة والشجارات والتشابك بالأيدي، وحتى صراخ الأعضاء كان يصل إلى الشارع والجميع سمع كل شيء…
من سمع المعجم البذيء المتبادل بين الأعضاء، ومن شاهد صور أعضاء ينزعون ملابسهم وينطون للاشتباك بين بعضهم البعض، يحسب أن الأمر مواجهة بين فتيان مراهقين ومنحرفين في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء…، ومرة أخرى وحدها السلطات الإدارية لم تر ضرورة للتدخل، ولم تر أي أهمية لحماية صورة البلاد من كل هذه الألاعيب المافيوزية.
لم يفهم الكثيرون لماذا الإصرار على تكرار ذات الأساليب التي ميزت طريقة التصويت من قبل وأسقطت المحكمة النتائج الناجمة عنها، وكيف يمكن، في غمرة الفوضى التي سادت يوم الجمعة، التحقق من قوائم المصوتين ومراقبة عملية التصويت، خصوصا أنها جرت بارتجالية كبيرة، وكأنه لا توجد أي طريقة لضبط هذه العملية البسيطة…
هذه أكبر غرفة تجارية بالمملكة، وهكذا تجري فيها عملية التصويت، فكيف تتم الأمور بباقي الغرف إذن؟
لن نكرر هنا المنظومة القانونية للغرف المهنية وما تعانيه من نقائص، ولن نقول إن إعادة الانتخاب هذه لم تكن محكومة بأي مآل انتخابي لاحق، مثل انتخابات مجلس المستشارين مثلا وتعزيز الروافد المؤدية لذلك، ولكن ننطلق من كل ذلك، لنتساءل عن الغاية من كامل هذه المواجهة الشرسة بين المتنافسين، والغاية من الإنزال المالي الغريب لشراء ذمم الأعضاء، وأيضا عن معنى صمت السلطات وحيادها السلبي وتفرجها على كل ما حدث يوم الجمعة.
ليست السلطات الإدارية وحدها من يطرح عليها اليوم السؤال، ولكن أيضا الأحزاب التي قدمت مرشحين أو التي تحالفت ودعمت مرشحا، وبقيت تتفرج على الفوضى والدناءة…
ما هي رسالتها السياسية؟ لماذا كل هذه القوى أطبقت بأيديها على أفواهها وصمتت ولم ترفع ولو أصبعا واحدا لتدعو لتطبيق القانون؟
والآن، بعد أن انتهى الانتخاب، وأعلن عن الفائز، وقد يعود الذي لم يفز مرة أخرى للطعن أمام المحكمة، نتساءل: وماذا بعد؟
إلى أين نتجه بمؤسساتنا المنتخبة وبصورة بلادنا؟
انتخابات غرفة تجارة الدار البيضاء جسدت صورة باعثة على الحزن والقلق فعلا، وزادت في تعميق التدني والابتذال…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top