التجربة الوطنية في مجال التربية على البيئة .. مسار غني يستحق التثمين والتطوير

في الطريق إلى غلاسكو.. قمة الأمل والطموح والفرصة الأخيرة

 من أجل بحث السبل والآليات الكفيلة بمواجهة تحديات التغيرات المناخية وفي أفق رفع مستوى الطموح العالمي من خلال استكمال وإدماج مجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل تنفيذ وإعمال مقتضيات اتفاقية باريس بشأن التغيرات المناخية، تنعقد نهاية الشهر الجاري قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرين بغلاسكو، قمة يعتبرها الخبراء الأمل الأخير لبعث الأمل في صفوف الدول المترددة في تحيين مساهماتها المحددة وطنيا كما ينص على ذلك اتفاق باريس التاريخي، وتجدر الإشارة إلى أن المغرب كان قد حظي بإشادة عالية في المؤتمر السابق للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ الذي احتضنت أشغاله العاصمة الإسبانية مدريد نظرا لالتزام المغرب الثابت والقوي بالعمل المناخي، كما سلط الخبراء الضوء على المجهودات التي تبذلها المملكة المغربية من أجل الوفاء بالتزاماتها ضمن اتفاقية باريس والوقوف عند التجربة الوطنية في مجال الانتقال الطاقي، إلى جانب التقدم الذي حققه المغرب في مجال النجاعة الطاقية ومختلف الإجراءات والتدابير المعتمدة على المستويات الوطني والدولي لفائدة العمل المناخي.

 

المغرب فاعل أساسي في العمل المناخي

 أصبح المغرب فاعلا أساسيا ومحوريا في العديد من المشاريع البيئية الطموحة من أهمها التزام المغرب الكبير بتنزيل التربية على البيئة والتنمية المستدامة والتربية على التغيرات المناخية، وذلك من خلال توقيعه على الاتفاقيات المتعددة الأطراف حول البيئة والمناخ ومحاربة التصحر والمحافظة على التنوع البيولوجي واستعادة النظم الايكولوجية الهشة، وعزم المملكة المغربية الجاد على إدراج مقتضيات هذه الاتفاقية الإطار في مختلف سياساتها وبرامجها التنموية. وقد تجسد هذا الالتزام السياسي، على أعلى مستوى تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، من خلال إيلاء عناية كبيرة لحماية البيئة وجعلها ضمن الأولويات الوطنية. وفي هذا الإطار، تمت المصادقة على القانون الإطار 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، وتنزيله من خلال إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي تم اعتمادها من طرف المجلس الوزاري المنعقد، بتاريخ 25 يونيو 2017، تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك، والتي تشكل إطارا مرجعيا لكل البرامج القطاعية، وذلك بهدف تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر الدامج في أفق 2030.

وفي إطار تفعيل مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، قام المغرب بعدة إجراءات مهيكلة لرفع التحديات وكسب الرهانات المرتبطة بحماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية، ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتحسين الإطار البيئي لعيش المواطن. وهكذا، وعلاقة بالحكامة البيئية، تم إحداث عدة لجن تهم تتبع ومواكبة أهداف التنمية المستدامة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والساحل. أما الإطار القانوني فتمت تقويته من خلال إصدار مجموعة من القوانين، كقانون الساحل وقانون التقييم البيئي، والشروع في إعداد قوانين أخرى، مثل مشروع قانون بمثابة مدونة للبيئة، ومقترح القانون المتعلق بالمناخ، ومشروع القانون المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، إضافة إلى إطلاق مسلسل مراجعة القانون المتعلق بتدبير النفايات، كما تم تعزيز المراقبة البيئية والتنسيق مع الهيآت المعنية في هذا الشأن، وتقوية أجهزة الرصد واليقظة البيئيةـ.

 

برامج وطنية متنوعة للحفاظ على البيئة

من أجل تعزيز المحافظة على البيئة على المستوى الوطني تم إنجاز عدة برامج تهم التأهيل البيئي منها أهمها البرنامج الوطنـــــــــــي لتدبير النفايــات المنزليـة والمماثلــة لها، الذي مكن من رفع نسبة جمع النفايات المنزلية حاليا إلى 95% ونسبة طمر النفايات بالمطارح المراقبة إلى 63%؛ والبرنامج الوطني لتثمين النفايات، الذي مكن من وضع ست منظومات لتثمين النفايات في إطار الشراكة مع القطاع الخاص، تهم البطاريات المستعملة، والزيوت الغذائية المستعملة والدهون الحيوانية، والزيوت الصناعية المستعملة، ونفايات الورق والكارتون، والعجلات المستعملة؛ ثم البرنامج الوطني للوقاية ومكافحة التلوث؛ وبرنامج التدبير المندمج للساحل، كما أن المغرب يعد بلدا رائـدا فـي مكافحـة تغيـر المناخ، سـواء مـن خـلال اعتمـاد سياسـة مناخيـة مـن أجـل تنميـة منخفضـة الكربـون ومتكيفـة مـع تأثيـرات تغيـر المناخ، أومـن خـلال مشـاركته المميزة فـي التظاهـرات العالمية، أو عـن طريـق تنظيـم بعضهـا علـى أراضيـه، وكـذا عبـر إحـداث هيـاكل وطنيـة متخصصـة، مثـل مركـز كفـاءات التغيـر المناخي فـي المغرب. ومن جهة أخرى، تم تحقيق تقدم ملحوظ في مجال دمج الاستدامة في القطاعات الأساسية للتنمية كالطاقة والنقل والصناعة وغيرها، وفي هذا الإطار، وبالنظر للدور الكبير الذي يلعبه قطاع الطاقة لتحقيق أهداف الاستدامة، تبنى المغرب استراتيجية طاقية وطنية تهدف إلى تثمين الموارد الطاقية المتجددة، وتعزيز النجاعة الطاقية والاندماج الجهوي، وحددت هذه الاستراتيجية بتوجيهات ملكية سامية أهداف جد طموحة في مجال تطوير الطاقات المتجددة، من خلال رفع مساهمتها في إجمالي الطاقة الكهربائية المثبتة إلى 52% في أفق 2030، والتي تبلغ حاليا حوالي 37% من الحجم الإجمالي المثبت أي ما يقارب 4000 ميغاوات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إطلاق أوراش جديدة للبحث عن مصادر أخرى للطاقة المستدامة، من خلال برنامج التثمين الطاقي للكتلة الإحيائية، والبرنامج المندمج لمواكبة مصانع تحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة، وإعداد خارطة طريق لتطوير الطاقة البحرية. كما تطمح المملكة المغربية إلى أن تصبح فاعلا أساسيا في مجال الطاقة الهيدروجينية، وقد تمت مواكبة هذه الاستراتيجية بمجموعة من الإصلاحات التشريعية تهم بالأساس الإنتاج الذاتي للطاقة لتشجيع الاستثمارات في هذا الميدان، وتحسين ولوج هذه المشاريع لمصادر التمويل، من خلال برامج مهيكلة ومندمجة بالإضافة إلى تشجيع البحث والابتكار بحيث تم في هذا الإطار، برمجة إنجاز مركب خاص بالبحث والتنمية في مجال البنايات الخضراء والنجاعة الطاقية والشبكات الذكية. وقد تمكنت المملكة المغربية بفضل هذه السياسة الطاقية المستدامة، من رفع سقف طموحاتها في مجال تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة في إطار اتفاق باريس من خلال تحديد هدف جديد في المساهمة المحددة وطنيا والذي يبلغ 45.5 % في أفق 2030.

 

المغرب بطل الديبلوماسية البيئية والمناخية   على مستوى اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اعتمد المغرب مقاربــة مندمجة تروم المساهمة في الحفاظ على البيئة وتثمينها مــن خــلال لعب دور محوري في التعــاون الثنائي والمتعــدد الأطراف، وهكذا تمت تعبئة ما يناهز 228 مليون دولار في إطار التعاون الدولي خلال الأربع سنوات الماضية: الصندوق الأخضر للمناخ، صندوق البيئة العالمي، والتعاون الثنائي من أجل تمويل وتنفيذ ما يزيد عن 30 مشروع في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وقد مكنت هذه المجهودات من أن تبوأ المغرب دورا رياديا على المستوى الجهوي والعالمي بحيث تحتل بلادنا المراكز الأولى في مجموعة من التقارير الدولية نذكر منها تصنيــفه مؤخرا في الرتبة الرابعة دوليا في مؤشــر الأداء المناخي لسنة 2021.

 

تنزيل ورش التربية البيئية بالمغرب

 عمل المغرب ومنذ عدة عقود لمواجهة التحديات البيئية من خلال الشروع في عملية التنمية وحماية موارده الطبيعية من أجل ضمان التنمية المستدامة، فمنذ مؤتمر ستوكهولم عام 1972 انخرط المغرب في القضية البيئية من خلال وضع الأسس الهادفة إلى ترسيخ الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية والحفاظ عليها والوقاية منها، وقد تعزز هذا الطموح المغربي بعدة خطوات قانونية وتشريعية توجت بإطلاق مسودة ميثاق البيئة والتنمية المستدامة في عام 2009، وإضفاء الطابع المؤسسي على البيئة لأول مرة في الدستور الجديد لعام 2011 واعتماده في يناير 2014 من القانون الإطاري رقم 12-99 لتفعيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وهذا يتطلب دمج ثقافة حماية البيئة في المناهج الدراسية التي يجب توفيرها في أنظمة وبرامج التربية والتكوين. ومع ذلك فإن كل هذه الشخصيات الرمزية للأنشطة التي أظهرها المغرب اتجاه البيئة، لا يمكن بأي حال من الأحوال ضمان الإجراءات التي تحترم البيئة في إطار التنمية المستدامة دون إنشاء سياسة تعليمية متكاملة موازية قادرة على تحسين سلوك ومواقف المجتمع اتجاه البيئة والتنوع البيولوجي. وفي هذا الصدد أصبحت التربية البيئية ضرورة ملموسة وتشكل استجابة حقيقية للقضايا البيئية والمجتمعية المعاصرة. وكان المغرب قد أعلن من خلال الإصلاح التربوي المرتبط بالميثاق الوطني للتربية والتكوين لعام 1999 عن الإدماج المنهجي للبعد البيئي في نظام التعليم مع إعادة تحديد مهام المدرسة وضمانها لعنصر الانفتاح على البيئة المحيطة بها وحولها حيث تم تصميم هذا الدمج الأساسي للبعد البيئي في الدورات التكوينية على مسارين متوازيين: المحتوى التأديبي الذي يجب أن يضمن بناء المهارات والمعرفة النظرية القوية حول البيئة لدى المتعلمين من خلال تزويدهم بالمعرفة اللازمة، والأنشطة العملية وغير المنهجية من خلال مراعاة البرامج المقترحة للتلاميذ والأطر التربوية كمجال حاسم وإلزامي من خلال إنشاء على مستوى المدارس هياكل تعليمية في شكل مساحات للتبادل والتعلم المجاني حول القضايا البيئية وللقيام بذلك كانت وزارة التربية الوطنية قد أولت آنذاك اهتماما خاصا لتكوين هذه الهياكل التعليمية في المدارس عن طريق المنشور الوزاري الذي شجع المديرين على إنشاء نوادي بيئية في مدارسهم مع تم اتخاذ العديد من الخطوات الأخرى من قبل الإشراف على الإجراءات البيئية في المدارس. وهذا هو أساسا برنامج التربية على البيئة والتنمية المستدامة مع إقدام الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين على إبرام اتفاقيات الشراكة مع قطاع المياه والغابات وقطاع البيئة وقطاع الشباب ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة لتعزيز الأندية البيئية القائمة من حيث المواد والكتب والأدوات التعليمية، والتأكد من تدريب المسيرين البيئيين في مجال التعليم في البيئة والتنمية المستدامة.

 ويعتبر ترسيخ التربية البيئية في المدارس خطوة ضرورية للدفاع المستدام عن مصالح المجتمع، وأهدافها لا تقتصر على النقل السلبي للمعرفة، ولكن تعديل مواقف وسلوكيات الطلاب، باعتبارهم سفراء المناخ للمستقبل، و تهدف هذه العملية إلى السماح للمتعلم بفهم بيئته والتصرف بطريقة إيجابية مع قلة البحث والعمل على الأغراض التعليمية لأنشطة الحياة المدرسية في نظام التعليم المغربي بشكل عام ومساهمتها كمسار لا مفر منه في ترسيخ التربية البيئية بشكل خاص عبر إنشاء نوادي بيئية كأدوات تعليمية أساسية نظرا لكونها تعرض إرادة ناشطة من جانب المعلمين والتزاما حقيقيا من الطلاب الملتحقين بها، بهدف إبرام عقود ملزمة للمجتمع التعليمي بأكمله مع فيما يتعلق بالبيئة.

 

تنزيل التربية البيئية في بعدها الدولي

إن الرغبة في دمج البعد البيئي في المنظومة التربوية لها أبعاد دولية منذ أن تم اعتماد هذا البعد عام 1972 في مؤتمر الأمم المتحدة في ستوكهولم حول البيئة البشرية. ولتحقيق هذا الهدف تم اتخاذ العديد من المبادرات من قبل وزارة التربية الوطنية منذ إصلاح التعليم عام 1999. وقد صممت هذه التدابير ليس فقط لضمان إدخال هذا البعد في البرامج التربوية، ولكن أيضا مأسسته في المدارس من خلال الأنشطة الموازية التي تقام في النوادي البيئية التعليمية، والتي يجب إنشاؤها داخل المدارس، بينما تم الشروع في دمج البعد البيئي في المناهج الدراسية بإتباع الإرشادات التوجيهية من الميثاق الوطني للتعليم والتكوين.  وفي الواقع تم تناول العديد من الموضوعات والمفاهيم البيئية في برامج التخصصات المختلفة، في مختلف المستويات المدرسية وبشكل رئيسي من خلال تاريخ الجغرافيا وعلوم الحياة والأرض والعلوم الفيزيائية واللغات العربية والفرنسية، ويعتبر دمج هذا البعد في المناهج المدرسية مرتبط ارتباطا كاملا بوجود العديد من خبرات التربية البيئية، لكنها تظل جهودا لوضع نظريات حول التربية البيئية في الكتب المدرسية والتي تظل مفاهيم صعبة ومعقدة للغاية لتطبيقها، بل يبقى الأهم هو ترتيب تراكم المعرفة دون أن يكون التلاميذ أعضاء الأندية البيئية قادرين على تطوير المهارات والسلوكيات والمواقف المسؤولة عن البيئة، هذا في الوقت الذي أظهرت فيه أبحاث أخرى تستند إلى تحليل الكتاب المدرسي أن هذا التعليم البيئي، الذي يفترض أن يكون مدمجا في منهج العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض للتعليم الثانوي والإعدادي، فهو تعليم يتناول موضوع البيئة ويستند إلى النقل السلبي للمعرفة المتعلقة بالحقائق البيئية المجمعة، بينما من المنظور الأخلاقي يعتبر دمج التعليم البيئي من خلال الأنشطة الموازية هو جزء مهم من الحياة المدرسية، وترتبط بالتدريس وتصنعها المدارس من أجل تعزيز وتطوير معارف ومهارات التلاميذ والطلبة حيث يجمعون بين الأنشطة المختلفة التي تؤثر على الجوانب المعرفية والعاطفية والنفسية الحركية. هذه الجوانب التي يتم تفعيلها في الهياكل التعليمية الموجودة داخل المدارس التي تشكل نوادي تعليمية في أفق ضمان إجراء الأنشطة الموازية والإشراف عليها، هذا وتشكل هذه الأندية إطارا منهجيا وطريقة لتفعيل الحياة المدرسية من خلال الالتزام الطوعي لمختلف المتدخلين من طلاب وتلاميذ ومديرين تربويين وإداريين ومختلف الشركاء، مما يجعل هذه المساحات أماكن لتنمية المهارات النفسية والمهارات الاجتماعية والتنظيمية والاتصال والعمل الجماعي والقيم والمواطنة والسلوك المدني، ويعتبر العمل في النوادي التربوية ضرورة تربوية لتشجيع الطلاب على نقل وتطبيق التعلم المدرسي المختلف في عمليات الحياة اليومية ووضعها في قلب التفكير والعمل التربوي، ويتم التثقيف البيئي ضمن هذه الأنشطة الموازية، على مستوى النادي البيئي، هي نوادي تعليمية ذات أنشطة غير منهجية تتعلق بالبيئة ويديرها مدرسون متطوعون، ولديهم دوافع وقناعات حول أهمية البيئة وضرورة المساهمة في حمايتها والحفاظ عليها، تلعب هذه النوادي البيئية دورا مهما في غرس القيم البيئية وتمكين المتعلمين تجاه بيئتهم، إنها تساعد في إضفاء الطابع المؤسسي على أنشطتها، في إجراءات ملموسة وعملية، والتي تعزز التعاون على نطاق واسع بين مختلف الجهات الفاعلة وشركاء المدرسة في بناء المتعلمين عبر المعرفة  العلمية للبيئة.

 

مراجعة المنظومات التربوية وإدماج التربية البيئية في المناهج الدراسية

بعد أكثر من عقدين من الزمن على إصدار ميثاق التربية والتكوين يبدو أنه أصبح من الضروري إجراء قراءة تحليلية للوضعية التي هي عليها التربية البيئية في المدارس المغربية، وللقيام بذلك لابد من الوقوف عند شروط إنشاء وتفعيل النوادي البيئية باعتبارها الهياكل التعليمية الأساسية التي يمكن أن توفر للمتعلمين وتضمن لهم تعليما متعدد الأبعاد ومتعدد التخصصات مقرونا بشكل أساسي بين التاريخ والجغرافي واللغات وعلوم الفيزياء الكيمياء وكذا علوم الحياة والأرض باعتبارها تخصصات في خدمة التثقيف البيئي في المقام الأول مما يساعد الأندية البيئية على الانفتاح على جميع الفعاليات البيئية. ومن الملاحظ أن العديد  من الأطر التربوية تجد العديد من الصعوبات خلال المواقف المهنية وخاصة خلال الساعات المخصصة للأنشطة الموازية التي لا تزال متفرقة ومتقطعة بينما تجد الأطر التربوية في معظم المؤسسات صعوبات كبرى التي من المفروض أن تتم مواجهتها أثناء إنشاء وتفعيل هذه النوادي البيئية، لاسيما تلك المتعلقة بالتحفيز والتآزر بين الفاعلين الذين يتدخلون داخل المدارس بينما يتم التشكيك في دوافع والتزام المعلمين لتنفيذ التثقيف البيئي في المدارس، وبالنظر إلى الإشكالية المطروحة على طول الزمن الدراسي ترى كيف يرى الإطار التربوي دور الأندية البيئية في تكامل التربية البيئية في المدارس؟ وما هي الشروط اللازمة لسير ونجاح الأنشطة التربوية للنوادي البيئية في المدارس؟ وما هي معيقات تفعيل هذه النوادي البيئية في المدارس؟ وكيف يمكننا أن نتغلب عليها؟ للإجابة على كل هذه الأسئلة يجب تسليط الضوء على ما يعتبره الفاعلون في التربية البيئية في المدارس “نتائج” أعمالهم في التربية البيئية بالإضافة إلى الوقوف عند الصعوبات التي تمت مواجهتها أثناء تحقيق وتنزيل التربية البيئية، إذن لقد أصبح بالملموس ومن الضروري الوقوف عند شروط نجاح أنشطة الأندية البيئية من حيث مهارات ومبادرات وممارسات المعلمين فضلا عن الدعم الإداري ومراقبة هذه الإجراءات وكذا سرد الصعوبات والمعيقات التي تحول دون تفعيل النوادي البيئية في المدارس.

 

التربية على التغيرات المناخية بين الطموح المناخي والتحديات

تعتبر التدابير العملية المرتبطة بالاحتياجات أو التي تركز على الفوائد الملموسة ذات تأثير أكبر على تعزيز السلوك المؤيد للبيئة، فهذا هذا هو الحال مع الإجراءات الشبيهة مع تعلم ركوب الدراجة وزيادة الوعي بإعادة التدوير، وتنظيم ورش عمل بين الأجيال، وإنشاء حدائق تعليمية أو تشخيص الأموال المخصصة للتعليم من أجل التنمية المستدامة، خاصة إذا كانت تتم في إطار تشاركي، إن تصور المستقبل يمكن أن يجعل من الممكن الاستجابة بشكل أفضل لتحديات الحاضر كما يتضح من الملاحظات التي تم إجراؤها في إطار تمرين تم فيه تشخيص إنتاج أطفال من خلفيات فقيرة لأفلام قصيرة تهدف إلى إظهار كيف سيؤثر تغير المناخ على حياتهم اليومية حيث كان الهدف من هذا التمرين هو جعل الطلاب يفكرون في هذا التغيير على أنه تحد عالمي وشخصي من أجل الشعور بالقدرة على اتخاذ إجراءات التخفيف، مع الأخذ في الاعتبار معرفة استخدامهم ومشاركة منتجاتهم مع أقاربهم يسمح لهم أيضا بإلقاء نظرة مختلفة على أراضيهم ، إنها مسألة تفكير في تطوير الأدوات التعليمية التي تسمح من خلال المسح الإقليمي بمراعاة التفاعلات بين الكيانات المختلفة التي تعيش وتتيح نفس المنطقة هذه المسوحات الوثائقية والميدانية للطلاب للانغماس في فهم الوضع الاجتماعي المكاني المستهدف، وهكذا كان قد طلب من طلاب إحدى المدارس الإعدادية في إطار تمرين للتربية على التغيرات المناخية بناء سيناريوهات مبتكرة لتطوير حي جديد تتوفر فيه  شروط التنمية المستدامة والبيئة السليمة، حيث لاحظ هؤلاء المشرفون على قراءة مخرجات هذه الورشة عدم وجود نصوص ونقص في المقترحات، حيث تشير هذه بشكل عام إلى “التفكير السائد”، أي القيام بالمزيد من نفس الشيء – المزيد من المجمعات السكنية، والمزيد من خطوط الحافلات، والمزيد من مواقف السيارات، لاحظ المشرفون أنه “إذا كان التفكير في المستقبل يتألف من اقتراح حلول تخرج عن الفكر السائد، فلا يزال من الضروري تحديد هذا الفكر السائد وبالتالي فإن الأبحاث الأخرى حول تطور المناظر الطبيعية بناء على رسومات التلاميذ تظهر أن الأطفال الذين شاركوا في التمرين طوروا عالما خياليا محدودا بناء على الفرضيات الحالية وكانوا متشائمين بشكل عام حيال مستقبلهم، لذلك اقترح تطوير “مهارة الإسقاط نحو المستقبل” مما يجعل من الممكن تجاوز “المستقبل الحالي” نحو “المستقبل المفتوح” على أساس الإرادة والاختيار بين عدة “احتمالات غير محددة”،  بينما يمكن للطلاب أيضا تطوير سيناريوهات مختلفة في نهج نظام “الكائن التكاملي” المستخدم في تخطيط استخدام الأراضي في التعليم الزراعي، باستخدام دراسات الحالة حول حماية حيوان ثديي أو إنشاء بستان نباتي أو إنشاء مزرعة تكاثر، يدرس الطلاب مزايا وعيوب هذه الموضوعات المجتمعية المعقدة، مع مراعاة التغيرات المحتملة في البيئة، ويتم تقديم وسيلة أخرى لتطوير التفكير المستقبلي من خلال دراسة النصوص الأدبية.

 

إدماج الخيال العلمي في تصور مستقبل كوكب الأرض

وفي هذا الصدد يعد الخيال العلمي الذي تراجع الآن في الخيال المناخي أداة فكرية “لتعلم العيش في الأنثروبوسين وبناء أخلاقيات المستقبل” إلى أن “اللجوء إلى الأدب إلى الخبرة الخيالية كما يمارس قليلا، ولكنه يمكن أن يشكل طريقة تدريب رائدة مختبر حقيقي للوعي ويحمل بداخله احتياطيا هائلا من المعنى الذي لا يستطيع التفكير النظري أن يملأه “، وأخيرا، يظهر التمرين حول ألعاب لعب الأدوار المستخدمة في مناهج التبصر أنه من خلال محاكاة صنع القرار، لديهم القدرة على الالتزام وتحسين الاستعداد للتكيف، فعلى عكس النهج الأنجليزي للتعليم الذي يفضل تدريس المعرفة المفيدة التي تهدف إلى القدرة على التعامل مع الموقف إن أخلاقيات المسؤولية هذه التي تشجع على العمل مؤهلة على أنها تمكين يتشكل من خلال اتخاذ بعد جماعي، فالمشاريع الجماعية لها تأثير إيجابي على المواقف البيئية للتلاميذ فالنهج التعاوني  على سبيل المثال يسمح بتحديد المشاكل البيئية بوضوح، ويشجع البحث ويعزز الإبداع لحل المشكلات بينما تهدف مبادرات التكيف مع المناخ في المدارس إلى التعلم الجماعي للعيش مع المخاطر، في حين تبقى العوامل الأكثر ملاءمة للتطور البيئي للمدرسة هي أيضا تلك التي تضمن الحكامة الجيدة التي تربط الآباء وفريق التدريس  حيث يمكن لتطور حكامة المدارس نحو منظمات المجتمع المدني متعددة المراكز أن يمكن استجابات المواطنين للتخفيف والتكيف الاحتياجات، هذا على الرغم من حقيقة أن هذا النهج “القائم على المجتمع”، الذي ينافس التزام موضوع “متجذر” من أجل الصالح العام، لا يتوافق مع المفاهيم التربوية السائدة في الثقافة الفرنسية، فإن وضع سياق للمسارات التعليمية يبدو ضروريا للتحرر والتحول في فيما يتعلق بالتكيف مع تغير المناخ. وهكذا ، يرى بعض الباحثين أن “للتعليم دور مركزي في التحول الاجتماعي”، والذي يمكن أن يسمح بـ “التحرر الذي يستهدف قدرة الطلاب على تغيير المجتمع” إذن هل يمكن أن يكون هدف المدرسة هو تعزيز المواطنة البيئية المهمة؟

“كمواطن ليس سوى شخص منح ليس فقط الحق ولكن أيضا مع القوة الراسخة للتصرف وفقا لظروف حياته الخاصة ، نرى على الفور أن نهاية التعليم ستكون على حد سواء تكوين الأفراد بحيث” أنا “لدي معنى بالنسبة لهم، وتوفير كل الوسائل للمشاركة حسب مكانهم ومصالحهم في إدارة المجموعات التي هم أعضاء فيها”، وبالتالي فإن الديمقراطية التشاركية، أو “التنشئة الاجتماعية الديمقراطية” التي تبدأ في المدرسة، هي وسيلة وغاية وعملية منتجة لذلك يتساءل بعض الباحثين عن إمكانية هذا الانفتاح على المواطنة البيئية الهامة في التعليم مما يفترض حقيقة أنه “لا شك في أن هذا الطلب المثالي ممكن تحقيقه في أنظمة المدارس أو حتى في المجتمع الذي يعتمد على العديد من النماذج غير المستدامة  حيث لا ينبغي أن تشمل التربية على التغيرات المناخية المعرفة ذات الصلة بتغير المناخ وآثاره البيئية والاجتماعية والاستهلاك المستدام وأنماط الحياة ولكن أيضا التركيز على البيئة، فالتربية على التغيرات المناخية يمكن اعتبارها إطارا مؤسساتيا للتعلم لضمان تربية بيئية ناجحة على أن المدارس وأنظمة التعليم نفسها مستدامة ومرنة.

وفي الواقع تعتبر المدرسة من خلال تثقيف الطلاب في الاستدامة الحاضن الأساسي لحقوق الطفل وهي فضاء تحويلي يمكن أن يكون له تأثير على العالم الاجتماعي، حيث ينشأ تطوير الاهتمامات الأخلاقية في المجتمع والتعليم من وعي المجتمع بالمخاطر، ومن ظهور مبدأ المسؤولية والاحتياطات ،فإن عدم تغيير أي شيء في الممارسات الاجتماعية وعدم اتخاذ قرار بشأن أي شيء في مواجهة تغير مناخي افتراضي يشكل حكمة وهمية تتعارض تماما مع هذا المبدأ الاحترازي، وبالتالي فإن التربية على المواطنة البيئية هي فرصة لتذكر أن كل التعليم سياسي سواء من حيث ما يفعله وما لا يفعله التلميذ مواطن المستقبل، حيث يعتبر دمج المشكلات التي يثيرها المبلغون عن المخالفات مع الأخذ في الاعتبار المعرفة المتولدة في المجالات البيئية والجمعيات البديلة يولد أنماطا أخرى من التربية البيئية، بناء على “الانتقادات الاحتجاجية والراديكالية لتأسيس مشروع تعليمي تحرري” فيما يتعلق بالنموذج الاجتماعي السائد وفي هذا السياق فإن التربية الأخلاقية التي تتجاوز التخصصات ضرورية: “يساهم فهم القيم والسلوكيات والإجراءات الفردية أو الجماعية من منظور مقارن وإيثاري ومتعدد الثقافات في تطوير التفكير النقدي والانعكاسي حول وضع العالم والجهات الفاعلة التي تتكون منه”، يحدث هذا الإدراك النقدي للواقع أن ينجح الفاعل في إدراك نفسه في العالم ويستحوذ على واقعه التاريخي، والذي يمكن تحويله وتجسيده  مع التأكيد على أهمية الحواجز النفسية التي يمكن أن تعيق مكافحة تغير المناخ، فقد تم دمج هذا الجانب الاجتماعي – العاطفي بشكل كامل في هدف التنمية المستدامة رقم 13 “العمل من أجل المناخ” ، وهو جزء لا يتجزأ من الأهداف السبعة عشر، جنبا إلى جنب مع المجالات المعرفية والسلوكية حيث يمكن أن تكون العواطف وسيلة للتعلم والعمل، ومع ذلك يبقى الاستبطان في النظام المدرسي الحالي هو بعد “محظور” حيث يمكن أن يخفي التأثير الجديد “بشرط أن نعيد إليه نظيره النشيط وهو احتمال للتمكين ربما يستحق عدم إهماله كما تشير حركة المناخ الشبابية أيضا إلى أن العمل الأخلاقي “لا يمكن تعلمه” في المدرسة من خلال التحضير لهذه الإضرابات والمشاركة فيها حيث يكتسب التلاميذ والطلاب مهارات المواطنة النشطة التي يمكنهم إعادة استثمارها في حياتهم البالغة، ووفقا للأعمال في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا تؤدي “الديمقراطية البيئية”، إلى ظهور “أشكال غير تقليدية من المشاركة السياسية على غرار الالتزامات النقابية والحركات الاجتماعية الجديدة التي تشارك في تطور “المواطنة العادية، فعلى مدار الخمسين عاما الماضية ركزت الدراسات على تحليل القضايا المعقدة التي لا يمكن معالجتها من خلال تخصص واحد، فالمشاركة والمسافة هما في النهاية وضعان معرفيان لا ينفصلان ويبدو أنهما متناقضان فإلى أي مدى يمكن لمدرسة مألوفة للنهج التحليلي دمج المشاركة وتقييمها وتقييمها؟ هل هذا الموقف المعرفي يشكل مهارة؟ وما هي المهارات التي يجب تطويرها؟

 

التربية البيئية والتربية على التغيرات المناخية أية علاقة؟

تتميز التربية على التغيرات المناخية في هذا الوقت على جرد حالات الطوارئ المناخية بتوترات متعددة: المعرفة مقابل العمل، والعمل المخصص مقابل التغييرات الهيكلية و / أو على المدى الطويل التكيف مقابل التخفيف كطريقة للتربية والتعليم في مقابل ذلك يطرح مشاكل معرفية: فهو غير مرتبط بنظام، ولا يحتوي على منهج خاص ونادرا ما يقدم طرقا للتقييم الأكاديمي، إن شرعيتها إذا كانت لا تشير إلى برنامج مؤسساتي، حيث يمكن أن تستند إلى قناعة الناشط لأصحاب المصلحة، والعدوى بسبب القرب من كائنات تعليمية معينة من التخصصات المدرسية المعتمدة أو لا تزال على إجراءات مدمجة في إطار “الممارسات الجيدة”.

إذن ما هي صلاحية  التربية على التغيرات المناخية وما هي المهارات التي تطورها؟

حددت العالمة الكندية والخبيرة في علوم التربية البيئية لوسي سوفي أربعة مجالات للخبرة في التربية البيئية: العلمية والسياسية والأخلاقية والنقدية، بالإشارة إلى الدراسات المختلفة، يمكننا تحديد المهارات التقنية والرياضية التي تسمح “بحل المشكلات، والتنبؤ بالمستقبل والمخاطر وتحليل قابلية التأثر، واتخاذ القرار والتخطيط المستدام”.

أخيرا لن يكون الأمر الأساسي في نهاية المطاف فقط هو تطوير القدرات للعيش معا والحفاظ على البيئة من خلال آلية خلق الأندية البيئية بالمؤسسات التعليمية والسهر على التكوين المستمر للأطر الإدارية والتربوية وتعبئتهم وتزويدهم بالمستجدات العلمية والبيئية، ولكن ما يجب التركيز عليه هو “تقوية العلاقة بين البيئة والذات، أي إدخال الآخر في العلاقات التي لدينا مع الناس، أو غير البشر أو  تبني طرح قابلية الكوكب للسكن تقع في صميم تعليم تحدي المناخ، وفي مواجهة هذه التحديات تحول المعرفة المرتبطة بسياسة تعليمية معينة دون الوصول إلى مؤسسات تعليمية مسجلة في بيئات مواتية وتعليم يرى نفسه وسيلة وغاية ويتبنى التربية البيئية كمنظومة للتغيير والمحافظة على كوكب الأرض كبيئة تتسع للجميع.

  • محمد بن عبو

Related posts

Top