التصريح الحكومي…

قدم رئيس الحكومة أول أمس أمام غرفتي البرلمان البرنامج الحكومي، الذي يحدد التزامات ائتلاف الأغلبية للسنوات الخمس المقبلة، ويقدم أولوياته البرنامجية تفاعلا مع انتظارات المغربيات والمغاربة، وأيضا تجسيدا لما كانت قد تضمنته البرامج والوعود الانتخابية للقوى المكونة له.
من حق الحكومة طبعا صياغة برنامجها وتصريحها أمام البرلمان كما تشاء، وأيضا كما تتيحه القواسم المشتركة بين مكوناتها الحزبية، ولكن من حق المراقبين البحث في تفاصيل ما عرضه عزيز أخنوش عن التزامات أحزاب التحالف الحكومي أمام الناخبين، ومدى الوفاء بالوعود.
وننتظر أن تكشف المناقشات البرلمانية المرتقبة ذلك، وأن تؤسس بالفعل لحوار سياسي وطني عمومي جاد وعميق بهذا الخصوص، وأن تتوفر للحكومة كذلك فرصة تقديم المزيد من التفاصيل والتوضيحات حول ما ورد في عرض رئيسها…
بداية، نعتقد أن تصريح رئيس الحكومة، مضمونا ومنهجية ولغة، لم ينجح في إبراز دقة المرحلة الوطنية وحجم التحديات المطروحة على بلادنا اليوم، ولم يعكس الوعي العميق الذي حكم خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية قبل بضع أيام فقط.
الأغلبية الحالية تبدأ عملها اليوم بامتلاك تفوق عددي كبير في غرفتي المؤسسة التشريعية نجم عن نتائج انتخابات ثامن شتنبر وخامس أكتوبر، وأيضا في أغلب الجماعات والجهات والغرف المهنية، كما أنها تتشكل من قوى حزبية لديها الكثير من القواسم المشتركة فيما بينها، ما يفرض عليها أن تكون أكثر تحررا وانسجاما، وأن يكون برنامجها وتصريحها يجسدان رؤية يمينية ليبرالية واضحة، تنتصر، على الأقل، للقيم الكونية الداعمة للحريات والتعددية والانفتاح والخيارات الديمقراطية، وتنبذ الهيمنة والانغلاق والأحادية.
من جهة ثانية، تبدأ الحكومة الجديدة عملها، في الوقت الذي توجد عدد من البرامج والمبادرات الأساسية على طريق التنفيذ أو الانطلاق، وستتولى هي متابعة إنجازها، كما أن جلالة الملك في خطاب افتتاح البرلمان استعرض وذكر بكل ذلك، ولفت إلى مؤشرات اقتصادية إيجابية تميز واقع البلاد اليوم، وتبرز حجم الجهود التدبيرية والتنموية التي بذلت، وهي مميزات لبيئة داعمة سينطلق عمل الحكومة ضمنها، لكن شعبنا يتطلع إلى الحكومة حول انتظاراته اليومية والآنية، المتصلة بقدرته الشرائية وظروف عيشه، وانتعاش عدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وكذلك بتطلعاته إلى تحسين واقع قطاعات الشغل والصحة والتعليم بالخصوص، وهنا لم يقدم تصريح رئيس الحكومة أول أمس الكثير من الإجراءات الدقيقة والمقنعة والمطمئنة، وبقي مرتبطا بمعجم النوايا والوعود بشكل عام.
السياق الزمني الذي تبدأ فيه الحكومة ولايتها يتسم بالكثير من التحديات والتقلبات، وطنيا وإقليميا وكونيا، ورهانات أخرى لا زالت قائمة، وستفرض نفسها قريبا على بلادنا، وهو ما يوجب على حكومتنا الوعي بها وبمخاطرها، وأيضا امتلاك رؤية استراتيجية شمولية لخوضها، ولن يتحقق ذلك بدون الحرص على اليقظة الوطنية، وعلى تمتين الاستقرار المجتمعي العام، وتقوية الجبهة الداخلية، وأيضا بدون الحرص على الانفتاح وحماية التعددية السياسية وتكريس الخيار الديمقراطي.
لقد فشلت الحكومة السابقة أيضا في ضعف تواصلها مع الرأي العام الوطني، وفي غياب الحضور السياسي القوي لها في الساحة الوطنية، وهذا يعتبر درسا على الحكومة الجديدة أن تستفيد منه، وأن تعمل لتجاوزه، ولتقوية تفاعلها المنتظم مع انشغالات شعبنا وتطلعاته، وأن تسعى لبلورة منظومة تواصلية محكمة وفاعلة تجاه شعبنا، وفي العلاقة مع صحافتنا الوطنية، ومع البرلمان والأحزاب السياسية، وخصوصا قوى المعارضة.
إن مصلحة شعبنا ومستقبل وطننا تفرضان أن نتمنى للحكومة الجديدة النجاح، ولكن أيضا أن نبرز النواقص وتجليات العجز والقصور، ولهذا نعتقد أن التصريح الحكومي لم يتوفق كثيرا في تجسيد كثافة ما يميز المرحلة الوطنية الحالية، وحجم التحديات والمخاطر التي تلفها، ولم يستطع، في محتواه وفي منهجيته، أن يخلق القطيعة اللازمة، أو أن يقنع المغربيات والمغاربة بأن ما قدم أول أمس كان مختلفا جدا…
ننتظر المحطات القادمة إذن…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top