التعليم… مرة أخرى ودائما…

يستمر إصلاح التعليم ببلادنا باعتباره أولوية الأولويات، ويجسد التطلع الوطني للنهوض بالرأسمال البشري وإنماء الوعي العام لشعبنا وشبابنا، وتعزيز التنمية البشرية، وكثير من التصورات والاقتراحات طرحت، كما أن خطط إصلاح عديدة تم تجريبها.
هذه الأيام، تحدث وزير الداخلية بدوره عن التعليم، وقال، في مناظرة بالصخيرات، إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة ستضاعف جهودها لدعم المنظومة التعليمية الوطنية.
وتكلم، في السياق نفسه، عن التعلمات، وعن الجودة، وعن الجوانب اللامادية في التنمية، وعن اكتساب التلاميذ والطلبة للمهارات والمعارف…
وقبله، كان قد تكلم وزير التربية في مناسبات عديدة، وحل رئيس الحكومة بنيويورك ممثلا للمملكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصرح أن المغرب سيعرض هناك «مشروعه الكبير لإصلاح منظومة التربية والتعليم»، وذلك في قمة أممية  حول: (تحويل التعليم).
مختلف هذه التصريحات والنوايا من المسؤولين المغاربة يجب أن تتحول إلى فعل ملموس وأجندة محكمة لإنجاز الإصلاح على أرض الواقع، وأن يلمس ذلك المغاربة في حياتهم اليومية، ومن خلال مستويات وتعلمات أبنائهم، وليس أن تبقى مجرد إعلانات لنيل تعبيرات الإشادة والإعجاب.
إن إصلاح منظومتنا التعليمية لا يتطلب التشخيص ومعرفة الواقع وتجليات الضعف والقصور، ذلك أن مجلدات متوفرة بهذا الشأن منذ سنوات، والجميع يعرف ما يجب فعله، ولكن الأمر يستوجب اليوم إرادة قوية وحقيقية، ويقتضي شجاعة اتخاذ القرار والتعبئة من أجله، وجودة حكامة القطاع، وصياغة منظومة إجرائية لإنجاز الإصلاح على الأرض، تكون دقيقة في الآجال والأهداف، ومدركة للتداعيات والآثار…
قد يكون الإصلاح الجدري مكلفا من الناحية المالية والاستثمارية، ولكن كلفة الجهل والأمية وإهمال الإصلاح تبقى أكبر، ولها عواقب وخيمة على كامل المجتمع، وعلى مستقبل البلاد، ومن ثم يعتبر الإصلاح مجديا ومربحا مهما كانت كلفته المالية.
من جهة ثانية، إصلاح التعليم وتطويره ضرورة وطنية، ومسؤولية تجاه شعبنا ومستقبل بلادنا، وذلك قبل أن تكون التزاما أمام المجتمع الدولي، ومنذ عقود أثبت المفكرون والعلماء محورية الجوانب اللامادية في تحقيق التنمية البشرية، وهنا يعتبر التعليم والثقافة شرطان أساسيان للوصول إلى الهدف.
ولقد نبهتنا ظروف وصعاب زمن الجائحة إلى هذه البديهية، وفرضت على كل العالم التعاطي مع الثقافة والتعليم كرافعتين للتنمية والتقدم، ولتمتين تعبئة المجتمع.
المدرسة أيضا لها أهمية مجتمعية وقيمية، فضلا عن أدوارها التعليمية والتأهيلية، ذلك أنها تجسد وتكرس المساواة وتكافؤ الفرص، وتتيح بناء شخصية الإنسان وإشعاع قيم المواطنة، وتساهم في بناء منظومة العيش المشترك والسلام المجتمعي، ومن ثم يجب أن يقوم إصلاحها على إدماجها في محيطها المجتمعي العام، وعلى جعلها منخرطة ضمن السعي العام لتحقيق التنمية والتقدم والارتقاء بالإنسان.
وتبعا لما سبق، فإن الحديث اليوم عن الحاجة لإصلاح التعليم وتطوير كامل منظومتنا التربوية الوطنية لا يجب أن يبقى مجرد سردية سجالية عابرة، ولكن الأمر بات ذا ملحاحية، ويكتسب أهمية وطنية ذات أولوية، ولم يعد ممكنا تأجيله أو التماطل في تحقيقه.
الكل اليوم يستعرض تجليات التدني والتراجع في مستويات متعددة، سواء من خلال ضعف المقدرات التعلمية والتكوينية أو ضعف الالتزام بالقيم وتملكها، أو أيضا ضعف الوعي الثقافي العام وسط مجتمعنا، وكل هذا لا يمكن الانعتاق منه من دون إصلاح التعليم ووقف الانحدار الذي توجد عليه المدرسة.
من المستحيل أن نستطيع النجاح في تحقيق الأهداف التنموية لنموذجنا التنموي الجديد من دون إصلاح التعليم وجودة المدرسة، وخصوصا ما يهم التعليم والمدرسة العموميين.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top