الحاجة لمقاربة إعلامية حقوقية للعنف ضد المرأة *

تنص المادة العاشرة من “ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة” الصادر بالجريدة الرسمية في 29 يوليوز 2019 على احترام صورة المرأة: “لا يجب أن تقدم المرأة في صورة تمييزية أو حاطة من كرامتها، ولا تستعمل بأي شكل من الأشكال في الإثارة التي تتجاوز فعل الإخبار”، في الوقت الذي نجد اتفاقية اسطنبول “بشأن منع ومكافحة العنف ضد النساء والعنف الأسري” تضع الإعلام والتواصل ضمن المبادئ الأربع لما تسميه بـ “العناية الواجبة” التي تضم أيضا الردع والزجر والتكفل بالضحايا (الاستماع، الدعم النفسي، العلاجات) وإعادة التأهيل، وهي المقتضيات التي يتعين اعتمادها كمبادئ موحدة.
لقد أصبحت الحاجة ماسة في المرحلة الراهنة إلى معالجة إعلامية، ترتكز على مقاربات ذات طبيعة حقوقية للعنف ضد المرأة، عوض التعامل مع هذه المعضلة الاجتماعية التي تنخر جسد المجتمع المغربي في الوقت الراهن، وهو ما تتمخض عنه عدة مشاكل اجتماعية ونفسية وأيضا خسائر اقتصادية بالغة، منها ما قدرته المندوبية السامية للتخطيط في بحث وطني أصدرته في نهاية السنة الماضية حول “العنف ضد النساء والرجال”، أن كلفة العنف ضد النساء في الفضاء الزوجي، بالنسبة لـ 24 بالمائة من الضحايا اللواتي اضطررن لتحمل تكاليف مباشرة و / أو غير مباشرة للعيش، قدرت بـ 1.98 مليار درهم (1.3 مليار درهم في الوسط الحضري و681 مليون درهم في الوسط القروي).
وهكذا يمكن القول إن ظاهرة العنف المرتكز على النوع الاجتماعي لازالت تشكل واقعا مريرا تعاني منه عدد هائل من النساء ليس فقط في بلدنا ولكن في مختلف بلدان المعمور. وفي ظل جائحة كوفيد 19 المستجد، ارتفع عدد النساء اللاواتي تتعرضن للعنف في المغرب، بنسبة 31.6 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019، كما جاء في عملية الرصد الذى أنجزته فدرالية رابطة حقوق النساء مؤخرا.
وفي ظل هكذا وضع تبرز أهمية الدور الذي يضطلع به الإعلام باعتبار تأثيره الكبير ليس فقط في تشكل الرأي العام وتوجيهه، ولكن في إشاعة التربية الاجتماعية السليمة، ومن ثمّة قدرته على خلق ثقافة اجتماعية مناهضة للعنف ضد المرأة داخل الفضاء العام والخاص، فضلا على التأثير في السياسات الاجتماعية والثقافية والمعرفية وفي التوجهات العامة تجاه قضايا المرأة، وبما يخدم تقديم رسالة إعلامية تدعم صورة إيجابية عن المرأة وتحسين صورتها.
وتتعاظم أهمية وسائل الإعلام الجماهيرية من صحافة ورقية وإعلام سمعي بصري وإلكتروني، في خضم المتغيرات التكنولوجية في مجال الاتصال وما يلاحظ من لجوء مكثف لهذه الوسائط والتواصل من لدن كافة المكونات المجتمعية، بفعل التأثير الذي أضحت تمارسه على تشكيل الرأي العام وتوجيهه (سلبا أو إيجابا)، وتحول بذلك الإعلام إلى سلطة أولى فاقت أهميته السلطات الدستورية الثلاث منذ عهد فصل السلط (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، مما جعل الفضاء العمومي يتحول إلى فضاء إعلامي بامتياز، حسب المفكر الألماني يورغن هابرماس.
وإذا كان من المسلم به بأن الإعلام يعد من الأدوات الهامة التي تساهم في عمليات التغيير الفكري والتنشئة الاجتماعية وخلق بيئة داعمة لقضايا النساء، فإنه ليس ترفا فكريا، بل يمكن، إذا ما أحسن استخدامه لتحقيق أهدافه في مجالات الإخبار والتثقيف والترفيه، أن يضطلع بأدوار طلائعية في مناهضة التحرش والعنف المبني على النوع الاجتماعي الذى يعتبر ليس فقط انتهاكا لحقوق الإنسان الذي أقره الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية، بل أيضا عرقلة لتطور المجتمع اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وسياسيًا.
بيد أن صورة المرأة في الخطاب الإعلامي، تتعرض من لدن بعض وسائل الإعلام في بعض الأحيان إلى تشويه مرة بدوافع تجارية ومرة أخرى لأغراض سياسية محافظة، وهو ما يسهم في تغذية العنف والتحرش الذى يطال المرأة في المجتمع، خاصة في ظل الارتهان لصور نمطية سلبية والمساهمة في تشييء المرأة والمس بكرامتها وبإنسيتها، وحتى الحث على العنف ضدها، وهي ممارسات لازالت مع الأسف قائمة في المضامين الإعلامية حسب الأستاذة لطيفة أخرباش رئيسة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، التي ترى في أحد حواراتها الصحافية مؤخرا، بالخصوص أن المعالجة الإعلامية للعنف ضد المرأة غالبا ما تتسم بالسطحية، وتحاكي أخبار الحوادث العرضية، وتغليب كفة الإثارة على حساب التوصيف والتحليل.
فدور الإعلام في تغيير الثقافة المجتمعية المتحيزة ضد المرأة وفي مناهضة كل التيارات التي تنتهك كرامتها الإنسانية، رهين ببناء وتعزيز القدرات الفكرية والمهنية للإعلاميين والإعلاميات، بما يمكنهم من التفاعل الإيجابي مع قضايا المرأة، بهدف تقديم صورة إيجابية عن النساء كمواطنات ودعم حقوق المرأة ومكانتها ومواجهة الثقافة التقليدية والأعراف والعادات المناهضة لها والتي تعتبر من أهم مصادر العنف ضدها.
غير أن العنف ضد المرأة قضية لها أبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وأن مواجهتها تتطلب تكاثفا اجتماعيا، ويشمل أطرافا عدة منها الإعلام الذي يساهم في تشكيل الثقافة وتغيير التوجهات الاجتماعية إزاء المرأة وصورتها وحقوقها، فإن الأمر يتطلب من كافة الأطراف المتدخلة اعتماد استراتيجية إعلامية وتواصلية واضحة المعالم عوض الاكتفاء بالحملات المناسباتية مع العمل على ضرورة المساهمة وفق مقاربات علمية على تحسين صورة المرأة في مختلف وسائل الإعلام، موازاة بالتوعية بأهمية ضمان حقوقها وحمايتها من العنف بمعناه الواسع وبأنماطه وأشكاله المعنوية والمادية، بما فيها الصور الجديدة للعنف، عبر برامج تثقيفية توضح الانعكاسات السلبية لهذا العنف على الأسرة والمجتمع.
كما يتطلب الأمر اتخاذ بعض التدابير في مجال الإعلام؛ منها على الخصوص العمل على تطهير كافة البرامج والأعمال الإعلامية والفنية مما يشوه صورة المرأة ويحط من كرامتها، والانفتاح على تجارب الفعاليات المدنية المناهضة للعنف والتحرش التي يكون مصدرها النوع الاحتماعي، وإعداد دراسات وأبحاث إعلامية علمية متعددة التخصصات في مجال العنف والتحرش ضد المرأة، وإشراك الخبراء والفاعلات والفاعلين في مجال المرأة وقضاياها، عند إعداد المحتويات الإعلامية وتضمين النوع الاجتماعي في المضمون الإعلامي بصفة عامة فضلا عن بناء قدرات الإعلاميات والإعلاميين وفق مقاربة حقوقية لقضايا المرأة والتوعية بمفاهيم النوع الاجتماعي وتفعيل مواثيق أخلاقية مهنة الإعلام في مقاربة قضايا المرأة منها مناهضة العنف والاهتمام بتكوين واستكمال تكوين الصحفيات والصحافين في مجال قضايا المرأة منها العنف ضد النساء.
* مداخلة في ندوة “إسهام الإعلام في مناهضة العنف ضد المرأة”
نظمها بالرباط منتدى مساهمة المغرب بشراكة مع مركز التضامن العمالي،
بتاريخ 27 يناير 2021

< بقلم: جمال المحافظ

Related posts

Top