يواجه الموسم الدراسي:2020- 2021، الذي انطلق أمس الاثنين، عديد تحديات، جراء تفشي فيروس:”كوفيد-19″، وأيضا بسبب الارتباك الواضح في التدبير الحكومي لهذه العملية.
هناك فعلا تحديات بنيوية تعاني منها منظومتنا التعليمية منذ سنوات، تبرز كذلك هذا العام وترخي بثقلها على الدخول الجديد، وتتعلق أساسا بالوضع الكارثي للبنيات التحتية المتعلقة بالمدارس في مختلف المستويات، وأيضا الاكتظاظ داخل الأقسام، وهذا يساهم في تعقد صعوبات دخول هذه السنة ومعضلاته، ويؤثر في مدى جاهزية مدارسنا لمواجهة الظرفيات الإستثنائية.
وحتى مؤسسات التعليم الخصوصي ليست كلها جاهزة على هذا الصعيد، وأغلبها لا يختلف واقع تجهيزاتها على ما يوجد في المدارس العمومية.
لكن، علاوة على هذه المشكلات البنيوية المعروفة، وأيضا ما يعانيه مهنيو القطاع من إحباط وخيبة وظروف مادية ومهنية صعبة، فإن توالي القرارات الحكومية وتناقضها وارتباكها يزيد من تفاقم الصعوبات التي تلف العام الدراسي الجديد.
من المؤكد، العالم كله يعاني من المشكل نفسه، و”كوفيد- 19″ أربك كل السيناريوهات، وجعل كل الخيارات والنماذج المطروحة تحمل ضمنها سلبيات وإيجابيات، ولا توجد، تبعا لذلك، وصفة سحرية تحضى اليوم بالإجماع في كل الدنيا، لكن الحكومات وجدت أساسا للتخطيط، ولصياغة تصورات توقعية واستباقية تتفادى بها وقوع الكارثة، وتحقق حاجيات الشعوب، أي، في حالتنا هذه، تضمن دخولا مدرسيا آمنا للتلاميذ والطلبة وكل الأطقم التربوية والإدارية، وتضمن حق أبناء المغاربة في التمدرس وتكافؤ الفرص والسلامة الصحية.
هذا هو المشكل المركزي اليوم، أي أننا جميعا نحس كما لو أن حكومتنا، ووزارة التربية الوطنية بالخصوص، تدبر بأسلوب”كل يوم ورزقو”، أو على الأصح”كل يوم وقرارو”، ولا تمتلك خطة متكاملة ومحكمة للمستقبل، أو أنها تتحرك وفق مقتضياتها.
القول، من طرف المسؤولين، بأننا في حالة طوارئ صحية، وأننا أمام فيروس غير مرئي يواصل الانتشار والفتك، وأن نفس المشكل يعانيه العالم كله، كل هذا حق لا يجب أن يخفي مسؤولية السلطة الحكومية في صياغة خطط أولى وثانية وثالثة لمواجهة تحولات الحالة الوبائية، وإنجاز خطوات تدبيرية استباقية.
ما هي إذن هذه العبقرية، التي لا تتقنها سوى حكومتنا الموقرة، والتي توجب كل مرة نشر قرار بعد منتصف الليل؟ وماذا يعني مثلا إصدار قرار في المساء ثم إصدار آخر بعد ساعات من ذلك؟ ما معنى كذلك ألا نعلن عن اعتماد التعليم عن بعد في مدارس إلا بعد أن تكمل الأسر اقتناء الكتب واللوازم، وخلود التلاميذ للنوم استعدادا للتوجه في الصباح إلى المدرسة؟
وما معنى أيضا أن نعتمد التعليم عن بعد من دون الإعلان عن أي إجراءات مواكبة أو مبادرات لتحفيز الأسر أو تسهيل ولوجها إلى الأدوات والمعدات التكنولوجية والربط بالأنترنيت؟ وما معنى أن نسعى ليكون الدخول المدرسي في موعده ونصر على ذلك، دون أي استثمار مالي عمومي لتيسير الوصول إلى هذا الهدف؟
هذه الأسئلة وأخرى غيرها، تحضر اليوم بقوة في أحاديث مختلف الأسر، وأيضا في الكلام الصاخب والمتوتر بين أولياء التلاميذ والمدارس، وهناك حالات عديدة وصلت فيها هذه العلاقة المتشنجة إلى القضاء، وهو ما كان يمكن لحكومتنا أن تتفاداه أو على الأقل أن تخفف منه بتمتين تواصلها مع المغاربة.
العديدون نبهوا وزارة التربية الوطنية، والحكومة ككل، إلى أن دقة الظرفية وحساسيتها كانت تفرض إعمال حوار عمومي هادئ وعميق حول الموسم الدراسي الجديد.
ليس الأمر صراعا لتسجيل أهداف في مرمى أحد، ولكن يتعلق الأمر بمصير ملايين الأطفال والشباب، ولهذا كان يجب على السلطات الحكومية ذات الصِّلة أن تتحرر من أنانيتها المفرطة، وأن تنصت إلى المجتمع والقوى الحية، وتتفاعل بإيجابية أكبر، وعلى الأقل أن تتعاطى مع الأسر والتلاميذ باحترام، وتخبر بقراراتها في وقت مبكر، وتأتي مثلا إلى التلفزيون وتشرح للناس الخطوات الواجب اتباعها، وتبادر إلى نقاش عمومي رصين بشأنها، يروم التوعية والتعريف والتحسيس، وأيضا التعبئة قصد كسب تحدي إنجاح العام الدراسي.
من جهة ثانية، الحكومة لم تستطع حماية حقوق أسر تلاميذ المدارس الخصوصية بداعي كون الأمر يتعلق بشركات خاصة، ولم تبال لكون هؤلاء الناس مغاربة أيضا، ولهم على حكومتهم حق حماية مصالحهم، بل إنها لم تستطع حتى فرض احترام رسوم التأمين القانونية بهذه المدارس الخصوصية.
لقد اعنبرت غالبية الأسر المغربية تجربة التعليم عن بعد للسنة الماضية فاشلة ولم تحقق المطلوب منها، وأعداد كبيرة من هذه الأسر سجلت هذه السنة أبناءها ضمن التعليم الحضوري، ودفعت مبالغ مالية مقابل ذلك في مدارس التعليم الخصوصي، ومع ذلك، فهي لا تعرف هل سيتحقق لها ذلك أم أنها ستعود إلى الاكتفاء بالتعليم عن بعد، ما سيفرض مصاريف أخرى، وكل هذا ليس سوى المعنى الحقيقي للارتجال.
الأصعب على الأسر المغربية هذه الأيام هو بالضبط هذا الارتجال الحكومي، وتهاطل القرارات الرسمية، وغياب أي رؤية للمستقبل الدراسي لأبنائها، وكذلك هروب الحكومة من أي حوار عمومي جاد وعميق حول هذه القضايا الأساسية والمصيرية.
<محتات الرقاص