الدخول المدرسي…

لاحظ الجميع، هذه الأيام، أن الأجواء العامة للدخول المدرسي لم ترافقها الكثير من مظاهر فرح الأسر أو صور الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدل ذلك، جرى هذا الدخول ضمن حالة قلق واضحة، ورافقته شكاوى الناس من ارتفاع تكاليفه ومتطلباته.
وكما كان متوقعا، حل الدخول المدرسي والجامعي ضمن السياق الاجتماعي الصعب ببلادنا، والذي يتسم بالغلاء في العديد من المواد والخدمات، وارتفاع سعر المحروقات، ومصاعب ما بعد الجائحة، وتدني القدرة الشرائية لأغلب الأسر، وغير ذلك.. وكل هذا نجم عنه كذلك غلاء في أسعار المقررات والدفاتر والأدوات واللوازم المدرسية، وارتفاع في تكاليف التسجيل بالنسبة لمدارس التعليم الخصوصي، كما أن مؤسسات التعليم العمومي، بمختلف مستوياتها، عانت، خلال الدخول، من الازدحام، ومن توافد آلاف التلاميذ قصد التسجيل، وهو ما نتج عنه ارتباك كبير في تدبير عملية الدخول بالعديد من جهات المملكة، علاوة على أن منظومة التعليم العمومي تعاني أصلا من ضعف البنيات التحتية والمرافق، ونقص في عدد المؤسسات وجاهزيتها، إضافة إلى النقص المتراكم في عدد الأطر التربوية والإدارية، وكل هذا أفضى إلى دخول مدرسي وجامعي يتسم بالكثير من القلق وضعف التفاؤل، سواء وسط التلاميذ وأسرهم أو وسط المدرسين ومختلف فئات الشغيلة التربوية والإدارية بقطاع التعليم.
هذه الأجواء النفسية المتفشية والنظرة العامة هي نفسها تجسد تحديا مركزيا لإصلاح تعليمنا الوطني،  وبالتالي تفرض الحاجة إلى إعادة إشعاع التفاؤل والدينامية بداخله.
أما التحدي الثاني، فيتعلق بتواصل المشكلات المعروفة التي تعاني منها المدرسة المغربية بشكل عام، وتكرار المطالبة بحلها منذ سنوات، وذلك بالرغم من تجريب العديد من المخططات وبرامج الإصلاح بلا أي أثر جوهري ملموس.
إن البلدان التي تحرص على تحقيق التقدم والرقي والازدهار، هي التي استثمرت في التعليم وتطوير معارف الشعب ومحاربة الجهل والأمية والتخلف وإنماء  المهارات العلمية والتقنية والفكرية لأبنائها، وبالتالي هي التي وفرت الميزانيات والأموال والإستراتيجيات من أجل ذلك، وتعاملت مع التعليم كأولوية الأولويات لصناعة تقدمها.
ولهذا، فعلاوة على أهمية الاستثمارات العمومية والقوانين، وأيضا الحكامة والتسيير الجيدين، فإن التعليم ببلادنا يتطلب رؤية عامة واضحة، وخطة تنفيذية محددة في الزمان والإجراءات والأهداف، كما أن الإصلاح، وبالإضافة إلى المقررات والمضامين والمناهج والأساليب واللوازم والأدوات، يجب أن يمس المتعلمين والتلاميذ والطلبة داخل قاعات الدراسة وأن يحسوا به ويلمسوه ويدركوه وينعكس على مستوياتهم التعلمية والإدراكية والمعرفية والثقافية، وأن يستفيد المجتمع من كل ذلك، من خلال القضاء على الجهل والأمية والتخلف، ومن تداعيات تدني المستويات المعرفية، وأن يفضي الأمر أيضا إلى التخفيف والنقص من العطالة وسط الشباب، وبالتالي أن يستطيع التعليم والمدرسة الإسهام في الارتقاء الاجتماعي وتنمية سوق الشغل.
من جهة أخرى، إصلاح المنظومة التعليمية يمر أيضا عبر تطوير ظروف الهيئات التربوية والإدارية وكل فئات العاملين في القطاع، وبالتالي إعادة تعزيز الثقة لديهم، وتحفيزهم للعطاء والبذل.
هناك اليوم فئات من الشغيلة التعليمية لها مطالب مادية واجتماعية وقانونية مشروعة، وهناك ظروف عيش وشروط عمل غير مقبولة داخل القطاع، وهذا العام تعالت أصوات مركزيات نقابية تطالب الحكومة على الأقل بتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه معها، وتمتين الحوار الاجتماعي داخل القطاع، وتقوية تفاعل الحكومة مع مطالب وانتظارات الأطر التربوية والإدارية.
وإلى جانب ما سبق، فإن إنجاح إصلاح حقيقي في قطاع التعليم يستوجب كذلك منظومة متكاملة للتكوين المستمر وتقوية مهارات وقدرات ومعارف المدرسين، وجعلها منسجمة مع ما يشهده العالم من تحولات وتطورات متسارعة.
إجمالا، لم يعد أحد اليوم يختلف على مركزية إصلاح التعليم وتطويره والارتقاء به، ولا يختلف إثنان على الأهمية المجتمعية والإستراتيجية لهذا الإصلاح المركزي وملحاحيته، ومن ثم يجب أن تمتلك البلاد إرادة سياسية قوية لكسب هذا الرهان الوطني، وأن توفر رؤية مجتمعية عامة وشاملة لهذا الورش الإصلاحي الكبير، كما يعتبر ضروريا اليوم استنفار سلطات القطاع لتفعيل إجراءات ميدانية وعملية بغاية القضاء على الاكتظاظ، التخفيف من غلاء اللوازم المدرسية وتكاليف التسجيل، تلبية مطالب المهنيين، وخصوصا العالقة منها، وبالتالي تقوية دينامية التفاؤل والاستقرار على صعيد المنظومة بكاملها، وذلك لتأمين إنجاح الدخول والسنة الدراسيين.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top