الرعونة الجزائرية المألوفة

التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري لم تضف جديدا لما هو معروف، ولم تكشف سوى العداء والحقد المتفشيين ضد المغرب لدى النظام العسكري الجزائري، كما أبرزت للجميع أن هذا النظام يصر على جعل الرعونة أسلوبا ديبلوماسيا، ومقوما لعلاقاته مع جاره المغرب.
القول بأن العلاقات مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة، والتصريح برفض كل الوساطات لحل الأزمة، والتهجم على كل دولة تساند الموقف المغربي، كل هذا يلخص عقلية النظام الجاثم على الجار الشرقي للمملكة، ويكشف أننا فعلا أمام نظام غارق في الجمود والتكلس و… الهذيان.
لقد بقيت الديبلوماسية الجزائرية منذ مدة تنفي وجود أي وساطة عربية بينها وبين المغرب، واليوم لم يتردد رئيس النظام في تكذيب ذلك، وصرح بوجود وساطات رفضتها بلاده.
ورغم أن جينرالات الجزائر وأركان النظام هناك يرددون منذ عقود أنهم غير معنيين بنزاع الصحراء وأن ما يحركهم هو المواقف المبدئية فقط، ولكن في نفس الوقت هم يهاجمون أي بلد ساند الحقوق الوطنية المغربية المشروعة، وهذا ما يحدث الآن مع إسبانيا مثلا، ولم تتردد الديبلوماسية الجزائرية في خلق أزمة مع مدريد بمجرد أن أيدت حكومة سانشيز المقترح المغربي حول الحكم الذاتي وأعلنت تحولا تاريخيا في موقفها، كما أن هذا النظام العسكري يقفز على أي تطور لعلاقات المغرب مع أي بلد في العالم، وخصوصا في إفريقيا، لمحاولة إفشاله أو افتعال مناورات لمحاصرة حضور المملكة إقليميًا ودوليا، وحتى لما تفشل هذه المناورات المسعورة يكرر الجينرالات المحاولات، وينفقون الملايير عليها من خزينة الجزائر، ومن ثم تحول العداء للمغرب إلى مهمة استراتيجية ووحيدة للماكينة الديبلوماسية والدعائية الجزائرية.
النظام الجزائري نسي كل خلافاته مع فرنسا، وشطب على كل مطالبه تجاهها، وعلى كامل عقد التاريخ والذاكرة والسياسة والاقتصاد، وارتمى في أحضان إيمانويل ماكرون مطيعا له ومستجيبا لكل أوامره، فقط بسبب وجود أزمة في العلاقات المغربية الفرنسية، ومحاولة الركوب عليها لتعميقها.
عقدة المغرب هي محرك الديبلوماسية الجزائرية إذن، وذلك سواء في افتعال أزمة مع إسبانيا أو في معانقة فرنسا ماكرون، والنظام العسكري هناك لا يأبه بكل ما تخسره الجزائر بسبب هذا العمى الديبلوماسي والسياسي، وبسبب هذه الرعونة المجنونة.
الرئيس الجزائري في تصريحاته الإعلامية الأخيرة لم يستحضر معاناة شعبه الداخلية، ولم يبال بما تسببت فيه قرارات النظام الأخرق من قطع أواصر العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين مئات الأسر المغربية والجزائرية، وسخر من الكل بالقول إن بلاده استراحت حين قطعت علاقاتها مع المملكة وأغلقت الحدود بين البلدين.
هو نفسه أيضا لم يخجل في التأكيد على استطاعة بلاده حل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا والتوسط بين طرفيها، ونسي أن بلاده تساهم في إشعال العديد من الأزمات دون أن تستطيع حلها، وذلك على غرار الوضع في ليبيا، أو الأوضاع العامة في تونس، أو العلاقات الثنائية مع موريتانيا، أو أيضا الأزمات في عدد من دول الساحل جنوب الصحراء.
الجهل هنا يعانق الرعونة، ثم يتفاقم المرض لما يرتبط بشعور متخيل ووهمي بالعظمة.
مشكلة النظام العسكري الجزائري، وتصريحات تبون فقط من تجليات ذلك، أنه غرق في الماضي ويصر على البقاء فيه.
كل مشكلاته مع المغرب الجار تعود للتاريخ و… للماضي، ولما يعرض المغرب يده الممدودة، ويدعو للحوار الصريح بين البلدين وحل كل الخلافات، لا يجد الجينرالات أي جواب للرد، ثم يلوذون بالماضي بغاية الهروب.
أما مشكلته الأخرى، فهي في عجزه عن اكتساب ثقة الشعب، وفشله في صياغة أجوبة ديمقراطية وتنموية للانتظارات الشعبية الداخلية، ومن ثم يصر على إيهامه بوجود عدو خارجي هو المغرب يعلق عليه كامل فشله الداخلي.
وتبعا لهذا، ليس أمام المغرب سوى مواصلة يقظته السياسية والديبلوماسية والميدانية، والدفاع عن وحدته الترابية وسيادته الوطنية وحقوقه ومصالحه المشروعة، وأيضا الاستمرار في تعزيز حضوره الإستراتيجي الإقليمي والدولي، وتطوير شراكاته الثنائية وتنويعها ضمن استقلالية قراره السياسي والديبلوماسي الوطني، وكذلك تمتين منجزه التنموي والديمقراطي الداخلي، وتقوية جبهته الوطنية الداخلية، الورقة الرابحة في التصدي لكل خصوم المملكة.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top