> حاورها: محمد بلمو
ما أن وصلته نسخة مخطوطة من الديوان الثاني «رسائل النار والماء» للشاعرة سميرة فرجي، وقرأ قصائده الشعرية، حتى قرر عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري كتابة مقدمة الديوان، جاء فيها على الخصوص:»أعجبت بما تتمتع به هذه الشاعرة من إمكانات ذاتية وقدرات تعبيرية. فبالإضافة إلى لغتها الرشيقة، وعبارتها الجميلة الأنيقة، وصورها الرائعة البديعة، فهي تعنى بالتشكيل الموسيقي المطرب، تضبطه بأنماط إيقاعية داخلية وخارجية، تتعامل معها بعفوية وتلقائية»، قبل أن يخلص عضو أكاديمية المملكة في نهاية تقديمه المعبر قائلا: «وهي بهذا وبغيره تحتل موقعا طليعيا في ساحة الشعر العربي، يدعو بإعجاب وتقدير إلى كثير من الاعتزاز بها والافتخار»، في ما يلي حوار مع صاحبة»رسائل النار والماء».
> نشرت مؤخرا ديوانك الشعري الثالث “مواويل الشجن” بعد “صرخة حارك” سنة 2010 و”رسائل النار والماء” سنة 2013، عن نفس الدار “مطبعة المعارف الجديدة” ، وحسب الاهتمام الذي حظي به الديوان الأخير، من المرجح ان نسخه نفدت من السوق، ألا تفكرين في نشر طبعة ثانية له؟
< من المرجح أن أنشر طبعة ثانية من هذا الديوان، وإن كان جل قصائده قد نشر كذلك في مواقع إلكترونية متعددة.
> كيف ومتى أخذك الشعر إلى مملكته؟ تحدثي لنا عن بداياتك الأولى، عن علاقة الطفلة سميرة بالشعر، وكيف تطورت هذه العلاقة لتعلن عن ميلاد شاعرة مغربية جديدة ومتميزة؟
< الشعر بالنسبة إلي موهبة ولدت معي، إنه نعمة إلهية، فقد وجدت نفسي منذ طفولتي المبكرة أنسج محاولات شعرية أعبر بها عن مشاعري واندهاشي بالعالم والكون، وكنت أقرأها على بعض أساتذتي وزملائي في الدراسة وأذيعها على أمواج إذاعتنا الجهوية بوجدة وأنا لم أتجاوز الثالثة عشر من العمر.
> ثمة تماس دقيق بين لغة عملك اليومي، لغة القانون الجافة التي لا تعطي للعواطف قيمة تذكر، بقدر تسلحها بالفصول والحجج والأدلة، وبين لغتك الشعرية الشفيفة المفعمة بالعواطف والآهات والأحاسيس الإنسانية… كيف تدبرين تعايش اللغتين في كيانيك؟ وهل هناك من تأثير متبادل بينهما في تجربتك المهنية والإبداعية؟
< في حياتي قررت بإرادتي أن أكون محامية، ولذلك فإن أسلوب مهنتي يتميز بالعقل والمنطق والأدلة وتقصي الأثر.. ولكنني لم أقرر ان أكون شاعرة، لان الشعر زارني ويزورني كإلهام أحاول ترجمته بلغة موحية ورمزية أحيانا معبرة عن عواطف وأحاسيس أعيشها كإنسانة. فكل سياق له سلطته اللغوية وقاموسه الخاص.
> ميزة تجربتك الشعرية أنها تعاكس تيار الحداثة الجارف، فبينما اختار معظم الشعراء المغاربة كتابة قصيدة التفعيلة ثم قصيدة النثر، فضلت أنت الوفاء للقصيدة الكلاسيكية العمودية، رغم ما يطرحه ذلك من تحد أمامك بان تبدعي نصا شعريا جديدا بأدوات قديمة دون ان تسقطي في التكرار أو التقليد… هل بإمكانك توضيح هذا الأمر للقارئ؟
< العمود هو الأصل أو الأب، وما تفرع عنه من قصيدة “التفعيلة” أو قصيدة النثر هو بمثابة الأبناء من الأب، وقد يقتل الابن أباه ، لكن “القتل” بصفة عامة وقتل الأب طبعا جريمة يعاقب عليها القانون، وفي كل الأحوال، يهمني ان أتغنى بمضامين جديدة ومواقف وأفكار تواكب العصر، ولا يهمني كثيرا الشكل الفني الذي يستوعب تلك المضامين.
> قارئ شعرك، خصوصا قصائد “مواويل الشجن” يصاب بالاندهاش، بل بالصدمة، لأنه يكتشف أن كل ما قيل عن موت القصيدة العمودية وتشييعها إلى مثواها الأخير منذ زمان من طرف منظري وشعراء الحداثة، ليس صحيحا، على الأقل بالنسبة لما تقدمه تجربتك من نصوص قوية وأخاذة يغلب فيها الصدق والإبداع على الصنعة عكس العديد من التجارب التي اختارت النمط الشعري التقليدي ، لكنها سقطت في التصنع والتكلف القاتلين… بودنا أن نعرف رأيك في هذا الموضوع.
< القول بأن القصيدة العمودية قد شيعت إلى مثواها الأخير هو قول خاطئ بل ومجانب للحقيقة الإنسانية، ولا أدل على ذلك من القصائد العمودية التي يتغنى بموضوعاتها في الغزل والقيم الإنسانية والتصوف كبار المطربين في وقتنا الراهن، لان الشرط الأساسي الذي يجعلها تعيش بيننا وتطرق أبوابنا وقلوبنا هو الصدق في التعبير عن المشاعر والأحاسيس والصورة الأخاذة بمجامع القلوب والعقول، وقد حاولت في تجربتي الشعرية التعبير عن تجاربي بصدق وإخلاص كما حاولت التعبير عن تجارب الآخرين ومحاولة تقمص حالاتهم الإنسانية بنوع من الصدق دون السقوط في الضحالة والتكرار.
> حتى الأغراض الشعرية كما عرفناها في الشعر العربي القديم، نجدها في ديوانك الأخير، من الغزل العفيف، إلى الرثاء ونوع من البكاء على الأطلال.. هذا الأخير أثار انتباهي خصوصا في القصيدة الأولى “موال الشجن” مما يعني أنك عانيت كثيرا وفقدت الكثير من الأشياء والحيوات التي تربطك بطفولتك وشبابك؟
< قصيدة “موال الشجن” لا يمكن اعتبارها بكاء على الأطلال وإنما هي استدعاء شعري لمجموعة من الصور والتداعيات والذكريات المستقاة من عالم الطفولة والشباب، بالإضافة إلى كونها تعكس حرارة عواطفي وأشجاني من خلال تقنية “البحر” الذي هو في النهاية عالمي الداخلي الآخر.
> من الواضح أن مهنة المحاماة ترغمك على قراءة الكثير من كتب القانون، فماذا عن قراءاتك الشعرية؟
< مهنة المحاماة ترغمني حقيقة على قراءة كل المستجدات في ميدان القانون بكل أنواعه، وإلا لما أمكنني متابعة القضايا الجديدة التي يفرزها تطور العصر، لكني رغم ذلك، بعد الانتهاء من عملي اليومي، وفي بعض العطل أستجمع أنفاسي لقراءة الشعر، خاصة منه القديم، فأنا قارئة نهمة منذ نعومة أظفاري لأشعار عنترة بن شداد وجميل بثينة وأبي فراس، وفي الوقت الحالي أقرأ أشعار الأخطل الصغير وغيره.
>كيف تنظرين إلى الحركة الشعرية في المغرب، وفي المنطقة العربية؟
< الحقيقة أن الوطن العربي، لا يخلو من أصوات شعرية جميلة، غير أن الذين يكتبون القصيدة العمودية يشكلون قلة قليلة، بينما هناك اكتساح واضح لقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وفي مغربنا هناك شعراء وشواعر جيدون لكنهم قليلون، لأن القصيدة الحداثية المغربية في عمومها ما يزال الغموض يطبعها ويجعلها في غير متناول القراء وذوقهم، وهو أحد أسباب الأزمة التي نعيشها في شعرنا الحديث.
> مَنْ مِنَ الشعراء والشواعر تفضلين من القدماء والمعاصرين؟
< إذا كان في إمكاني أن أشير إلى الشعراء القدماء الذين أفضلهم، وهم بالإضافة إلى الأسماء التي ذكرتها سابقا، امرؤ القيس وعمر بن أبي ربيعة وابن الرومي وغيرهم، فإنني لا أستطيع ان أذكر واحدة من الشواعر أو واحدا من الشعراء في المغرب، لما في ذلك من إحراج، فقد أغفل عن ذكر أسماء مهمة.
> هل سنستمتع قريبا بنصوص ديوانك الرابع، وماذا تقولين عنه للقراء؟
< مازلت بصدد تأمل تجربتي الشعرية الأخيرة “مواويل الشجن” وتقصي الآثار والأصداء التي تخلفها، لأستطيع الإفادة منها في مشاريعي الشعرية القادمة، غير أنني أفكر في كتابة نصوص شعرية جديدة ذات طابع إنساني واجتماعي وقد تكون هناك قصائد أخرى ذات طابع عاطفي.