قال مصطفى المانوزي رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن، إن مفهوم الحكامة الأمنية، في حاجة إلى تمثله من قبل الفاعلين الأمنيين والسياسيين والحزبيين والبرلمانيين. وأضاف المانوزي في حوار مع بيان اليوم، على هامش، المائدة المستديرة المنظمة من طرف المركز بشراكة مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ( أضاف)، أن المركز ما يزال يطرح سؤال عدم إقدام الحكومة على ضم القطاع الأمني وأجهزته لسياساتها العمومية، وما هو المجهود التي تقوم به الحكومة لتحمل مسؤوليتها الدستورية والسياسية والقانونية، من أجل تدليل التحديات التي تخلقها الوقائع السياسية المرتبطة بالخصوص الاجتماعي، خاصة وأن الحكومة في نظره، وضعت كل ما هو حقوقي واجتماعي في ذيل مخططها التشريعي، وتعتبر الشأن الأمني خارجا عن مجال اهتمامها.
واعتبر المانوزي، أن التأخر الحاصل في تشييد المجلس الأعلى للأمن راجع إلى كون منسوب الثقة في المقاربة التشاركية لازال يحتاج إلى مزيد من الإنضاج، خاصة وأن هذا التماطل القسري صادف في نظره، فشل التجربة الحكومية ومعها فشل السياسات العمومية في استيعاب حيوية الشأن الأمني، ومع ذاك ، يؤكد المانوزي، أن المركز سيظل يناضل ويترافع من أجل ترسيخ الحكامة الأمنية، ومن أجل دولة قوية وآمنة وليس إلى دولة مخيفة وأمنية .
< نظم المركز المركز المغربي للديموقراطية والأمن، منذ أربع سنوات تقريبا، فضاءات متعددة للحوار حول ” الشأن الأمني بين مختلف الفاعلين العموميين”، سواء مع الفاعلين الحزبيين أو البرلمانيين أو الحقوقيين، وغيرهم.. ماهو تقييمكم العام لهذه اللقاءات ضمنها لقاء اليوم مع الصحافيين؟
> يبدو أن المركز المغربي للديموقراطية يمشي بأكثر من سرعة؛ إحداها تستمر في تكريس الحكامة كقيمة للتدبير الشفاف والمسؤول في مجال الأمن، وهو ما يعني النجاح في تطبيق أقوى توصية من بين توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والسرعة الثانية الموازية تتعلق بتجاوب بعض العاملين في مجال الأمن والقائمين على إنفاذ القانون واستعمال القوة العمومية، مما يدفع الدولة ومؤسساتها ذات الصلة بالأمن إلى التركيز على أمن الدولة والمواطنين، خلافا لما كان الأمر في ماضي سنوات الرصاص. فالمنهجية والتواتر لم يعد لهما ذلك الحضور بنفس الحجم، وبالتالي فأغلب الانحرافات تهم الأشخاص ولم تتعد المسؤولية مرفقية، أي أن الموظفين المخالفين يقترفون أخطاء شخصية، وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم القانونية الشخصية؛ وهنا لابد من أن أذكر بالمؤاخذة التي سجلتها خلال الورشة، وهي أن الإدارة العامة تنتصب مطالبا بالحق المدني تجاه المتهمين بإهانة موظف عمومي ( أمني )، وهذا من شأنه أن يوجه، أحيانا أطوار وقناعة بعض هيئات الحكم، والتي تحرج أمام وجود الدولة المغربية أو الإدارة العامة للأمن الوطني، قد يقال، بأن هذه ” الحماية ” يقتضيها القانون المنظم للقطاع، ولكن القانون الجنائي كاف في مقتضياته ويدين كل اعتداء على الموظف العمومي أثناء ممارسته لمهام ” العمومية أي الدولتية “، وهذا يثبط إرادة وعزيمة الدولة والمجتمع، ويردع بيداغوجيا تمثل ثقافة الحكامة ومبدأ المساواة أمام القانون، لأن جرعة ” الحماية ” مضاعفة، وتوحي لدى حاملي تمثلات الماضي باستمرار تفوق الدولة، حتى لا نقول توفر المواطنة الامتيازية، فمطالبة الدولة بالتعويض ولو كان رمزيا، بالإضافة إلى تعويض الموظفين ضحايا الاعتداء المنسوب، له تأثير ومفعول سلبي على مطلب الأمن القضائي .أما السرعة الثالثة، فتروم جعل الحق في الأمن ضد الخوف حقا دستوريا متلائما في تفعيله مع المعايير الدولية، من هنا كنا نحرص على أن يرتقي الأمن من مهمة وظيفية تقنية وتنفيذية يمارسها موظفو الأمن إلى خيار استراتيجي ضمن السياسة العمومية والتشريعية وتخضع للرقابة البرلمانية والمساءلة القضائية، فأين وصل مجهودنا الترافعي في العلاقة مع تشييد المجلس الأعلى للأمن كمؤسسة حاضنة ومسؤولة عن إرساء مقتضيات الحكامة الأمنية ، والتي كانت مجرد توصية ضمن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وتمت دسترتها ضمن الفصل 54 من الوثيقة الدستورية . هذا بعض من تراكم المركز المغربي للديموقراطية والأمن الذي تم تأسيسه بقرار من المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف حين كنت أترأسه، ناهيك عن الشراكات التي استطعنا تشييدها مع نظرائنا في المجتمعات المدنية والحقوقية المحلية .
< يهدف المركزإلى الترافع من أجل إحدى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالحكامة الأمنية؟ ماذا تقصدون بهذا المفهوم الأخير، وهل هناك تجاوب من طرف الحكومات مع تنزيل وأجرأة هذه التوصية ؟
> في سياق تحديد أسباب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها وطننا على امتداد أربعة عقود، خلصت هيئة الإنصاف والمصالحة إلى اعتبار انفلات الأمن، أجهزة وسياسات، وعدم خضوعه للقواعد والمعايير المعمول بها في الدولة الديموقراطية في تدبير النزاعات الاجتماعية والسياسية، بمثابة أحد الأسباب الرئيسة لاقتراف واستدامة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعلى إثرها، أصدرت توصية في الموضوع، همت مجالات إصلاح المنظومة الأمنية والمتمثلة أساسا في إقرار مسؤولية الحكومة عن العمليات الأمنية وحفظ النظام، وكذا تسييد وحماية الحقوق والحريات وإعمال الرقابة البرلمانية على السياسات الأمنية، وأيضا توضيح الإطار القانوني المنظم لأجهزة الأمن ولاتخاذ القرار الأمني ولطرق التدخل ولمعايير وحدود استخدام القوة، وإخضاع الفعل الأمني لمبدأ الشفافية وإعمال المساطر القضائية في حالات التعسف والتكوين المتواصل لرجال الأمن في مجال حقوق الإنسان . واعتقد أن ما بسطته يشكل أحد ملامح مفهوم الحكامة الأمنية .
غير أن هذا المفهوم في حاجة إلى تمثله من قبل الفاعلين الأمنيين والسياسيين والحزبيين والبرلمانيين، لذلك لا زلنا نطرح سؤال إقدام الحكومة على ضم القطاع الأمني وأجهزته لسياساتها العمومية، وما هو المجهود التي تقوم به الحكومة لتحمل مسؤوليتها الدستورية والسياسية والقانونية، من أجل تدليل التحديات التي تخلقها الوقائع السياسية المرتبطة بالخصوص الاجتماعي، خاصة حكومة وضعت كل ما هو حقوقي واجتماعي في ذيل مخططها التشريعي، وتعتبر الشأن الأمني خارجا عن مجال اهتمامها، فالشأن الأمني لازال في خلدهم شأنا محفوظا وخاصا بالملك، وخير مثال على ذلك، فقد سبق لرئيس الحكومة السابق أن صرح أنه لما ولج مكتب الرئاسة لأول مرة، وجد قانون ” حماية العسكريين ” فوق مكتبه ودون تردد، اعتبر أن هذا المشروع لا يدخل في اختصاصه، ووافق عليه على حالته، بالإضافة إلى تصريحات بعض الوزراء التي تعتبر أن بعض التدخلات الأمنية تمت دون علمهم .
< أشرتم في مداخلتكم في هذه المائدة المستديرة ” الحصيلة الأمنية بعيون إعلامية “،أن الفعل الأمني لا يعبر عن سياسة عامة أو عمومية، وبالتالي لا يمكن تقييمه أو محاسبته، في نظركم لماذا إلى حد الآن، يظل كل ماهو أمني غائب تماما في المؤسسة التشريعية، وبالتالي يظل الفاعلون السياسيون والبرلمانيون غائبون بدورهم سواء في بلورة سياسات أمنية أو على مستوى المراقبة والتقييم ؟
> لقد عرفت الأجهزة الأمنية تغيرات بشرية واستراتيجية وقانونية ومؤسساتية عديدة، إذ خلال العقدين الماضيين تم تأديب ومعاقبة عدد وافر من المسؤولين من مختلف الرتب، قضائيا وإداريا، بسبب أفعال مرتبطة بالشطط واستغلال النفوذ وسوء استعمال القوة والقانون، وهذا يدخل ضمن التخليق، وقد عشنا خلال الورشة تغير الخطاب حيث ازداد منسوب التواصل مع الجمهور، بغض النظر عن التعديلات التي رافقت التشريع في مجال الأمن، ومع كل هذه التغيرات التي تنهل على مستوى الخطاب ” السياسي ” على الأقل من مناخ المفهوم الجديد للسلطة الذي يفترض أن ينسجم مع مقتضيات المفهوم الجديد للعدل والطموح الديموقراطي، باعتبارها مرجعيات جامعة لعناوين المرحلة، ورغم ذلك فقد بقيت النخب السياسية الحزبية والمدنية سواء من موقع المسؤولية الحكومية آو المعارضة، بعيدة عن كل هذه المتغيرات، ناهيك عن عدم انخراط بعض الهيئات والتيارات السياسية في العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد، مما قد يخلق موضوعيا حالة ” احتكار ” لدى الأجهزة الأمنية كصاحبة مبادرات، وهو أمر واقع نعتبره مضرا بل متعارضا مع مقتضيات الحكامة الأمنية، وهذا ما نبهنا إليه في كلمتنا التقديمية خلال الورشة، فلا يعقل التعويل على الإدارة العامة للأمن الوطني، وأخشى أن تتم أسطرة منجزاتها وتجسيدها وشخصنتها في شخص مسؤول بعينه ، والحال أن المطلوب هو مأسسة الفعل الأمني وجعله من المهام والصلاحيات الرئيسة للحكومة .لذلك دعونا إلى تحصين المجهود الذي تقوم به الإدارة العامة ومأسسته، وعلينا جميعا التعاون على إرساء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، رفعا لأي أحكام آو اتهام مسبقة للموظفين الأمنيين، وأساسا لابد من إخراج المجلس الأعلى للأمن للوجود، فهو على الأقل سيعرض البياضات التي يعرفها مجال السياسة الأمنية، على مستوى الاستباق والاستشراف والتخطيط والمراقبة والاستشارة، في انتظار أن يتحرر السياسيون من عقدة ” كم حاجة قضيناها بتركها “.
< ماذا عن المجلس الأعلى للأمن المنصوص عليه في دستور 2011 ؟ لماذا تأخر تنزيله؟
>أعتقد أن التأخر الحاصل في تشييد المجلس الأعلى للأمن راجع إلى كون منسوب الثقة في المقاربة التشاركية لازال يحتاج إلى مزيد من الإنضاج، خاصة وأن هذا التماطل القسري صادف فشل التجربة الحكومية ومعها فشل السياسات العمومية في استيعاب حيوية الشأن الأمني، والأمر في نظرنا لا يتعلق فقط بعقدة لدى الفاعلين السياسيين والنخبة الحزبية، ولكن أيضا بمركب الهيبة لدى الدولة وعقلها الأمني، ومع ذاك سنظل نناضل ونترافع من اجل ترسيخ الحكامة الأمنية، فنحن في حاجة إلى دولة قوية وآمنة وليس إلى دولة مخيفة وأمنية .
< كيف يتصور المركز المغربي للديموقراطية والأمن مساهمته في النقاش العمومي حول النموذج التنموي الجديد؟
> بالنسبة لنا في المركز، نعتبر أن مفهوم الديموقراطية دعامة أساسية لهندسة كل ما هو تنموي وأمني، ولهذا فنحن منخرطون في دينامية الجبهة المدنية ببعد سياسي ( ليس حزبي ) من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتساهم من زاوية العمل على دمقرطة السياسات الأمنية والتي ينبغي أن تكون من اختصاص المؤسسة التشريعية ، فهي المسؤولة عن دمقرطة استعمال القوة العمومية وعن تشريع احتكار حق الدولة في العنف المشروع وفي إطار تمريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالحكومة هي الملزمة بإنقاذ القانون ذي الصلة، ليبقى القضاء المستقل مسؤولا عن ترسيخ الأمن القضائي وعدم الإفلات من العقاب، وبالمناسبة فإننا ندعو إلى مواصلة تفعيل النقد والنقاش حول خطة العمل الوطنية حول الديموقراطية وحقوق الإنسان والتي يرجع لنا الفضل في إدماج مطلبي الحكامة الأمنية واستراتيجية عدم الإفلات من العقاب بمناسبة ورشة تحيينها .
> حاوره: حسن عربي
الوسوم
المانوزي, المركز, المغربي, اليوم, بيان, حوار, رئيس, في, للديموقراطية, مع, والأمن