المدرسة والإعلام..

إنترنيت سبورة المستقبل

يلاحظ أن الأبحاث والدراسات التي اهتمت بالعلاقة بين المدرسة والإعلام في ظل الثورة الرقمية جد محدودة، مقارنة بتواتر الدعوات إلى تجسير العلاقة بين المؤسسات التعليمية والتربوية ووسائل الإعلام والاتصال والتفكير في السبل الكفيلة بتفاعل المدرسة مع ثورة الإعلام والاتصال، وذلك اعتبارا لدور الإعلام التربوي والمدرسي كوسيلة تواصل اجتماعي في إكساب المتعلمين المهارات لتطبيق أجناس الإعلام بوسائطه المختلفة.
وقد لا يكون مستغربا القول بأن العالم يشهد، عبر وسائل الإعلام، التطورات المتجددة في حضارة الإنسان المعاصر لما لتلك الوسائل من قدرة وفاعلية في تكوين وتسريع هذه التطورات، ولكن الغرابة تبدو في بقاء المدرسة متصلبة لا تفتح أبوابها أمام تيارات التقنيات الحديثة. وقد ذهب الظن بالبعض إلى “تصور حائط يفصل بين المدرسة والمجتمع في حين أن المدرسة تشكل خلية من خلايا هذا المجتمع” كما جاء في كتاب “الإعلام والمؤسسة التعليمية: الطلاق الذي لم يكتمل” للأستاذ زكي الجابر (1931- 2012) الخبير العراقي في الإعلام والاتصال الذي درس بعدد من الجامعات والمؤسسات التربوية العربية منها المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.

شمولية الإعلام واتساعه وجدته، وبقاء المدرسة متصلبة في طرقها وأساليبها

يدعو زكي الجابر إلى ضرورة فهم وتحليل جوانب العلاقة بين التربية والإعلام ضمن إطار حياتنا المعاصرة انطلاقا من الافتراض بشمولية الإعلام واتساعه وجديته، وبقاء المدرسة متصلبة في طرقها وأساليبها، وذلك بعد تساؤله عن هل يمكن لمدرسة معاصرة أن تنهض بمسؤولياتها والأدوار المتوقعة منها، ما دامت في حالة تجنح إلى الانعزال عن المجتمع المعاصر الذي تستمد حياتها منه؟ وهل يمكن للمؤسسة التعليمية كمركب اجتماعي له مكانته بين المؤسسات الاجتماعية، أن تحدث تطورا وتغييرا في البنية الاجتماعية ما دامت هي غير مستجيبة للتطور والتغيير؟ وما واقع الطفولة في النظام الإعلامي..؟ هل ثمة بديل..؟ ما معاييره؟ وإذا كان ثمة “طلاق لم يكتمل بعد بين الإعلام والمؤسسة التعليمية”، فما معالم الاستدلال عليه؟ وما السبل إلى رأب الصدع؟ ما المدى الممكن لاستفادة المؤسسة التعليمية من البرامج الإعلامية؟ أيكون ذلك من خلال تضمين تلك البرامج في المنهج الدراسي؟
فالتعليم كإعلام بحد ذاته يركز اهتماما كبيرا على العلاقة بين المعلم والتلميذ ولدربة المعلم وحنكته واطلاعه على الدور الفعال في تحقيق وصول المعلومة، غير أن هذه العلاقة المباشرة بين الطرفين لن تتسم بالفعالية والجدوى إذا لم تتصل بعلاقة إعلامية غير مباشرة، تتأتى عن طريق الكتب والصحف ومتابعة وسائل الإعلام الأخرى. فوسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والآباء، تتحمل مسؤوليات كبيرة في مواجهة إشكاليتي الإعلام والمؤسسة التعليمية، وهي مطالبة بالعمل على “رأب الصدع” بين أساليب التدريس وما يقدمه الإعلام الذي يعد ركنا أساسيا في بنية الحياة الاجتماعية والحضارة الإنسانية المعاصرة.
فتح نقاش عمومي حول المدرسة على ضوء
حصيلة الإعلام التربوي المدرسي

فالمطروح، وكما جاء في الورشة التفاعلية التي نظمها “منتدى المواطنة” بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 ماي) – عن بعد – في موضوع “تمكين حقوق الإعلام المدرسي وتنمية التربية الإعلامية”، ونشطتها فعاليات إعلامية، (المطروح) العمل على فتح نقاش عمومي حول واقع المدرسة المغربية وآفاقها على ضوء حصيلة الإعلام التربوي المدرسي، بهدف إعداد استراتيجية واضحة المعالم حول هذا الموضوع، ولتحديد شروط ومسؤوليات تمكين الحقوق الإعلامية والتواصلية للمتعلمين، لتنمية هذا الإعلام، عبر مستلزمات ضمان الحقوق الإعلامية للمدرسة وللمتعلمين وتوفير الشروط الملائمة للنهوض بها وحمايته والدور الذي يتعين أن تضطلع به الصحافة والإعلام خاصة العمومي في دعم قيم ووظائف المدرسة المغربية، والنهوض بالإعلام التربوي وفي الوقت الذي لم تعد الوسائل التقنية حكرا على العاملين في الإعلام بل أضحت في متناول الجمهور، وهو ما أفرز تحولا ثقافيا وتربويا جوهريا.
بيد أنه لا ينبغي أن يتم التعامل مع هذه القضايا بمعزل عن الوعي بأن قضايا الإعلام في عالم اليوم، تشكل إحدى دعامات الثورة التكنولوجية الحديثة في الاتصالات التي أحدثت انقلابا جذريا في كل مجالات الحياة المعاصرة وسلوكيات أفراد المجتمع، وطالت التغيرات الأعراف والقواعد والقيم الاجتماعية فضلا عما تعرضه وسائله المتعددة في الأجواء العالمية، كما سجل ذلك الأستاذ عبد اللطيف كداي عميد كلية علوم التربية بالرباط في كتابه “الإعلام والطفل” والذي يرى كذلك أن التلفزيون أضحى القوة الأكثر تأثيرا في العمل على إعادة التنشئة وفق مفاهيم تربوية جديدة في السلوك الاجتماعي وإقامة العلاقات على أسس مغايرة.
مواطنون رقميون في ظل الشبكة العنكبوتية

غير أن النمو السريع للشبكة العنكبوتية يغطي على معظم الجوانب الأخرى في تاريخ الوسائط، فالسياسيون والمؤرخون، ليس لهم حتى أن يحلموا بالحديث إلى “مواطنين رقميين” عن الماضي، أو حتى الحاضر.. لهذا السبب، فالمواطنون الرقميون لا يعنيهم اليوم، بل يريدون أن يعرفوا عن الغد، كما كتبت إحدى المجلات المختصة في الإنترنيت.
لذا فاندماج المؤسسات التربوية في مجتمع الإعلام والمعرفة، لا يمكن أن ينظر إليه بكونه ترفا فكريا أو شكليا، بل ضرورة حتمية من أجل التطور، وهذا ما انتبهت إليه مبكرا البلدان المتقدمة منها الولايات المتحدة التي أشرف، في الرابع من مارس 1996، رئيسها الأسبق بيل كلينتون ونائبه آل غور على حفل تركيب أول أسلاك تليفونية تربط فصول كاليفورنيا التعليمية بالشبكة العنكبوتية، قبل أن يتم لاحقا ربط كل المدارس الأمريكية بالإنترنيت، قبيل بداية القرن الحالي. ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا الحدث يطلق عليه في الولايات المتحدة “يوم الشبكة Net Day”، وعلى الإنترنيت بأنه “سبورة المستقبل” على حد وصف وزير التعليم خلال عهد الرئيس بيل كلينتون.
وإذا كانت حصيلة ما يتلقاه الطفل من رسائل ومعلومات إلى مرحلة البلوغ – حسب بعض الدراسات – تفوق نتيجة التطور التكنولوجي بكثير كل ما يتلقاه من علم ومعرفة طوال بقية عمره، فإنه سيكون مفيدا أن يعمل الآباء على مشاهدة البرامج مع الأطفال والمساعدة على تحليلها ونقدها والحديث عنها استكمالا لدور المدرسة في هذا الصدد، وأن يعمل كذلك المجتمع المدني وأجهزة الإعلام على توجيه ونقد المواد الإعلامية باستمرار وبيان ما فيها من خلل ونجاح وتنمية الإنتاج الوطني المنبعث من واقع المجتمع والمنسجم مع تاريخه وتراثه الحضاري خاصة وأن تكوين شعور المواطنة لا يتم بالبرامج التجارية المستوردة وهي مسؤولية تقع على كاهل المجتمع المدني بالتعاون مع الحكومة والأجهزة الإعلامية، كما يقترح زكي الجابر الحاصل على الدكتوراه في الاتصال من جامعة إنديانا الأمريكية. في مؤلفه المرجعي المشار إليه أعلاه.

< بقلم: د. جمال المحافظ

Related posts

Top