المغربة.. عملة في حاجة إلى تقوية رصيدها

مشكلتنا في إصرار بعضنا الدائم على الظهور بمظاهر العارفين والعالمين والمتمكنين من كل الأمور. مشكلتنا في التطاول والقفز الدائمين على بعضنا البعض، وعدم فتح المجال للكفاءات والمهارات والقدرات الخلاقة والإبداعية التي بإمكانها أن ترقى بالمغرب والمغاربة، وتفرض البصمة المغربية. وتؤثث لدليل المغربة الحقيقي الضامن للهوية والتراث والمستقبل المتجدد. مشكلتنا في سرعة التنصل من الهوية والوطنية، وقوة التهافت على البديل المستورد، واعتماده من أجل تلميع الصور أو الظفر بالسلطة والتسلط واستعراض العضلات الهجينة أمام أبناء الوطن الواحد. مشكلتنا في سرعة القبول بالمستورد ماديا كان أو معنويا، والثقة العمياء في برامج وخطط ورؤى الغرب حتى ولو كانت تهدف إلى ضرب أمن واستقرار البلد. وتسفيه مجهودات رجالاته ونساءه.
مشكلتنا في عدم استيعابنا للمفهوم الحقيقي للمغربة. والمتمثل أساسا في وقف الاعتماد على الموارد البشرية الأجنبية، وتنمية وتأهيل العقل المغربي. ومنحه فرص التدبير والقيادة والريادة. والقطع مع المفهوم الخاطئ للمغربة، الذي ترسخ لدينا بعد فجر الاستقلال على مستوى عدة قطاعات، أبرزها التعليم. حيث كان من المفروض مغربة الأطر والكوادر والعتاد والبرامج والمناهج والسبل والأنظمة والحياة بكل تجلياتها. أملا في وقف التبعية والخضوع إلى درجة الخنوع للمستعمر الفرنسي حينها. تلك التبعية التي للأسف لازالت مترسخة في أعماق وجذور الإدارة المغربية.
في سنة 1977، تم تركيز المسؤولين على التعريب والمغربة والتعميم من أجل إصلاح التعليم. على أساس أن تكون الانطلاقة الأكيدة من أجل فرض استقلال المغرب فكريا واقتصاديا واجتماعيا. وأن تكون الجسر الذي سيمكن من توسيع نطاق المغربة ليشمل كل القطاعات.
لكن تبين فيما بعد أن سوء فهم وتدبير المغربة، كان وراء فشل التعريب وتعميم التمدرس. فلا المغاربة توفقوا في تعريب كامل وشامل، بعد أن وقف حمار الشيخ في عقبة (الباك)، وبعد أن أضر التعريب بعدة برامج تعليمية، وأفقدها تناسقها وتسلسلها وأهدافها. وخصوصا عمليات تعريب المواد والشعب العلمية. وطبعا فاللغة العربية ليست هي سبب التعثر، ولكن بسبب اعتماد مصطلحات دخيلة وغريبة تحت شعار «المغربة».
ولا هم عمموا التعليم على كل أطفال المغرب، بعد أن اتضح أن العديد منهم، دخلوا المدارس من أبوابها، وتسللوا من فوق أسوارها ونوافذ أقسامها إلى الشارع العام. لتظهر آفة الهدر المدرسي، ويظهر معها علاج القاصر(التربية غير النظامية). وعوض تخليق الحياة المدرسية وتهذيب الوالجين إلى المؤسسات التعليمية، لمسنا داخلها، ظهور انحرافات وسلوكيات وظواهر تربوية لا تمت بصلة للتربية والتعليم.
وطلعا فقطاع التربية والتكوين يسير الآن في اتجاه العودة إلى فرنسة التعليم. وخصوصا المواد العلمية والتقنية. في زمن لم يعد للغة الفرنسية أي وزن دولي، أمام باقي لغات العالم المتطور (الإنجليزية، الصينية، …).
المغربة يا من ظفروا بالكراسي والحقائب بعيدا عن رغبات الشعب، ليست في تغيير أسماء المصطلحات العلمية (الفرنسية، واليونانية واللاتينية)، بكلمات جديدة لا علاقة لها بقاموس اللغة العربية. ولا علاقة لها بما يتم تداوله من طرف باقي الدول العربية التي سبقت المغرب في عملية التعريب.. كلمات يفهمها التلميذ المغربي وحده، ويطلب منه نسيانها بعد الحصول على شهادة الباكلوريا، والبحث عن ترجمتها الأصلية ليساير ركب الكليات والمعاهد. المغربة ليست في تغيير المقررات والمناهج وكثرتها. ولا في تعيين أو تكليف أطر مغربية للتدريس في تخصصات غير تخصصاتها. ولا في إجبار الإدارة المغربية على أن تظل مزدوجة الشخصية، تتكلم بلسانين فرنسي وعربي، دون اعتبار للمخاطب المغربي، الذي قد لا يفقه شيئا حتى في اللغة العربية.. بل جزء منه ينادي بترسيم اللغة الأمازيغية واعتمادها حتى إداريا.
المغربة ليست في انزواء مذيع رياضي في خلوته، وفرض ما سماه بمغربة المصطلحات الرياضية، وخصوصا تلك الخاصة بتغطيات مباريات كرة القدم. وهي مبادرة غير محسوبة سبق وسلكها التلفزيون المغربي قبل عدة عقود. مصطلحات لا علاقة لها بما يتداوله مذيعو القنوات التلفزيونية العربية أو الناطقة بالعربية. تلك المصطلحات المغربية التي بدأت تتلاشى تدريجيا أمام قوة الإعلام العربي الرياضي.
المغربة ليست في فرض الزعامة وانتزاع الصدارة بالقوة والجاه. وليست في محاولة تلميع صور باهتة، لا تزيدها الأضواء إلا فظاعة وفضحا. ولكن في فرض الشفافية والنزاهة والأصالة والمعاصرة من أجل الحصول على منتوج مغربي خالص، قادر على منافسة باقي المنتجات العالمية. وكفيل بالرقي بمكانة المغرب، والسمو بأوضاع المغاربة المتأزمة ثقافيا وتربويا وتعليميا وبيئيا واقتصاديا واجتماعيا و..
فمتى ندرك المعنى الحقيقي للمغربة، ونعيد التفكير بعمق وتأني في سبل تجسيد هذا المصطلح (المغربة) على أرض الواقع؟. لأنه السبيل الوحيد لتعزيز الهوية وترسيخ روح الوطنية.
المغربة بالصيغة الموروثة والحالية لم ترقى بعد إلى قيمتها الحقيقية كعملة للتداول الإيجابي. للأسف تبقى مجرد شيكا بدون رصيد. في حاجة إلى من يقوي حسابها البنكي برصيد المعرفة المادي والبشري المغربي الخالص.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top