مع اقتراب انتهاء ولايته الوحيدة بعد أقل من ستة أشهر، يراهن الرئيس الأميركي جو بايدن مع فريقه على دبلوماسية أجرأ بشأن قطاع غزة والسودان، سعيا لإحراز تقدم في نزاعين مستعصيين حتى الآن، قد يبقيان وصمة على إرثه السياسي.
وفي نداء شخصي خارج عن المألوف، انضم بايدن إلى قادة مصر وقطر لحض إسرائيل وحركة حماس على التوصل إلى وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة في قطاع غزة، لا بل تحديد موعد الثلاثاء 15 أغسطس لاستئناف المحادثات بهذا الصدد إما في القاهرة أو في الدوحة.
وفي مبادرة مماثلة، دعا وزير الخارجية أنتوني بلينكن طرفي النزاع في السودان لبدء محادثات سلام الأربعاء في جنيف.
وتأتي هذه الإستراتيجية بعدما فشلت أشهر من الجهود الحثيثة من جانب موفدين أميركيين في تحقيق نتائج تذكر في نزاعين قد يطبعا حصيلة عهد بايدن الذي قرر الانسحاب من السباق لصالح نائبته كامالا هاريس عن الحزب الديموقراطي.
وتثير الحرب المدمرة التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة موجة تنديد واحتجاجات في العالم وداخل صفوف الحزب الجمهوري نفسه.
أما السودان، فيشهد منذ أبريل 2023 حربا دموية بين الجيش وقوات الدعم السريع لا تحظى بالاهتمام الإعلامي نفسه، غير أنها أوقعت عشرات آلاف القتلى وأدت إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص داخل السودان وإلى دول الجوار، متسببة بأزمة إنسانية كبرى دفعت البلاد إلى حافة مجاعة لم يشهدها العالم منذ المجاعة في إثيوبيا في ثمانينات القرن الماضي.
انتخب بايدن في 2020 بناء على خبرته الطويلة في السياسة الخارجية ووعود باعتماد أسلوب رئاسي أكثر هدوءا من سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
وهو يتباهى بتحقيق إنجازات، في طليعتها نجاحه في تشكيل تحالف دعما لأوكرانيا بعد الغزو الروسي لهذا البلد، ونهجه في التعامل مع الصين القائم على تشديد الضغوط وفي الوقت نفسه تفادي الدخول في مواجهة.
وقال براين كاتوليس خبير السياسة الخارجية الأميركية في معهد الشرق الأوسط “إن بايدن وأعضاء فريقه وصلوا إلى السلطة وأحد شعاراتهم إعطاء الأولوية للدبلوماسية. لكنني أجد من الصعب فعلا ذكر مجال حققوا فيه خرقا كبيرا، لحظة ملفتة”.
ويشيد ترامب المرشح للعودة إلى البيت الأبيض، بتوصله إلى اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020 بوساطة أميركية والتي طبعت بموجبها الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل، وتبعهما المغرب والسودان.
أما سلفه باراك أوباما، فأبرم اتفاقا مع إيران حول ملفها النووي، واتفاقين ملفتين آخرين حول التغير المناخي وتطبيع العلاقات مع كوبا.
ولفت كاتوليس إلى أن سجل بايدن الدبلوماسي يبقى مرهونا بأحداث وتطورات واكبت ولايته، ومطبوعا بالتأكيد بحذر أميركي من المجازفة.
وقالت ليسلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والقارة الأميركية في مركز تشاتام هاوس، “إن بايدن شعر بـ”حاجة ملحة” إلى عدم ترك البيت الأبيض في حين تدور حروب في أنحاء عديدة من العالم”.
وتابعت أن “آخر ما يريده بايدن هو أن يكون إرثه حربا مدمرة في الشرق الأوسط. وهذا قد يقوض أيضا حملة كامالا هاريس”.
وشدد بايدن النبرة في الأيام الأخيرة تجاه إسرائيل بعدما قدم لها دعما مطلقا إثرهجوم حماس في السابع من أكتوبر، والذي شكل شرارة الحرب في قطاع غزة.
فدعا علنا الخميس إلى ضبط النفس، موجها دعوته إلى إسرائيل وكذلك إلى إيران التي توعدت بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران في عملية نسبت إلى إسرائيل.
وتواصل الإدارة الأميركية مساعيها لإبرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل استكمالا لمسار اتفاقات أبراهام، وأكد بلينكن في أبريل أن الولايات المتحدة أصبحت شبه مستعدة لتقديم ضمانات أمنية للسعودية إذا طبعت علاقاتها مع إسرائيل، في مسعى على ما يبدو لتقديم حوافز لإسرائيل لحضها على قبول فكرة إقامة دولة فلسطينية.
وتصر الرياض على أن الاعتراف بإسرائيل مرتبط بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية والحصول على ضمانات أمنية من واشنطن.
وفي ما يتعلق بالسودان، تسعى الولايات المتحدة لإقناع الجيش بالمشاركة في محادثات السلام، وأجرى بلينكن اتصالا هاتفيا مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بهذا الصدد فيما التقى وسطاء أميركيون وفدا سودانيا في السعودية لبحث شروط مشاركة الحكومة.
ولا يطبق بايدن هذا النهج الدبلوماسي على جميع النزاعات.
فهو نجح في إنجاز صفقة تبادل معتقلين تاريخية مع روسيا الأسبوع الماضي، لكنه لم يتفاوض بشأن أوكرانيا، خلافا لترامب الذي المح مستشاروه في الماضي إلى أنه قد يلجأ إلى تجميد المساعدات العسكرية لكييف لإرغامها على تقديم تنازلات لموسكو.
وفي ما يتعلق بالأزمة في فنزويلا، تخلت إدارة بايدن عن سياسة الضغوط القصوى على الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، مفسحة لقوى من أميركا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا للتشدد حياله.
بايدن يراهن على دبلوماسية أكثر جرأة حفاظا على إرث ولايته الوحيدة
الوسوم