بعد زيارة خوان كارلوس

مثلت زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس لبلادنا، بحسب كثير من المراقبين، دليلا إضافيا على أن العلاقات بين الرباط ومدريد توجد اليوم في وضعية جيدة، كما أن الإشارات و»الرمزيات» التي ميزت الزيارة تندرج هي أيضا ضمن نفس التقييم. في الاقتصاد، تفيد معطيات رقمية صدرت مؤخرا أن إسبانيا باتت اليوم الشريك التجاري الأول للمغرب، كما أن حوالي ألف مقاولة إسبانية تعمل في بلادنا، وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجارة الشمالية للمغرب، وعاملي القرب الجغرافي والمناخ الاقتصادي والسياسي، فإن بلادنا تبقى اليوم منفذا استراتيجيا بإمكانه أن يتيح للإسبان فرص التغلب على الأزمة، بالإضافة إلى أن تقوية هذا التعاون الثنائي بين البلدين من شأنه أن يخدم مصالحهما معا، ذلك أن التبادل التجاري مثلا  مع إسبانيا يبقى هو الأقل كلفة بالنسبة للمغرب.

من جهة ثانية، يسجل المختصون أن الرباط ومدريد تواجهان اليوم مخاطر أمنية مشتركة، ذلك أن إسبانيا نفسها تتخوف من خطر الجماعات الإرهابية القادمة من منطقة الساحل عبر موريتانيا، والمتربصة بحدودها، من جهة جزر الكناري، بالإضافة إلى أهمية الحرص على أمن منطقة المتوسط واستقرارها، اعتبارا لمصالح إسبانيا، وأيضا المصالح الإقليمية والدولية التي لا تخلو من بعد استراتيجي كبير.
وهذا المعطى الأساس، هو الذي فرض على إسبانيا الحرص على ما يمثله المغرب من امتداد استراتيجي وأمني لها، والاهتمام باستقراره العام، وبضرورة تمتين التعاون الأمني والاستراتيجي معه، بالإضافة إلى التعاون الثنائي والأورومتوسطي في مجالات الهجرة والتهريب ومكافحة عصابات المافيا وشبكات الاتجار في البشر وتهريب المخدرات والأسلحة وغيرها.
إن الاقتصاد والتعاون الأمني الاستراتيجي، يمكن أن يمثلا اليوم إذن المدخل المناسب لتقوية العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وصياغة نموذج متميز للعمل المشترك بين بلدين جارين، ولشراكة تكون مربحة للطرفين معا.
ربما يكون هذا التحسن الواضح اليوم في العلاقات المغربية الإسبانية شبيها لما قد يكون حدث في مراحل سابقة، ولا يعدو أن يكون عابرا، لتعود العلاقات بين البلدين بعده إلى التوتر والتنافر، وليتكرس، بالتالي، هذا المد والجزر كصفة لصيقة بعلاقات الرباط ومدريد، ولكن معطيات المرحلة الحالية، والمخاطر المطروحة على البلدين حاليا وفي المستقبل، تفرض عليهما معا تغيير الأسلوب والمنطلقات، ومن ثم الانكباب على ضرورة حماية علاقاتهما من أي تراجع إلى الخلف، والسعي لتمتينها ضمن إطار شمولي يقوم على الوضوح والصراحة ومراعاة المصالح المشتركة.
تقوية علاقات المغرب مع إسبانيا لا تعني إهمال ضرورة الارتقاء المستمر بالعلاقة مع فرنسا، وفي الأمرين لا تحضر لدى المغرب سوى مصالحه الوطنية والإستراتيجية، وأيضا تطلعه لتنويع سياسته الخارجية وتعزيزها بما يخدم هذه المصالح أولا، وبما يساهم في إنجاح الأوراش التنموية والديمقراطية في المملكة.

[email protected]

Top