من فاس إلى الرباط، فالدار البيضاء، حيث استقر القلب والذهن والجسد في بيت الأستاذ علي يعته، البداية في مؤسسة جريدة بيان اليوم كانت بـ “الصحافي المتدرب”، القادم من مدرجات جامعتي سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وجامعة محمد الخامس بالرباط.
سبق لي ومررت بمجموعة من التجارب الصحافية في عدة مؤسسات إعلامية، كان لها الفضل في توجيهي وتأطيري، ومنحها لي الفرصة للنشر في صفحات جرائدها وأنا صحافي متدرب، غير أن بيان اليوم في شخص رئيس تحريرها، الحسين الشعبي، وكذا طاقمها الصحافي، المتميز بكل المقاييس من خلال اشتغاله بمهنية ومصداقية واحترافية كبيرة قل نظيرها اليوم، قدمت لي فرصة من ذهب، بعد نشري في الأيام الأولى عدة مقالات، وريبورتاجات، وتحقيقات، تشجيعا منها لطالب صحافي لا زال يتحسس طريقه نحو المستقبل.
فلا لذة إلا بالورق، ولا إحساس بالحياة وتجديد الروح إلا بالنشر في جريدة ورقية، فللورقي ضوابط، وقواعد، وأعراف، ومهنية تحكمه، فضلا عن خط تحريري يسيجه ويرسم حدوده، فكل مقال جديد تنشره على صفحات الجريدة الورقية إلا وينتابك إحساس بولادة ثانية، فثالثة، ثم رابعة، وخامسة، خصوصا إذا كان الأمر متعلقا بمقال يتضمن أفكارا جديدة، ورؤى حديثة، وتصورات عميقة، وتصريحات مسؤولة، وليس بلاغات صحافية جاهزة، وهي الخصلة الحميدة التي تعلمتها من صحافيي جريدة بيان اليوم الذين لا يتلهفون على كتابة أسمائهم في البيانات الإعلامية التي لم يذخروا أي جهد أو عناء في بناء معلوماتها.
ففي الوقت الذي تظهر فيه جرائد ورقية لتختفي، ها هي جريدة بيان اليوم تكمل سنتها الـ 45، حيث كانت شاهدة على مختلف الأحداث والمراحل التاريخية التي مر بها المغرب طيلة هذه السنوات، والسبب بطبيعة الحال راجع إلى استقرارها على جميع المستويات، فهي مؤسسة إنسانية قبل منها ربحية، وهي جريدة إخبارية سياسية ثقافية، هدفها نبيل في أول وآخر المطاف، فالسياسي سيجد ذاته، والاقتصادي سيجد مراده، أما المثقف فله نصيبه الأكبر وحظه الأوفر في الملحقين الفني والثقافي اللذين يصدران في الأيام الأخيرة للأسبوع.
تجربة جميلة تلك التي أعيشها اليوم في القسم التحريري لجريدة سي يعته، خصوصا وأنني في فترة الشباب الراغب والمتلهف لمراكمة المعارف والاستفادة أكثر من الزملاء الصحافيين الذين تشرفت بالاشتغال إلى جانبهم، وهم الذين خبروا الحياة الإعلامية بكل تفاصيلها، مساهمين في الحفاظ على التقاليد التي ينبني عليها العمل الصحافي، وكذلك فكر وتوجه الجريدة التي تتبنى وتدافع عن كل المواضيع التي تشغل الإنسانية اليوم.
مؤسسة البيان، هي البيت والأسرة الثانية لجميع الأفراد العاملين بها، حيث التضامن، والتكافل، والتآزر في أوقات الشدائد والمحن، فضلا عن الاتحاد والتشاركية في العمل. فكل عدد جديد يصدر هو ثمرة لمجهود جماعي، قدم فيه الصحافي فكرة، والتقني إبداعا فنيا، والإداري ترتيبا إداريا لتأمين السير العادي والطبيعي للجريدة.
ومن بين ما تتميز به مؤسسة البيان، هو توفرها على مطبعة خاصة بطبع الجريدة، وهي المطبعة التي لا زالت شامخة وشاهدة على تاريخ الجريدتين الناطقتين بالعربية والفرنسية، منذ تاريخ صدورهما، حيث يشرف عليها طاقم خاص له ذكريات جميلة معها، وهي الصورة التي تدهش كل وافد جديد على المؤسسة، وهو الشعور الذي خالجني يوم التحقت بالمؤسسة، حيث كنت أسترق بين الفينة والأخرى بعض اللحظات من أجل إلقاء نظرة على المطبعة التي يبقى لها طعم خاص في ظل وجود عالم إلكتروني لا يعترف إلا بالسرعة وعالم افتراضي لا يبالي لأحاسيس ومشاعر الإنسانية.
وللزائر الباحث عن أعداد قديمة صدرت لجريدة بيان اليوم، سيجد في انتظاره وخدمته “باحسين” الذي يوثق كل صغيرة وكبيرة في الأرشيف، يُلجأ له أثناء الحاجة من أجل الاطلاع على مقالات فكرية، وثقافية، وسياسية، واقتصادية، كان لها دور كبير في المساهمة وإثراء النقاش العمومي بأفكار نيرة وتحاليل منطقية وعلمية.
بيان اليوم، هي عنوان للثقة، والمصداقية، والمهنية، والتفاني في العمل، والرغبة في تقديم الأفضل والأحسن والأجود، فضلا عن الدفاع على القيم الكونية بكل حيادية وتجرد من الذاتية.
فهذه هي بيان اليوم التي في خاطري، وهي المؤسسة التي وَثقت في مجهوداتي، وتُشجعني بشكل يومي على الكتابة، والاجتهاد في البحث عن الخبر والاستقصاء، فضلا عن الاشتغال في ظروف مهنية تحترم كرامة الصحافي وتصون حرمة هذه المهنة.
وهكذا تستمر جريدة بيان اليوم..
> بقلم: يوسف الخيدر