استبعاد أول
وفق الافتراضية، ثنائية الإسلام / الدولة، فإن هذه الأخيرة تشير إلى تحقيق استقلالية الذات الحضارية للأمة حسب تعبير الجابري المستعار من غرامشي (وحسب الجابري فإن الهدف الثقافي لمشروعه الفكري التراثي هو تحقيق استقلال الذات الحضارية للأمة العربية، مستعيرا هذه الصيغة معدلة من غرامشي الذي يدعو إلى تحقيق الاستقلال الذاتي للطبقة العاملة). أو الاستقلالية وفك الارتباط مع التبعية من خلال الطابع الخلاق للمشروع الوطني الشعبي وفق صياغة سمير أمين (= نحو نظرية للثقافة، معهد الإنماء العربي. 1989). أو (وعلى نحو ما) ممكنات قيام الدولة القومية الحديثة ذات الانتماء إلى هوية الأمة؟؟ (الهوية الأموية) من خلال أفق الاعتراف (وهذا أساسي) بالمواطن والمواطنة، كبديل (لا غنى عنه) لمفهوم الرعية المفتتة إلى إثنيات (قبلية – عشائرية – أقوامية – طائفية)، وذلك من خلال مجتمع مدني ديمقراطي حقيقي مؤسس على التعاقد الاجتماعي وفق المشروع النظري النقدي الذي دشنه ياسين الحافظ.
استبعاد ثانٍ
وهو استبعاد ممكنات النضال الوطني التحرري بمضامينه الاجتماعية التي تفترض المنظور الطبقي كرؤية مستقبلية كونية بين الرأسمالية الاحتكارية العالمية (بجميع أشكالها) من جهة والتيارات الاشتراكية أو ما تبقى منها؟؟ التي تعيش أزمتها المعروفة.
قد تبدو هذه الاستبعادات بدائل مستحيلة أمام الترسيمة الجديدة التي يُنتجها النظام العالمي الجديد، حيث ينتج شبكة تناظر ثلاثية في وجه الاستبعادات المذكورة، فإن هذه الترسيمة (في اعتقادنا) تأتي على شكل مثلث، تحتل زواياه ثلاث قوى: النظام العربي (الأوتوقراطي) التابع والإسلام السياسي (الثيوقراطي) المنغلق، وفي هذا المثلث يقف الغرب بهمجية تتجاوز صورة همجية الكولونيالية القديمة…
فالغرب يشكل صورة العالم العربي والإسلامي وفق هذه المعادلة التي تصب في مصابه. أنظمة تبعية، هجينة، أوتوقراطية تهيمن هيمنة شاملة على المجتمع والدين والمعتقدات والإيمان، فتصادر الهوية الوطنية للمجتمع الأهلي، لصالح هويتها الأقلوية الانعزالية، وشرائح طغمها السرطانية التي تعشش في خلايا المجتمع وعصبه الحي لتفتك بمقومات وجوده، ومنظومة قيمه، وقواعد سلوكه ومعتقداته وشرفه، هاتكة ضميره الوطني، وهي إذ تستعلن نفسها ناطقة باسمه فإنها تهمشه وتلغيه (للأسف؟؟).
استبعاد ثالث:
أما الوجه الآخر لهذه الثنائية الجبرية، فهو الإسلام السياسي الثيوقراطي الذي يرد على أوتوقراطية الدولة بالسيطرة على الدين واستتباعه واستخدامه، بسيطرة الدين على الدولة واستتباعها لصالح سيطرة السماء على الأرض وإلغاء المجتمع والتاريخ لصالح “حاكمية النص”، وإلغاء إرادة البشر في اختيار شؤونهم الحياتية واليومية، لصالح “حاكمية” إلهية لا تقبل إلا صيغة العبودية والطاعة والإذعان، إذ يتم نقل الآلية العبادية في الشؤون الروحية، إلى مجال الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبشر، بكل ما يمت إلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية من مظاهر دنيوية فيها الجشع والاستغلال والأنانية والدناءة والخسة، بما يتعارض تعارضا مطلقا مع نسق الحضرة الربوبية التي يبحث المؤمن فيها عن أمنه الوجداني وخلاصه الروحي. ويحرر إنسانيته من المذلة والمهانة، لا ليضيف إلى عبوديته الأرضية، عبودية سماوية يرعاها كهنة وفقهاء، ويتوسط بينه وبين الله ناطقون باسم الله لا ينطقون عن الهوى….
هذا ما يجري بالواقع العربي عموما، والمغرب مع تجربة “البيجيدي” ليس استثناء.
< بقلم: عبد الله راكز