في سابقة في تاريخ التلفزيون المغربي، جاءت الحلقة الاستثنائية من حلقات برنامج “مع الحدث” على قناة الرياضية لتقدم ثلاث ساعات كاملة من النقاش حول موضوع معين، ومع ضيف واحد وعلى الهواء مباشرة.
الحلقة كانت مع فوزي لقجع رئيس جامعة كرة القدم، أدارها الزميل يسري المراكشي، ونشطها الزملاء محمد أبو سهل، وجمال اسطيفي ومحمد الروحلي، امتدت كل هذه المساحة الزمنية الواسعة لتعبر الكثير من المحطات العامة والخاصة بأهم جامعة على الصعيد الوطني، متجاوزة الكثير من الخطوط التي كانت تعتبر حتى الأمس القريب حمراء بالنسبة للعديد من رؤساء الجامعات الرياضية وحتى الكثير من مسؤولي الأندية الكبرى، إذ لا يوجد على الساحة الكثير ممن هم على استعاد لتقديم حصيلة عملهم في برنامج تلفزي مباشر، وأمام صحفيين متخصصين.
حلقة مساء الأحد الماضي التي امتدت إلى حدود الساعة الأولى من صباح الاثنين، استعرضت حصيلة عمل جامعة كرة القدم وسلطت الأضواء على الكثير من النقط التي تعتبر مواضيع الساعة بالنسبة للرأي العام الرياضي الوطني وخاصة المهتمين، ولا سيما المواضيع التي تبدو مبهمة ويلفها نوع من اللبس.
ومن بين هذه النقط هناك: الجانب المالي، كيفية صرف الدعم العمومي، كثرة التوظيفات، غياب الانسجام داخل المكتب الجامعي، الاستقالات وتجميد العضوية، العلاقة مع الاتحاد الإفريقي للعبة (الكاف) والاستراتيجية الواجب اتباعها لضمان حضور مغربي وازن على الساحة الأفريقية، واقع الإدارة التقنية في علاقتها غير الواضحة مع المنتخبات الوطنية، معضلة التحكيم وما يفرزه أسبوعيا من أخطاء فادحة، ضعف التسيير والبديل المقترح للإصلاح… كل هذه المواضيع وغيرها شكلت أرضية نقاش أفضى إلى مجموعة من المعطيات والأرقام والاعترافات والحقائق تقدم لأول مرة على المباشر.
ما جاءت به الحلقة الخاصة مع رئيس جامعة كرة القدم، من المفروض أن يصبح بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم بالنسبة للبرامج الحوارية بهذه القناة الرياضية المتخصصة، والتي كانت تتعامل مع المواضيع الساخنة بكثير من الحذر، خاصة مع كل ما هو حواري عابر لخطوط تعتبر في ذهن مسؤولي البرامج حمراء لا اخضرار فيها، إما لغياب الإرادة للدخول في مثل هذه البرامج “الشائكة”، أو لافتقاد القدرة على إدارة نقاش قد يزيغ نحو جوانب غير مرغوب فيها، بالإضافة إلى عدم وجود العدد الكافي لا من حيث الضيوف، ولا من حيث مسيرين وصحفيين لضمان حلقات بنفس القيمة والجرأة إلى حدود المكاشفة.
ننتظر ما إذا كانت الحلقة مع رئيس جامعة كرة القدم ستشكل تحولا نوعيا في خريطة برامح قناة الرياضية تنفض عنها غبار الخمول الذي صاحباها في المدة الأخيرة وحولها إلى مجرد علبة لتقديم الأخبار ومقابلات بطولة كرة القدم، مع بعض الاستثناءات التي لا ترقى إلى ما هو مطلوب من قناة رياضية متخصصة، أنشأت للمساهمة في تطوير الرياضة الوطنية، كما جاء على لسان فيصل لعريشي، خلال الندوة التقديمة لهذه القناة سنة 2006.
الأكيد أن الرياضة المغربية عموما في حاجة إلى نقاش هادف، وإلى جدل وتحاور وتبادل الأفكار وإلى الكثير من الصراحة والوضوح، يقود في النهاية إلى تصحيح الكثير من الأعطاب والاختلالات التي تعتري هذا القطاع الهام والحيوي بأبعاده وفضاءاته المتعددة والمؤثرة.
وإذا كانت القناة الأولى قد تفوقت في الكثير من الحالات في تقديم برامج حوارية بكثير من الجرأة المفاجئة أحيانا خصوصا في جانبها السياسي، إلا أن هذه الحرية المسموح بها في البرامج الحوارية ذات الطابع السياسي بالأولى، كان من الممكن أن تشكل قدوة بالنسبة لشبكة برامج مجموع قنوات القطب العمومي، إلا أن “المكابح” كانت دائما حاضرة بقوة في ذهنية البعض تفرمل أي تغيير مطلوب يرقى بوظيفة الإعلام التلفزي إلى انتظارات المشاهدين، يعيد إلى الأذهان الإسهامات الفكرية والنقدية والجرأة السياسية والأدبية التي كانت تقدمها خريطة برامج القناة الثانية خلال فترة التسعينات، والتي اعتبرت فترة ذهبية في تاريخ التلفزيون المغربي.
المؤكد أن هناك كفاءات وطنية قادرة على تقديم إنتاج تلفزي مهني يرقى إلى مستوى التطلعات، وما ينقص سوى الإرادة والتخلي عن النظرة الاستباقية التي تحول دون فسح المجال لكل الإبداعات والمساهمات والكفاءات الوطنية.
لا شك أن الجميع يعول على هذا التحول الذي يحلم به الرياضيون من قناة متخصصة جاءت لخدمة قطاع أصبح في حاجة إلى حوار حقيقي يساهم في تحريك الكثير من المياه الراكدة، ونقاش حقيقي قادر على إفراز نخب جديدة من المسيرين المؤهلين لقيادة الرياضة الوطنية في آفاق تواكب التطور الحاصل على الصعيد الدولي.