حرب صناعات التكنولوجيا الفائقة تندلع من جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين

يرجّح محللون أن تواصل الولايات المتحدة والغرب تشديد الضوابط على تصدير أشباه الموصلات وغيرها من صناعات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين بهدف سد الثغرات التي تستغلها الشركات الصينية. لكن احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد يهدد التعاون عبر الأطلسي في هذه القضية.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية في 5 سبتمبر عن ضوابط تصدير جديدة على الحواسيب الكمومية والتقنيات التي تدعمها، وتكنولوجيا ترانزستور أشباه الموصلات المتقدمة، ومعدات تصنيع أشباه الموصلات المتطورة، وتقنيات التصنيع المضافة بهدف تقويض قدرات الصين والدول المنافسة الأخرى.
وذكرت الوزارة أن ضوابط التصدير الجديدة تتماشى مع اللوائح الأميركية وتلك التي تعتمدها الدول ذات التفكير المماثل، وأن واشنطن تتوقع أن تتبعها المزيد من الدول الغربية.
وأعلنت وزارة التجارة الخارجية الهولندية في 6 سبتمبر أنها ستوسع ضوابط التصدير على معدات تصنيع أشباه الموصلات بما سيتطلب من شركة آلات الطباعة الضوئية الهولندية إيه إس إم إل (التي تحتكر عالميا بعض الآلات الأكثر تقدما) السعي لنيل تراخيص تصدير من الحكومة الهولندية بدلا من الحكومة الأميركية.
وجاء إعلان الحكومة الهولندية بعد تقرير منصة بلومبيرغ الصادر في 29 أغسطس الذي يشير إلى أنه من غير المرجح تجديد تراخيص شركة إيه إس إم إل الهولندية لتصدير قطع الغيار لآلات الطباعة الضوئية المتقدمة الصينية بمجرد انتهاء صلاحيتها في نهاية 2024.
وتغطي ضوابط التصدير الأميركية الجديدة تصدير المعدات المستخدمة لإنتاج تكنولوجيا الترانزستور الأثر الحقلي. وهذه التقنية هي بنية متقدمة على شريحة تستخدمها شركات أشباه الموصلات أو تخطط لاستخدامها في رقائق الجيل التالي، متجاوزة ما اعتمدته في الرقائق المتطورة على مدار العقد الماضي.
ويعتمد هذا على القيود الأميركية الحالية على تصدير تكنولوجيا فنفيت إلى المؤسسات الصينية التي يمكنها استخدامها لإنتاج رقائق منطقية متقدمة.
كما تشمل ضوابط التصدير الأميركية متطلبات الترخيص للصادرات المفترضة للتكنولوجيا والبرمجيات الكمومية، وهو ما سيخلق بيئة أكثر تعقيدا ومثقلة بالامتثال للباحثين الذين يعملون مع مواطنين صينيين في الولايات المتحدة في مجال تطوير الحوسبة الكمومية.
وستتطلب القيود الهولندية الجديدة من شركة إيه إس إم إل التقدم بطلب للحصول على تراخيص تصدير من الحكومة الهولندية بدلا من الولايات المتحدة لشحنات آلات الطباعة بالأشعة فوق البنفسجية العميقة توينسكان إن إكس تي: 1970 آيو 1980 آي. وأكدت الشركة أن المتطلبات الجديدة تعدّ “تغييرا فنيا”، ولا تتوقع أن يحمل “أيّ تأثير” على توقعاتها المالية لهذا العام أو السيناريوهات طويلة الأجل.
وقد تعلن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من جهتها عن قاعدة جديدة تقيّد استخدام البرامج الصينية وغيرها من التقنيات ذات الصلة في الولايات المتحدة.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أنه تقرر تصميم القيود الجديدة لسد ثغرات ضوابط التصدير الغربية الحالية التي تستغلها الصين لتطوير رقائق أكثر تقدما والحد من قدرة بكين على ريادة تقنيات الحوسبة الكمومية وتصنيع الأجزاء المعدنية.
ومنذ أن فرضت الولايات المتحدة لأول مرة ضوابط تصدير موسعة على تقنيات صناعة الرقائق إلى الصين في أكتوبر 2022، عملت إدارة بايدن على تحديثها بانتظام لسد الثغرات ومنع بكين من تجاوز القيود المفروضة على قدرتها على تصنيع رقائق متقدمة.
وتحد الولايات المتحدة وحلفاؤها من صادرات تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين رسميا، لمنع الجيش الصيني وأجهزة الاستخبارات من الحصول على معدات أشباه الموصلات الأكثر تقدما التي تساعد في سد الفجوة التكنولوجية بين الجيش الصيني وجيوش الولايات المتحدة وحلفائها.
ولكن العديد من الزعماء الغربيين ينظرون إلى ضوابط التصدير باعتبارها وسيلة لضمان هيمنة الشركات غير الصينية على مجال الرقائق المتقدمة التجاري، وهي بالتالي حمائية من المنافسة الصينية.
وحققت الشركات الصينية تقدما في إنتاج رقائق أكثر تطورا، باستخدام آلات الطباعة بالأشعة فوق البنفسجية العميقة الأقل تطورا لتصنيع رقائق تفوق تلك التي تصنعها الشركات غير الصينية.
وكان هذا سببا رئيسيا لضغط الولايات المتحدة على الحكومة الهولندية لفرض المزيد من ضوابط التصدير على آلات الطباعة بالأشعة فوق البنفسجية العميقة 1970 آيو 1980 آي من شركة إيه إس إم إل وسحب دعم الصيانة لتلك الموجودة في الصين.
وتطمح الولايات المتحدة إلى أن تضمن عجز الصين عن صناعة رقائق متقدمة باستخدام تصميمات ترانزستور أحدث من خلال استهداف التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد بكين. وخططت واشنطن منذ فترة طويلة لوضع قيود على تقنيات الحوسبة الكمومية المؤثرة على عدد من التطبيقات العسكرية والاستخباراتية، بما في ذلك محاكاة الأسلحة والفضاء وكسر تقنيات تشفير آر إس إيه الحالية بسهولة نسبية.
وتؤثر ضوابط التصدير الغربية بشكل كبير على قدرة الصين على إنتاج رقائق متقدمة. وتمكنت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات في الصين من إنتاج رقائق متقدمة لشركة هواوي باستخدام تقنيات 5 نانومتر و7 نانومتر تدعم آلات الطباعة الضوئية القديمة.
ويبلغ معدل العائد لتصنيعها حوالي 50 في المئة و30 – 40 في المئة على التوالي. لكن هذه النسب تبقى أقل مقارنة بمعدلات أعلى بحوالي 40 نقطة مئوية التي تسجلها رقائق تي سي إم سي المتقدمة.
وهذا يجعلها إنتاجها مكلفا ويستغرق وقتا طويلا، ويحد من قدرة الصين على توزيعها على نطاق واسع في التطبيقات العسكرية والتجارية.
ويعني غياب آلات أكثر تقدما أنه من غير المرجح أن تكون الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات قادرة على مواكبة العمليات الأكثر تقدما التي تفوق 5 نانومتر.
وقدرت جمعية صناعة أشباه الموصلات في مايو أن الصين ستنتج حوالي 2 في المئة فقط من الرقائق المتقدمة في العالم تحت مستوى 10 نانومتر في 2032.
وبينما لا تزال تقنيات الحوسبة الكمومية على بعد سنوات من الاعتماد المنتشر، تطمح الولايات المتحدة إلى أن تكون ضوابط التصدير التي وضعتها فعالة في جعل تنمية الصين متخلفة عن بقية العالم.
وبينما لم تحدث تقنيات التصنيع المضافة ثورة كاملة في سلاسل التوريد، إلا أن أهميتها أصبحت متزايدة لقطاعي الطيران والدفاع.
وهي تساهم في إنتاج محركات وصواريخ ومكونات منخفضة التكلفة. وتستهدف ضوابط التصدير الأميركية خاصة التقنيات التي يمكن أن تدعم تكنولوجيا التصنيع المضافة المعتمدة في التطبيقات العسكرية والدفاعية والصناعية.
ويبرز رضوخ الحكومة الهولندية للضغوط الأميركية توافقا متزايدا عبر المحيط الأطلسي على الحاجة إلى ضوابط تصدير قوية تستهدف الصين. لكن التنسيق قد يتراجع إذا تعثرت العلاقات بين واشنطن والحكومات الأوروبية خلال إدارة ترامب الثانية المحتملة.
وضغطت إدارة بايدن بشدة على الدول الأوروبية والآسيوية (بما يشمل اليابان وكوريا الجنوبية) لفرض قيود إضافية على قطاع التكنولوجيا الصيني. كما أدخلت اليابان ضوابط تصدير جديدة على المواد والمعدات اللازمة لإنتاج الرقائق المتقدمة.
وشهدت الولايات المتحدة بعض النجاح في مواءمة هذه البلدان بشأن ضوابط التصدير لمعدات تصنيع أشباه الموصلات وتقنيات الحوسبة الكمومية، إضافة إلى وضع قيود على استخدام معدات الجيل الخامس الصينية.
وتعتبر واشنطن التعاون متعدد الأطراف أساسيا لإبطاء خلق ثغرات جديدة تستغلها الشركات الصينية والغربية التي لا تزال تحاول تصدير التقنيات الحساسة إلى بكين.
ويوفر هذا للولايات المتحدة نفوذا دبلوماسيا أقوى، يسمح لها بالتأكيد على أن ضوابط التصدير ليست منها وحدها، بل هي مدعومة دوليا وتعكس إجماعا أوسع على المخاطر التي تشكلها الصين.
وإذا فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فسيكون من المرجح أن يستمر التعاون عبر الأطلسي بشأن القيود التكنولوجية دون تغيير. لكن من الممكن أن يؤدي فوز ترامب إلى توتر العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بسبب العديد من القضايا، مثل الحرب التجارية المحتملة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وانخفاض التزام الولايات المتحدة بالتزامات الناتو وانخفاض الدعم لأوكرانيا ضد روسيا.
ويعتبر جل القادة الأوروبيين هذه القضايا أكثر أهمية بكثير من كبح صعود الصين كنظير عسكري لأنها لا تمثل لها نفس التهديد الإستراتيجي.
وهذا ما يعني أن التعاون الأوروبي بشأن ضوابط التصدير قد يصبح ضحية لأيّ تداعيات في العلاقات مع الولايات المتحدة.
وقد يؤدي تركيز ترامب الشخصي على الحد من اختلال التوازن التجاري الأميركي مع الصين إلى منح إدارة ترامب الثانية الأولوية لقضايا التجارة على قيود التكنولوجيا، مما قد يساهم في إبطاء إدخال ضوابط جديدة.
ولم يكن هذا المجال محور تركيزه الأساسي خلال فترة ولايته الأولى. وعلى الرغم من تركيز ترامب على الصين، من المحتمل أن يدفع العديد من الجمهوريين وأولئك الذين يشغلون مناصب في أيّ حكومة ثانية لترامب إلى مواصلة نهج إدارة بايدن في وضع قيود على مستوى القطاع على صادرات التكنولوجيا الناشئة والحيوية إلى الصين.
ويعني هذا أن بعض القيود ستظل قائمة. لكن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية قد تجبر إدارة ترامب على استخدام قاعدة المنتج الأجنبي المباشر بشكل أكثر عدوانية.
وهذا ما قد يفرض فعليا ضوابط التصدير الأميركية على الشركات الأوروبية إن سُجّل أيّ مستوى من التكنولوجيا الأميركية في منتجاتها. وسيكون استغلال قاعدة المنتج الأجنبي المباشر وسيلة قوية لقطع صادرات التكنولوجيا الأوروبية إلى الصين.
وسيضيف نقطة توتر أخرى بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتضررة، بما يقوض التعاون عبر المحيط الأطلسي بشأن تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة.

Top