أجمع خبراء تكنولوجيون وسياسيون واقتصاديون عرب، على أن العبء المترتب على انتشار فايروس كورونا على المجتمعات في البلدان العربية يفوق بكثير الجانب العلاجي والصحي.
وقالوا “بقدر ما ترتبط احتمالات أن تذهب تأثيرات كورونا أبعد من انتشار الوباء، من خلال تعطيل حياتنا والتسبب في مأساة مؤلمة، قد يدفعنا الوباء إلى القبول بحياة جديدة لم تكن لدينا القدرة على التنبؤ بها من قبل”.
وطالبوا في تصريحات لـ”العرب” بضرورة تدخل الدول بقرارات سيادية على نحو سريع لضمان تحقيق العدالة وتوفير خدمات الإنترنت للجميع لتسيير التعليم والعمل إلكترونيًّا للسيطرة على فايروس كورونا.
ورغم تصاعد الأجواء الاستثنائية التي يفرضها انتشار كورونا والأعباء المضاعفة على شبكات الإنترنت، يرى خبراء أن المحنة قد تتحول إلى منحة، فالمرحلة الحالية التي أجبرت الكثير من الشركات والأنظمة على التحول إلى الغرف الإلكترونية قد تكشف عن فاعلية من شأنها توفير الكثير من الوقت والجهد مستقبلاً. فاختبارات كورونا الإلزامية ستتخذها أنظمة العمل طوعًا مستقبلاً، لأن البنى التحتية ستكون قد تلقت دعما فعليا.
ومع أن غالبية الحكومات العربية تعلن عن إجراءاتها الصحية المتعلقة بعزل المصابين وإغلاق حدودها مع الدول الأخرى، لكنها لم تتجهز بما يكفي لعمليات إيقاف الدراسة والعمل عن بعد في مؤسساتها الحكومية والتعليمية.
ويترتب على عمليات إيقاف العمل وتعطيل الدراسة استمرار التواصل عن بعد عبر شبكات الإنترنت بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات، الأمر الذي يحمّل شبكة الإنترنت أكثر من طاقتها المتاحة في أغلب البلدان العربية.
وأعلنت غالبية الدول العربية إيقاف الدراسة وتعطيل العمل في دوائر كثيرة، واستمرار الدراسة عن بعد عبر شبكة الإنترنت.
وتعد الشركات الكبرى القادرة على التزود بشبكات ربط وإجراء مقابلات وتسيير أمور العمل عبر “الفيديو كونفرنس” هي الأقل ضررًا في المرحلة المقبلة، مقابل ارتفاع الضرر لدى الشركات الصغيرة غير القادرة على توفير تلك البنية. كذلك لا يستطيع الجمهور في غالبية الدول العربية تحمّل تكلفة خدمات مضاعفة من الإنترنت، كما لا يستطيع الطلاب استقبال التعليم أون لاين.
ولا تتعلق صعوبة الأمر بتبادل الملفات بين المستخدمين وتصفح شبكة الإنترنت، بل بتبادل الفيديو بين المستخدمين والمؤسسات الحكومية والجامعات، الأمر الذي يحمّل الشبكة حملا ثقيلا يتسبب في بطئها أو توقفها خصوصا في المناطق القريبة من بعضها البعض.
ولا تتحمل شبكات الإنترنت المجهزة للمنازل في العديد من الدول العربية، ضغط الاستخدام العالي، بسبب بطء سرعتها وتواضع تجهيزاتها التكنولوجية.
واختلفت أوقات ذروة استخدام الإنترنت في الدول التي تحول فيها العمل من المكتب إلى المنزل بسبب فايروس كورونا، من وقت العشاء تقريبا إلى حوالي الساعة الـ11 صباحا.
وفي البلدان العربية لا تتوفر إلى حد الآن أرقام عن ساعات الذروة في الاستخدام بعد تعطل الدراسة، لكن أغلب المعطيات المعلنة تؤكد على فترة المساء خصوصا في دول الخليج العربي المزودة بشبكات إنترنت متقدمة عن بقية البلدان العربية.
ويحذر الخبراء من تعثر الاتصالات للكثيرين إذا حاول عدد كبير جدا من أفراد العائلة إجراء محادثة بالفيديو في الوقت نفسه.
وارتفعت حركة المرور بنسبة 10 في المئة إلى 20 في المئة خلال ساعات الذروة منذ الأسبوع الأول من فبراير الماضي في سياتل الكبرى، المنطقة الحضرية في الولايات المتحدة الأكثر تضررًا من الفايروس، وفقًا لشركة “كلاود فلير”. فيما ارتفعت حركة المرور على الإنترنت في دول أخرى مثل إيطاليا والصين وكوريا الجنوبية التي تفشى فيها الفايروس إلى مستويات أعلى.
وأشار خبير أمن المعلومات، وليد حجاج، إلى تباين مستوى التحديات في المنطقة العربية وفق البنى التكنولوجية التحتية لكل دولة وقدرة مواطنيها على التعامل مع التكنولوجيا. انطلاقا من ذلك تأتي دول الخليج، وخصوصا الإمارات، في قمة الجاهزية للتعامل مع التحول الرقمي في شؤون العمل والدراسة لاستيعاب فايروس كورونا على اعتبار أنها دول صاحبة بنية تكنولوجية متقدمة وقادرة على التحول دون عوائق.
وأضاف حجاج “هناك دول مثل مصر تواجه تحديات متوسطة في التحول، فعلى الرغم من تحديث بنيتها التكنولوجية في نطاقات عدة داخلها، ما زالت بعض المناطق غير جاهزة لاستيعاب تلك التحولات مثل القرى والنجوع، فضلاً عن عدم قدرة المواطنين على التعامل مع التكنولوجيا، وهنا تقفز التحديات كعائق أيضا في دول النزاعات المسلحة”.
فيما نصح زين عبدالهادي، أستاذ المعلوماتية في جامعة حلوان بجنوب القاهرة، بعدم التعامل عبر اقتصاديات السوق في ظل الأوضاع الاستثنائية الحالية، ولا يجب أن يرتبط تقديم خدمات الإنترنت بالقادرين على تحمل نفقاتها، بل يجب العمل سريعا على تحسين الشبكات واستخدام تقنيات الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية الكثيرة لتدعيم وسائل التواصل عن بعد، وضمان الخروج من تلك المرحلة بأقل ضرر ممكن.
وأشار عبدالهادي في تصريحات لـ”العرب” إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الدول الحافلة بالصراعات في استيعاب تلك التحولات، ما يتطلب تضافر الجهود الدولية لمعاونتها.
على المستوى الدولي أصبحت شبكات الإنترنت الأميركية أكثر من قادرة على التعامل مع الأزمات المتعلقة بالفايروسات، حيث تطورت لتصبح قادرةً على التعامل بسهولة مع خدمات البث، مثل نتفليكس ويوتيوب وخدمات البث الأخرى ذات النطاق الترددي.
وقال بول فيكسي، الرئيس التنفيذي لشركة “فارسايت سيكيوريتي” ورائد الإنترنت الذي ساعد على تصميم نظام تسمية النطاق الخاص بها، “إن جوهر الشبكة مدعوم بشكل كبير”.
ولكن إذا كان الآباء يستخدمون الفيديو للعمل في نفس الوقت الذي يحاول فيه طلاب الجامعات والمدارس الثانوية الوصول إلى مدارسهم بنفس الطريقة، فقد يعانون من الازدحام.
وقال ماثيو برينس، الرئيس التنفيذي لشركة “كلاود فلير” التي تشكل وتؤمّن حركة المرور على الإنترنت لمواقع الويب، “شهدت الإنترنت في إيطاليا ارتفاعا بنسبة 30 في المئة في حركة مرور ساعة الذروة في وقت مبكر من الأسبوع الماضي بعد أن أجبرت الحكومة الجميع على المكوث في المنزل”.
وأوضح باتريك سوليفان، الرئيس الفني للأمن في شركة “أكاماي”، مزود تكنولوجيا المعلومات الرئيسي للأعمال والحكومة في الولايات المتحدة، أن الزيادة المفاجئة غير المتوقعة في ملايين الموظفين الذين يعملون بالمنزل أجبرت الشركات على التدافع لتعزيز قدرتها على الاتصالات الآمنة عبر الشبكات الخاصة الافتراضية.
ولكن قد تؤدي الطفرة إلى حدوث بعض الاختناقات المؤقتة. وأضاف سوليفان، نظرا إلى أن الكثير من الحوسبة انتقلت إلى الخدمات السحابية، فإن التحول لا يشكل الكثير من العبء في الموقع على الشركات، ويمكن إزالة الاختناقات عادة في دقائق أو ساعات.
وارتبكت بعض خدمات المكالمات الجماعية؛ حيث تعطل مؤتمر صحافي هاتفي نظمه مكتب حاكم ولاية أوريغون، كيت براون، يوم الجمعة مرتين بسبب ارتفاع عدد المتصلين بمركز للمؤتمرات عبر الهاتف.