تحيل كتابات الروائي المغربي عبد المجيد سباطة على نمط أدبي صيغ في قالب أوروبي، يكون موضوعه الدائم الاغتراب والتيه، فالاختلاف الموجود في الكتاب المقدس، ينعكس بدوره على واقع شخوصه، مما يعرض أفكارهم للتشويش وطرح أسئلة وجودية دائمة، غالبا ما يكون موضوعها، الدين والعرق. وقد ظهر ذلك بشكل واضح في المذكرات التي يحاول البطل الكشف عن رموزها، لكشف حقيقة معالم جريمة القتل التي وقعت في سراييفو.
تتضافر البنية السردية لإزاحة اللثام عن الحكايات الكثيرة للسارد، لكنها تصب جميعا في طرح صراع الهوية؛ الذي شكل ولايزال هاجسا للكثيرين، وقد ذكرتني هذه الرواية “ساعة الصفر” لسباطة برواية “عائد إلى حيفا”، إذ يتناولان معا هذا الصراع من أجل إثبات الذات الممزقة بين الأصول العربية والثقافة الأوروبية التي ترخي بظلالها على نفسية هذه الذوات.
يكتب عبد المجيد سباطة عن مواضيع خارج الوطن، عن طريق فعل الترجمة، كما هو واضح في روايته هذه، والتي تعالج مواضيع عدة، من بينها التقتيل والتنكيل المنهجي أو التطهير العرقي الذي مارسه الصرب على البوسنة، كما تتناول أيضا مذكرات شاب مفقود تعود لأمه الراحلة الفرنسية المسيحية بريجيت نوسي، التي عرفت بعداءها الشديد للعرب والمسلمين والمزدادة في وهران الجزائرية قبل أن تشد الرحال إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر، ومع أن هذه المرأة شديدة الكره للمسلمين، إلا أنها تعلمت العربية وأجادتها، بل علمتها لابنها الذي أنجبته من عربي اسمه أحمد والأدهى من ذلك أن ابنها تعلم هو الآخر اللغة العربية، فواصل بها هذا الانتماء إلى جذوره الأصلية، هذا الأخير الذي سيواصل البحث عن هويته في مدينة الرباط، طبقا لمذكرات ووصية الأم بريجيت نوسي.
وهو بهذا يلفت الانتباه لقضايا المسلمين، بإمعان ووصف دقيق للأحداث.
في خضم هذا السرد المتواصل يفاجئك السارد بكتابات عبارة عن مقتطفات من الانجيل، لتعتقد أن الكاتب تأثر فعلا بما يترجم. إلى درجة الغوص والانغماس فيه، وهو يرتاد عوالم أخرى بعيدة عن مخيالنا السردي المغربي، وإلا فما تفسير العبارات المأخوذة من أناجيل العهد القديم،يقول مثلا ” هل كشفتم البداية حتى تسألوا عن النهاية؟ فحيث هي البداية، هناك توجد النهاية”.1 هكذا إذن تكون البداية هي النهاية نفسها في أحداث الرواية والذي يعبر عنها هي تلك الساعة الموجودة مع المذكرات: ” ساعة الصفر التي توقفت فجأة، ومع وقوفها يقف الزمن الذي هو نهاية الأحداث نفسها.
تطفو عبارات الموت بشكل كبير في متن الرواية السردي، وموضوعة هيمنة على فصول الرواية، كأنها الشغل الشاغل للسارد، يقول مثلا:
لا أبشع من الموت سوى انتظار”.2
يقول السارد ذلك لوصف حالة شخوصه النفسية وهي تنتظر في لامبالاة الموت الرحيم بها، إثر القصف المتواصل لآلة الموت الدموية، أو آلة القتل الصربية كما سماها.
ثم يمضي في وصف أشكال القصف المتواصلة باستخدام صواريخ كاتيوشا، عوض قذائف الهاون المعتادة.
هكذا إذن يكتب الروائي المغربي بنفس سردي متميز عن معاناة المسلمين في مختلف بقاع العالم، وعن تشظي الهوية والدين، ليجمع في رواية واحدة بين المشترك الإنساني والحضاري للأحداث التي طبعت شخوص الرواية.
هوامش:
-1ساعة الصفر، عبد المجيد سباطة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب الطبعة الأولى 20171ـ ساعة الصفر، عبد المجيد سباطة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب الطبعة الأولى 2017، ص:43
2ـ نفس المصدر، ص:194
> بقلم: الحسين أيت بها