عزيز بلال، الحاضر دوما…

حلت أمس الذكرى الـ 41 للرحيل المفجع للمفكر الاقتصادي المغربي والمناضل التقدمي الرفيق عبد العزيز بلال، وبرغم توالي الأعوام، بقي منجزه العلمي وتاريخه النضالي حاضرين إلى اليوم، ويتم استحضار الفقيد عند تحليل الوضع العام لبلادنا والبنيات الاقتصادية السائدة.
يؤكد المختصون أن عزيز بلال تميز في قراءة عوامل منع تحرر المغرب، وأيضا باقي العالم الثالث، واشترك مع مفكرين اقتصاديين آخرين من بلدان أخرى في التأسيس لاقتصاد التنمية، واعتبر كتابه المرجعي: (العوامل غير الاقتصادية للتنمية) قراءة متقدمة وغير معتادة حينها، ولا يزال يحظى براهنية واضحة إلى اليوم.
من المؤكد أن سياقات الوقت مختلفة عما يميز عالم اليوم، وأن امتدادات الفكر التقدمي في ذلك الوقت وشموله مختلف مناحي المعرفة والعلوم الإنسانية، لم يعد لها ذات الوهج في هذا الزمن، ولكن أيضا عزيز بلال نجح وقتها أن يبرز كمفكر اقتصادي عالمي حظي بتقدير الكثيرين من جغرافيات متنوعة، واشترك مع بعضهم في أبحاث مشتركة.
ومن جهة ثانية، لم يكن عزيز بلال مفكرا اقتصاديا عالما وممتلكا للرصانة المعرفية والاجتهاد الكبير فقط، وإنما أضاف إلى ذلك حضوره النضالي الميداني كقائد حزبي ونقابي وجمعوي، وكمنخرط في القضايا اليومية للناس، وفي الانتخابات الجماعية، ومن ثم أعطى معنى ملموسا لدور المثقف على الأرض وبجانب الناس، ولم يغلق على نفسه في بروج معلقة أو في عمل مكتبي فردي أو تنظيري مجرد.
لقد عاش الفقيد مناضلا في الحزب ومؤطرا ورفيقا، كما عرف في اتحاد الطلبة وفي نقابة التعليم العالي وفي جمعية الاقتصاديين، ثم منتخبا جماعيا في الدار البيضاء، وهذه المهمة الانتدابية الأخيرة هي التي كانت سبب سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعرض لمأساة بأحد فنادق شيكاغو، فارق على إثرها الحياة.
الخاصيتان أعلاه، أي امتلاك المعرفة العلمية الرصينة والتميز في الاجتهاد والبحث من جهة، ثم الحضور النضالي اليومي الملموس وسط الناس من جهة ثانية، هما اللتان تركتا عزيز بلال، اسما وإرثا، حاضرا في الذاكرة المجتمعية والنضالية والعلمية إلى اليوم، ويعتبر العديدون أن أفكاره وتحاليله لا تزالان ذات راهنية، بالنظر إلى اختلالات أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، وأمام ما يعانيه العالم المعاصر من تحولات وتعقيدات.
يجب أن نعيد قراءة عزيز بلال اليوم على ضوء تقلبات العالم الحالي وتغيرات الأنساق الاقتصادية والقيمية والمجتمعية، وأن نبني لبلادنا وشعبنا المخارج المناسبة من الأزمة.
لقد فكر الكثيرون في عزيز بلال وفي مقارباته الاقتصادية عند عرض النموذج التنموي الجديد، ويحضر الراحل أيضا عند استعراض تطلعات شعبنا للعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة والتوزيع العادل للثروات، ويبرز كما لو أنه كان يتحدث ويحلل واقعنا الحالي ويقدم لنا المخارج من أزماتنا.
في حين يدبج البعض اليوم كتابات هي أقرب إلى شعارات وكاتالوغات تبنى على التسطيح والتبسيطية وتركيب العناوين، كان عزيز بلال يصر على تفكيك المفاهيم ويدقق في المعجم والمفردات، وفي المنهجية والبناء والموقف والرؤية، ولهذا كانت كلمات مثل: بزوغ البلدان والمجتمعات، التبعية والتحرر، الدولة الاجتماعية، التنمية، توزيع الثروة، الكرامة…، ليست مجرد تعابير يصفها ضمن السطور، وإنما هي منظومات دقيقة ومحكمة تقوم على التحليل الملموس للواقع الملموس، وتفضي إلى رؤى واضحة يؤسسسها على حجية علمية رصينة.
رحل عزيز بلال في: 1982، لكن فكره وتراثه العلمي والنضالي بقيا حاضرين إلى اليوم، والسيرة تعلمنا اليوم أن المفكر والمثقف الحقيقي هو من يجعل علمه وممارسته منشغلين بقضايا بلده وشعبه، ويعيش هو قريبا منهما، ومناضلا من أجل تحقيق التطلعات الاجتماعية والتنموية والديموقراطية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top