عيد العرش: المناسبة والدلالات

من دون شك، إن التحولات السياسية التي تعيشها بلادنا، ومختلف التجاذبات ذات الصلة، هي أبرز ما يميز المغرب اليوم في غمرة الاحتفال بالذكرى الرابعة عشرة لتربع جلالة الملك على العرش، أي أن المناسبة هذا العام تكتسب طبيعة سياسية واضحة. وفي الإطار نفسه، فإن الدلالة السياسية هي ذاتها تلتصق بالتيمة السياسية، ذلك أن المؤسسة الملكية أبانت، في خضم كل ما حدث داخل تحالف الأغلبية وحواليه مثلا، عن حرص شديد على الأفق الديمقراطي المتقدم لدستور 2011، فجلالة الملك لم يشأ التدخل في نزاع بين حزبين أو داخل تحالف حزبي، وأيضا هو اختار، من خلال كثير إشارات وخطوات عملية، الانتصار لدولة المؤسسات.. وللخيار الديمقراطي الحداثي للمملكة.
وعندما قبل استقالات وزراء، وطلب منهم مواصلة أعمالهم لتصريف المهام، ودفع في اتجاه تشكيل أغلبية جديدة، فهو كان أيضا، وأساسا، يتشبث بخيار احترام المنهجية الديمقراطية، وينتصر لدولة المؤسسات، ويحث الأحزاب الحقيقية على أن تمارس الاستقلالية الكاملة في القرار والموقف والسلوك.
في الخلاصة، إن الدلالة القوية لذكرى عيد العرش تكمن أساسا في هذا البعد السياسي، أي في انخراط المغربيات والمغاربة في مسلسلات إعمال وتفعيل الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد للمملكة، وأيضا ما فتحه من آفاق المشاركة الفعالة أمام الشعب المغربي لترسيخ النموذج المغربي المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي.
أما الدلالة الثانية التي تبعثها المناسبة اليوم، فتجسدها عديد قيم يصر عليها جلالة الملك في المنجز لفائدة شعبه، وفي العلاقة معه، ومنها قيمة التضامن، التي تؤطر دينامية التنمية البشرية التي يرعاها جلالته، ثم قيمة الفاعلية والتتبع والنجاعة في تحقيق أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومتابعة سير الأوراش المرتبطة بها.
وبخصوص الدلالة الثالثة، فتحيلنا عليها المبادرات الملكية العديدة تجاه شعوب صديقة وشقيقة، وزياراته إلى بعض بلدانها…
إن الدلالات الثلاث إذن تقدم لنا الانخراط الملكي القوي في دينامية للفعل والإنجاز تؤطرها قيم التضامن والقرب والفاعلية والتتبع وجودة الحكامة، وهي القيم نفسها التي تميز صورة جلالة الملك في العالم ولدى شعبه، كما أنها تمثل، في نفس الوقت، رسائل إلى الفاعلين السياسيين والاقتصاديين في البلاد من أجل الانخراط القوي في خدمة بلادنا وشعبنا وفق منهجية وأسلوب يقومان على هذه القيم بالذات.
لقد أوردنا أعلاه أن الموضوع السياسي هو ما يجسد الدلالة الأولى لعيد العرش هذه السنة، وهنا، فإن جلالة الملك كان أسس قبل عامين للنموذج المغربي المتفرد في الإصلاح، ويواكب الدينامية إلى غاية اليوم من خلال الإصرار على احترام المنهجية الديمقراطية ومقتضيات دولة القانون والمؤسسات.

Top