فيلم الفيل الأزرق مستوى تقني مغاير لما اعتاده جمهور السينما المصرية

يمزج الفيلم المصري ”الفيل الأزرق” من توقيع المخرج  مروان حامد، بين الواقع والخيال، الإثارة والغموض، بجودة فنية وتقنية عالية، ليمسك  بخيوط عالم الأمراض النفسية وأعراضها.
ويعتبر هذا الفيلم، الذي عرض صباح  الاثنين في إطار المسابقة الرسمية  للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، عملا فنيا متميزا ومختلفا عن الأعمال التي أنتجتها  السينما المصرية في السنوات الأخيرة حيث عرفت هيمنة قوية للأفلام الكوميدية وأفلام  الحركة.
تدور أحداث هذا الفيلم حول حياة طبيب نفسي محبط ومكتئب يدعى يحيى (كريم عبد  العزيز)، مر بمجموعة من المشاكل الشخصية والمهنية ويعيش مأساة داخلية بعد أن توفيت  زوجته وابنته في حادثة سير كان هو السبب في وقوعها.
هذا الحادث المؤلم سيكون سببا في انطواء يحيى على نفسه وعيشه تحت وطأة إحساسه  بالذنب وانقطاعه عن العمل لمدة خمس سنوات مفضلا عزلته الاختيارية وإدمانه للكحول،  إلى أن يتلقى في يوم من الأيام إنذارا بالطرد إن لم يلتحق فورا بعمله.
يقرر يحيى استئناف عمله بروح جديدة في مستشفى العباسية للصحة النفسية، فيتم  تعيينه في قسم ”8 غرب” الخاص بتشخيص الحالة العقلية لمرتكبي الجرائم خاصة القتل  المحالين من قبل محاميهم على الفحص الطبي على أمل إنقاذهم من الإعدام.
غير أن يحيى سيتفاجأ عندما يطلب منه كتابة تقرير عن حالة أحد المرضى النفسيين،  لأن هذا المريض لن يكون سوى صديقه الدكتور شريف الكردي وهو طبيب نفسي أيضا لم  يلتقه لمدة عشر سنوات ويقوم بدوره الفنان خالد الصاوي.
يكتشف يحيى أن شريف قد دخل مستشفى العباسية بسبب شكوك حول إصابته بانفصام في  الشخصية بعد أن قام بالاعتداء على زوجته الحامل وقتلها بطريقة وحشية، فيقرر  مساعدته بتعاون مع لبنى (نيللى كريم) أخت شريف.
ولكي يفك الدكتور يحيى خيوط لغز الجريمة، يقتحم عوالم غريبة لها علاقة بالسحر  والشعوذة بعد أن شعر أن العلم وحده لا يكفي لإظهار براءة صديقه شريف، كما سيستعين  بحبوب ”الفيل الأزرق”، وهي حبوب هلوسة تدخله إلى عالم مجهول يساعده على فك لغز  القضية.
تزداد القضية تعقيدا بتعقد حالة شريف الذي لا يتحدث سوى بجملة واحدة وهي طلب  المزيد من الملح في الطعام، وكتابته لرقم واحد في كل مكان بدون أن يفصح عن سر هذا  الرقم، ثم تأرجحه بين شخصيته الحقيقية وشخصية أخرى ثانية يحمل فيها اسم ”نائل”.  يجد يحيى نفسه متورطا في حل قضية شائكة ووسط سلسلة من الأحداث والمفاجآت التي  ستقلب حياته رأسا على عقب، فتتحول محاولته لاكتشاف حقيقة حالة صديقه الذي يعاني من  حالة نفسية سيئة إلى رحلة مثيرة لاكتشاف ذاته أيضا.
تتوالى أحداث الفيلم لتفضي الأبحاث التي انتهى إليها يحيى لتبرئة صديقه المتهم  بالقتل، باكتشاف أن القاتل الحقيقي ليس سوى شيطان أو جني سكن جسد صديقه، ونقل إليه  بعد أن قامت مشعوذة برسم وشم لزوجته التي لجأت إليها باحثة عن حل لتحسين علاقتهما.
قصة هذا الفيلم مثيرة وقد أبدع الممثلون في تقديم أدوارهم من خلال الاهتمام  بأدق التفاصيل والأداء القوي، خاصة كريم عبد العزيز وخالد الصاوي اللذان قدما  دوريهما بدقة، بداية من الشكل وصولا إلى الانفعالات والاضطرابات النفسية، مبرزين  قدراتهما التمثيلية الكبيرة.
وقد ابتعد النجم كريم عبد العزيز في هذا الفيلم عن أدواره السابقة ليقدم شكلا  تشخيصيا مختلفا، فيما وثق خالد الصاوي من خلال هذا العمل الفني إسمه ضمن قائمة  الممثلين المميزين في السينما المصرية، وظهرت نيللي كريم متألقة مجددا أمام كاميرا  السينما بعد تفوقها هذه السنة كممثلة تلفزيونية خاصة في مسلسليها الأخيرين ”سجن  النساء” و”قصر عابدين”.
أما مخرج الفيلم مروان حامد فقد نجح في تقديم مستوى تقني مغاير لما اعتاده  جمهور السينما المصرية، مستوى نجح في جذب المشاهد وإثارة اهتمامه، ليكون هذا العمل  محطة هامة في مشواره المهني.
ومن نقاط القوة أيضا في هذا الفيلم ، الموسيقى التصويرية  للملحن هشام نزيه  التي كانت مناسبة جدا لأحداث الفيلم حيث ساهمت في إدخال المشاهد في أجواء من  الإثارة والتشويق ، فضلا عن المؤثرات البصرية التي تعبر بشكل واضح عن روح الفيلم،  وجودة الإضاءة وحركات الكاميرا التي كانت مدروسة بعناية.
هذا الفيلم المتميز المأخوذ عن رواية ”الفيل الأزرق” التي حققت نجاحا كبيرا  وكتب السيناريو والحوار مؤلفها أحمد مراد، يعد من أبرز أفلام المخرج مروان حامد  بعد فيلميه ”عمارة يعقوبيان” و ”إبراهيم الأبيض ”.
وشارك في هذا العمل الفني إلى جانب كل من النجم المصري كريم عبد العزيز (يحيى  راشد) وخالد الصاوي (شريف الكردي)، ونيللي كريم (لبنى ) ، دارين حداد (مايا)  ولبلبة (صفاء) وشيرين رضا (ديجا).)
يشار إلى أن المخرج الشاب مروان حامد الذي ولد عام 1977 ، هو نجل المؤلف وحيد  حامد ، أخرج في بداياته الفيلم القصير ”لي لي” ثم كانت الخطوة الأهم في مشواره  عام 2006 بإخراج فيلم ”عمارة يعقوبيان” من بطولة نخبة من الفنانين في مقدمتهم  عادل إمام. كما شارك في إخراج مسلسل ”لحظات حرجة”.

Top