قراءة أولية في القانون رقم 38.21 المتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية

بتاريخ 02 غشت 2021، نشر مؤخرا بالجريدة الرسمية القانون رقم 38.21 المتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية الذي أتى بعد طول انتظار لسد فجوة لطالما عرفتها الترسانة التشريعية الوطنية لمدة عقود، القانون الجديد يتكون من 36 مادة موزعة على 6 أبواب، تتعلق على التوالي بالمواضيع التالية: أحكام عامة، تأليف المفتشية العامة، اختصاصاتها، قواعد تنظيمها، الحقوق والواجبات، ثم مقتضيات ختامية.

المفتشية العامة نطاق العمل

يلاحظ أن القانون الجديد لم يعرف التفتيش القضائي، مما يفرض ضرورة الاستعانة بالتعريف الوارد في قانون التنظيم القضائي، والذي جاء فيه أنه “يقصد من تفتيش المحاكم بصفة خاصة تقييم تسييرها وكذا تسيير المصالح التابعة لها والتنظيمات المستعملة وكيفية تأدية موظفيها من قضاة وكتاب الضبط لعملهم”.
وقد تطرق القانون الجديد وبشكل واضح لتأليف المفتشية العامة، حيث نصت المادة الرابعة منه على أنها تتألف من مفتش عام، ونائبه، ومفتشين، ومفتشين مساعدين.
كما أضافت الفقرة الأخيرة من نفس المادة، التأكيد على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يضع رهن إشارة المفتشية العامة الموارد البشرية والمالية وبرامج التكوين والوسائل التقنية التي تمكنها من أداء مهامها.
ويلاحظ من خلال الاطلاع على القانون الجديد، أنه انتصر لمبدأ التعيين المباشر للمفتش العام، عوض فتح باب التباري كما جرى به العمل في التعيينات لعدد من المناصب القضائية، كما يلاحظ في الوقت ذاته، أن القانون لم يحدد أي شروط موضوعية في طريقة تعيين باقي أطر المفتشية العامة، حيث تم الاكتفاء باشتراط التوفر على أقدمية معينة، وإعطاء سلطة تقديرية واسعة لجهة الاقتراح والتعيين.
من جهة ثانية، يلاحظ أن القانون الجديد كرس استقلال جهاز المفتشية العامة للشؤون القضائية عن وزارة العدل، لكنه نص وبشكل صريح، على أن المفتشية العامة من الهياكل الإدارية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتتبع له في أداء مهامها، كما أن بنياتها الإدارية تحدد بقرار من الرئيس المنتدب يعرض على تأشيرة السلطة الحكومية للعدل.

المسكوت عنه في قانون المفتشية العامة

بالاطلاع على قانون المفتشية العامة، يلاحظ أنه تطرق لحقوق وواجبات أعضائها، حيث خصص الباب الخامس للحقوق والواجبات وفي هذا السياق يلاحظ أنه تم التركيز في مجال حقوق أطر التفتيش القضائي على الجانب المادي، وذلك بالتنصيص على تقاضي المفتش العام ونائبه وباقي المفتشين تعويضا عن المهام الموكولة إليهم، يحدد بقرار من الرئيس المنتدب، كما تم التنصيص على سلطة التحري الشاملة التي يملكها جهاز المفتشية العامة للاستماع لأي شخص ولأي جهة، وهي ذات السلطة التي تتيح للجهازالحصول على أي معلومة، دون إمكانية الاحتجاج بالسر المهني.
لكن في المقابل، يلاحظ أن القانون الجديد لم يتضمن أي مقتضيات تكرس ضمانات استقلالية المفتش العام وأطر المفتشية في أداء عملها، لا سيما ما يتعلق بضمان مبدأ ثبات المنصب القضائي كأحد أهم مقومات استقلال القضاء، بحيث أجاز القانون الجديد إمكانية وضع حد لمهام أطر التفتيش قبل نهاية مدة ولايتهم.
من جهة ثانية، سكت القانون الجديد عن حقوق القضاة أمام جهاز المفتشية العامة، وفي هذا السياق لا بد من التذكير بالمعطيات التي تضمنتها بيانات جمعية نادي قضاة المغرب حول واقع التفتيش القضائي قبل صدور القانون الجديد، حيث وقفت الجمعية على عدة اختلالات موجودة في طريقة عمل الجهاز، من بينها حرمان القضاة من حقوق الدفاع خلال مرحلة التفتيش القضائي، حيث يتم استدعاؤهم دون تمكينهم من حقهم في الحصول على نسخة من الاستدعاء ومعرفة سبب الاستدعاء أو الحق في استنساخ وثائق الملف، أو الاستفادة من مؤازرة محام أو قاض في اطار حقوق الدفاع، وقد كانت المفتشية العامة تبرر ذلك بغياب إطار قانوني يسمح بتوفير هذه الحقوق في ظل الفراغ التشريعي الذي تعاني منه منظومة التفتيش القضائي، قبل صدور القانون الجديد، ومن المؤسف أن هذا الفراغ ظل قائما حتى بعد صدور القانون الجديد الذي سكت بدوره عن التنصيص على حقوق القضاة أمام المفتشية العامة، بالرغم من أهمية مرحلة التفتيش في ضمان المحاكمة التأديبية العادلة.
من جهة ثالثة، لم يتطرق القانون الجديد لتحديد نطاق التفتيش القضائي، مما أبقى علامات استفهام كثيرة حول مجموعة من القضايا، من قبيل متى يبدأ نطاق اختصاص المفتشية العامة على مستوى القضايا المعروضة على أنظار القضاء، هل يجوز مثلا استدعاء قاض أو هيئة قضائية قبل البت في النزاع المعروض عليها، أو بعد أيام قليلة من إصدار حكم أو قرار، وقبل ممارسة حق الطعن فيه؟ ألا يعد ذلك تأثيرا على مسار الملف خلال مرحلة الاستئناف أو النقض؟ ما حدود التداخل بين عمل المفتشية العامة وممارسة الحق في الطعن أمام المحكمة الأعلى درجة.
إن الهدف من طرح هذه التساؤلات هو الرغبة في ضرورة توفير جو ملائم لعمل القضاة، وهو ما يفرض ضرورة اقتصار نطاق التفتيش القضائي على ما هو أخلاقي ومهني وإداري من مساطر وإجراءات دون أن يمتد الى الجانب القضائي الذي يبقى خاضعا لمراقبة محكمة النقض.
وأخيرا أرى أن المسكوت عنه في قانون المفتشية العامة، يقتضي ضرورة استدراكه من خلال دلائل عملية ينجزها المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتكون بمثابة أدوات للعمل للمفتشية وتوضع رهن إشارة السيدات والسادة القضاة، حتى يكونوا على علم بمضامينها ولاسيما تلك المتعلقة بحقوق القضاة وواجباتهم أمام هذا الجهاز، ويمكن الإشارة في هذا المجال لبعض التجارب المقارنة، حيث ينظم مجال التفتيش القضائي بقوانين ومراسيم وبروتوكولات ودلائل عملية.

بقلم: ذ .عبد اللطيف طهار

 عضو نادي قضاة المغرب بالناظور

Related posts

Top