قضية التغير المناخي في اهتمامات الشباب العربي.. وعي متزايد وحاجة إلى الدعم المادي والتقني

يعي الشباب العرب اليوم خطورة التغير المناخي على حاضرهم ومستقبلهم ومدى تأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهذا التغير في كل جوانب الحياة. وبدأت الأصوات تعلو مطالبة بالتحرك من أجل وضع خطط بيئية للحد من آثار التغيرات المناخية التي تهدد المنطقة.
بدأت حالة من الوعي تتسلل إلى الشباب العرب بشأن التغير المناخي ومسؤوليتهم تجاه البيئة، لكن التحرك لا يزال في حدوده الدنيا، ولا يمكن مقارنته بنشطاء المناخ الشباب الذين يشاركون في الإضرابات والاعتصامات في أكثر من 150 بلدا حول العالم احتجاجا على عدم إعطاء الأولوية للتغير المناخي في الأجندات الوطنية والعالمية.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات التغير المناخي على الأرض، وليس هنالك أي فئة اجتماعية أكثر تأثرا بالتغير المناخي من الشباب، إذ يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة متوسط درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار وزيادة عدم انتظامها بجعل العديد من مدن المنطقة غير صالحة للسكن في العقود القليلة القادمة.
ورغم هذه التحديات الخطيرة التي تجعل المستقبل قاتما للغاية يبدو معظم الشباب في المنطقة أكثر اهتماما بمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة في بلدانهم، ما جعل الاحتجاجات المناخية في المنطقة قليلة ومحدودة؛ وذلك لكون قضية التغير المناخي لم تكن أولوية من وجهة نظر العديد من النشطاء الشباب.
ومؤخرا صار الشباب يدركون خطورة هذه القضية على حياتهم وأصبحوا أكثر وعيا بتأثيرات التغير المناخي على استقرار بلدان المنطقة وتداعياته الاجتماعية جراء اضطرار الملايين من الأشخاص إلى النزوح من مناطقهم التي لن تعود صالحة للسكن، وما يتبع ذلك من زيادة حدة التوترات والنزاعات التي تنشب بسبب موارد المياه وإنتاج الغذاء. هذا إضافة إلى كون ندرة المياه والجفاف من الآثار السلبية المحسوسة بالفعل في جميع أنحاء المنطقة.
ولم يعد خافيا على أحد أن قضية المناخ تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الشباب، لكنهم في نفس الوقت يواجهون عراقيل وتحديات تعيق مشاركتهم الفعالة في إيجاد حلول لهذه القضية بما قد يقوض آمالهم في بناء مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
وتقول الناشطة السودانية نسرين الصائم إن جهودها لا تكل ولا تيأس رغم كل العقبات. وترأَس الصائم الفريق الاستشاري المعني بتغير المناخ، والذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة في يوليوز من العام الماضي لإشراك الشباب في حوار مفتوح وشفاف حول القضايا المناخية، بعد أن درست الفيزياء ولمع نجمها في قضايا الدفاع عن المناخ والبيئة ودور الشباب في هذه القضية.

نقص الدعم

وترى الصائم أن لدى الشباب وعيا وخططا أبعد من الوعي ويخططون لحل مشكلة المناخ أو على الأقل التقليل من آثار تغيره. ولكن ينقصهم الكثير من الدعم سواء كان تقنيا أو ماديا أو تكنولوجيا.
وأضافت “قابلت الكثير من المسؤولين ومن مستويات مختلفة في دول عديدة، جميعهم كانوا سعداء بالنقلة التي يحدثها الشباب في العمل من أجل قضايا المناخ، ولكن تتبدد هذه السعادة وتختفي هذه الابتسامة ما إن نبدأ بالتحدث عن كيفية دعم الشباب وكيفية زيادة تمثيلهم في الحكومات وفي المناصب المختلفة وكيفية توفير مصادر مالية للشباب لتمكنيهم من تنفيذ مشاريعهم وغيرها”.
وتلعب منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام دورا حيويا في هذا المجال. لكن أحيانا تكون هذه المنظمات محظورة أو مقيدة في البعض من الدول العربية، كما أن حرية الصحافة غالبا ما تكون محصورة مما يحد من التحقيقات بشأن التغير المناخي وتأثيراته على الناس وبالتالي لا تصل المعلومات الضرورية إلى الناس. ومن الضروري تمكين الناس من الوصول الحر إلى المعلومات وأيضا دعم الشفافية والحريات المدنية والسياسية للتأكد من أن الانتقال نحو الطاقة المتجددة يسير بسلاسة وأن قضية التغير المناخي يتم التعامل معها بشكل مناسب.
وبدأت حركة “الشبيبة من أجل المناخ” في تونس التحرك ومطالبة الأطراف المعنية والمسؤولين بإدراج التربية المناخية والبيئية في جميع المنشآت التربوية العمومية ضمن البرامج المدرسية لدى الجيل الجديد وأغلب المستويات الدراسية.
وقالت الحركة إنه بالكاد يتم الحديث عن التغير المناخي في المؤسسات التربوية ومن المفترض أن يكون جزءا كبيرا من دروس الجغرافيا والعلوم معنيا بهذه القضية. وأضافت “بدلا من ذلك نحن لسنا على دراية بالوضع، بحيث لا نهتم إن درسنا حول التغير المناخي أم لا لأن الدروس القليلة المتوفرة لا تستند على إحصائيات ومعلومات حديثة حول الكوارث المناخية الحالية التي تحدث في تونس والعالم”.
وأكدت “إذا كنا نريد مستقبلا، نحتاج إلى معرفة أننا لا نملك مستقبلا مضمونا بعد، بسبب تغير المناخ”.
وأشارت ريما رحماني (عضوة في حركة الشبيبة من أجل مناخ) إلى افتقار تونس “لتشريعات أو سياسات أو خطط بيئية للحد من آثار التغيرات المناخية التي من الممكن أن تهدد البلاد كالفيضانات والجفاف وارتفاع منسوب المياه”.
وأوضحت رحماني، لـ”العرب”، “نطالب بالعدالة المناخية والاجتماعية.. كما نندد باللامبالاة والإهمال السياسي لقضايا المناخ وما ينجر عنها من آثار بيئية خطيرة”.
وتابعت أن “التحديات التي تواجه تونس في تحقيق العدالة المناخية هي قلة الوعي البيئي والفهم العلمي والاجتماعي للأزمة المناخية لدى الشعب عامة والسياسيين خاصة”.
وتطالب حركة الشبيبة من أجل المناخ المسؤولين عن الوضع البيئي في تونس بالشروع الجاد والفوري في تطبيق معاهدة باريس 2015 لمكافحة التغير المناخي وضمان المساواة بين جميع مكونات المجتمع التونسي الذي غدت أغلبيته غير قادرة على تحمل الآثار الجسيمة للتغير المناخي (فيضانات، درجات حرارة لا تطاق، بطالة، جوع، موارد مائية متناقصة…). واعتبرت أن هذه الآثار دليل على غياب سياسات التكيف مع التغيرات المناخية، وغياب سياسات التصرف في المياه الصالحة للشرب، وغياب خطط تعزيز الوعي البيئي لدى الشعب التونسي، وغياب الإرادة لإنهاء التلوث البيئي الموجود والمتفاقم في محافظات عديدة في البلاد، وغياب المنظومة التي من شأنها أن تحمي حق الشعب في محيط نظيف، وغياب خطط تطوير البنى التحتية الهشة في تونس.

نشر الوعي

وقام الشباب المنضمون إلى الحركة بسلسلة من الاحتجاجات التي تهدف إلى دفع المسؤولين لإعلان حالة طوارئ مناخية بتونس واتخاذ إجراءات بيئية صارمة وناجعة للحد من التغيرات المناخية ولحماية الوسط البيئي المهدد.
وتعمل الحركة على نشر الوعي بين المواطنين حول الوضعية البيئية المزرية في تونس التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتسعى لشرح كيفية التعامل مع التغيرات التي باتت اليوم جزءا من الحياة اليومية.
ويركز الشباب المهتمون بالقضية البيئية على تثقيف الأجيال الشابة والقادمة حول التهديد الأكبر الذي تواجهه البشرية، وهو تغير المناخ الذي يقف وراء العديد من المشاكل في تونس والعالم مثل نقص استراتيجيات التصرف في المياه ونقص الغذاء الصحي والفيضانات والجفاف والعديد من الأمراض وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر والبطالة.
ويدعون إلى تحسين النظام المدرسي في تونس الذي يتكون من ساعات طويلة من الدروس دون إعطاء الطلاب الوقت الكافي للتفكير، من أجل استكشاف العالم من حولهم ومعرفة التهديدات الكبرى التي تواجههم وتحسين الدروس القليلة ذات الصلة بتغير المناخ في نظامنا الحالي من خلال جعل التربية المناخية مادة مستقلة.
الأعمال الخضراء

ويقول خبراء الأمم المتحدة في هذا المجال أن إحدى الطرق المبتكرة لتشجيع الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الانخراط أكثر في قضية التغير المناخي هي إيجاد صيغة من شأنها أن تربط هذه القضية بالتحديات التي يواجهونها.
وتساعد ريادة الأعمال الخضراء، على سبيل المثال، في التخفيف من البطالة وتسريع النمو الاقتصادي؛ إذ أن تثبيت الطاقة المتجددة في المنازل والتحول إلى المركبات الكهربائية يمكن أن يساعدا الأسر على التعامل مع تكاليف الكهرباء والوقود والتدفئة المرهقة، والتحول نحو مصادر متجددة على المستوى الوطني من شأنه أن يساعد على تحسين أمن الطاقة وخفض تكاليف توليد الكهرباء وتشجيع الاستثمار الأجنبي في موارد الطاقة المحلية.
وينوهون إلى أن هذه الخطوات ليست مجرد أمنيات، لأن المنطقة خطت بالفعل خطوات كبيرة في هذا الشأن خلال السنوات القليلة الماضية. واعترفت الحكومات في المنطقة -بما فيها حكومات الدول المنتجة للنفط- بإمكانات الطاقة المتجددة، ونفذت مشروعات ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبذلت جهودًا لتحفيز توليد الطاقة اللامركزي بهدف الانتقال في نهاية المطاف نحو الطاقة المتجددة.
وعلى مستوى تنظيم المشاريع نجحت العديد من الشركات الناشئة الخضراء في المنطقة. فعلى سبيل المثال اكتسب تطبيق جديد للهواتف الذكية في الأردن يسمى “غرين جو” شعبية واسعة باعتباره وسيلة لتوليد مصدر دخل للأسر ويحمي البيئة من خلال السماح للأسر ببيع نفاياتها القابلة لإعادة التدوير.
وقامت شركة ناشئة في السعودية تدعى “نوماد” بتطوير روبوت خال من الماء يستخدم لنفض الغبار عن الألواح الكهروضوئية في الصحراء.
وأشار الرئيس التنفيذي للشركة، جوس فان دير هايدن، إلى أنّ تكنولوجيا “نوماد” لنفض الغبار ستساعد على جعل الطاقة الشمسية قابلة للحياة في منطقة الخليج التي ستشكّل واحدةً من الأسواق العالمية الكبرى للطاقة الشمسية في العقود المقبلة.
ويمكن ردم الفجوة بين التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات مع التغير المناخي من خلال تثقيف الشباب وتمكينهم من إدراك أن هذه التحديات لا تتناقض مع الكفاح من أجل محاربة التغير المناخي.
وينبغي للحكومات ومنظمات المجتمع المدني ووسائط الإعلام أن تقوم بهذا الدور. فمع تزايد نشاط الشباب، فيما يتعلق بالتغير المناخي، سيمتد النشاط إلى قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية أخرى.
وتؤكد الدراسات الحديثة أن المنطقة العربية تشهد تزايدا في وعي الناس بقضية التغير المناخي. وقد أظهرت نتائج الدورة الخامسة من الباروميتر العربي أن أغلب المواطنين يرون التغير المناخي سبباً للقلق.
والباروميتر العربي هو شبكة بحثية مستقلة وغير حزبيّة، تقدم نظرة ثاقبة عن الاتجاهات والقيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطنين العاديين في العالم العربي.
وأفادت النتائج بوجود وعي كبير في الدول العربية بمشكلة التغير المناخي، لكنْ أبدى المواطنون قلقا أكثر إزاء تلوث المياه والهواء وانتشار القمامة مقارنة بقلقهم من التغير المناخي.
وهذا التفاوت يبرز أكثر عند مقارنة الآراء حول التغير المناخي بالآراء حول تلوث المياه؛ فلئن اعتبر جميع العراقيين تقريباً أن تلوث المياه مشكلة خطيرة أو خطيرة للغاية (97 في المئة)، إلا أنهم أقل قلقاً إلى حد ما إزاء التغير المناخي.

صعوبة فهم المشكلة

وفي العراق، كما في الدول الأخرى، أسهم التغير المناخي كثيراً في وجود تحديات المياه التي تواجهها البلاد، فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى شح مصادر المياه.
ولا يقتصر الأمر على تفاقم ندرة المياه، بل أيضا تصبح مصادر المياه أكثر ضحالة وأكثر عرضة للملوثات.
ويفسر الباحثون هذا الاختلاف بأنه يكمن في صعوبة فهم المفاهيم المجردة مثل التغير المناخي، مقارنة بسهولة فهم مشكلة جودة الهواء أو تلوث المياه التي تظهر آثارها ملموسة أكثر للمواطن العادي. هذا إضافة إلى التحديات المحتملة المتعلقة بالتعريفات والمصطلحات، فاستمرار تراجع معدلات القلق إزاء التغير المناخي مقارنة بالمشكلات البيئية الأخرى قد يعكس صعوبة استيعاب الجمهور لمراوغة وانتشار تأثير التغير المناخي، وهي الصعوبة المبررة.
ورغم أن آثار التغير المناخي على تلوث المياه والهواء وانتشار القمامة جيدة التوثيق في الأدبيات العلمية والتقارير الخاصة بالسياسات، فإن هذه الآثار ليست ظاهرة أو منتشرة عبر مصادر يسهل للناس فهمها، وهذا في ظل استحواذ الموارد والقضايا اليومية الأخرى على انتباه الناس. (العرب)

Related posts

Top