مارس شهر الاحتفالات الخضراء

تم خلال الأسبوع الماضي إحياء عدة مناسبات عالمية متعلقة بحماية البيئة والنظم الإيكولوجية، حيث أحيا العالم يوم الأحد 21 مارس اليوم العالمي للغابات، ويوم الجمعة 19 مارس اليوم العالمي لإضراب الشباب من أجل المناخ، فيما تم الاحتفاء باليوم العالمي للماء يوم الاثنين الماضي 22 مارس، ويوم الثلاثاء 23 مارس باليوم العالمي للأرصاد الجوية. فشهر مارس شهر مليء بالأحداث العالمية وبالاحتفالات الخضراء وكلها تبقى مناسبات تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية الماء في حياتنا، وبأهمية المحيطات، وبأهمية الغابات والأشجار في نظامنا البيئي.

شباب كندا ينتفض من أجل المناخ
وبعد عام تقريبا وبسبب ظروف الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، عادت حركة الشباب من أجل المناخ إلى الاحتجاج والخروج في مظاهرات منظمة، حيث احتضنت جل المدن العالمية مسيرات مناخية كانت شيئا ما محتشمة نظرا لظروف خلفتها الجائحة، ففي مونتريال الكندية من تنظيم مظاهرة شبابية جمعت الآلاف من الشباب بدعوة من الحركة الطلابية “جمعة مستقبل” للناشطة السويدية غريتا تونبيرغ. وعلى عكس الاحتجاجات السابقة لم يكن هذا الاحتجاج يتعلق بالاحتباس الحراري لوحده: “لدينا أربعة مطالب: إزالة الكربون بحلول عام 2030، وتحديد رخص البحث عن الوقود الاحفوري، وعدالة الهجرة، وتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين والاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب الأصلية” كما أوضحت فلورنس لاشابيل عضو التحالف من أجل دراسة بيئية و التحول الاجتماعي، وقالت إن الحركة يجب أن “تبني التضامن في مكافحة المناخ” و”تجمع بين خفض الانبعاثات والعدالة الاجتماعية الحقيقية”.
وكان مشروع الغاز الطبيعي المسال الذي ينص على استخراج الغاز الطبيعي من الصخر الزيتي في ألبرتا ونقله عبر خط الأنابيب إلى مقاطعة ساغويناي الكندية وتسييله للتصدير عبر نهر ساغويني ونهر سانت لوران الهدف الأول للمسيرة، الطفلة إيلودي ليسارد تشارون أصغر المشاركات في عمر التسع سنوات كان لها سبب كبير لوجودها في مكان المسيرة حيث تقول: “أن تقول لا لمشروع الغاز الطبيعي المسال لأنه سيلوث المياه وسيكون هناك الكثير من الحيوانات النافقة، مثل الصغار” وتضيف: “الأسماك ماتت والحيتان أيضا وأن الكوكب بالفعل ملوث بدرجة كافية بالفعل فلا ينبغي أن يكون ملوثا بعد الآن”، ومن ناحية أخرى، نددت عدة خطابات بالعنصرية المنهجية ودافعت عن حق الشعوب الأصلية في تقرير المصير، كان العديد من ممثلي الأمم الأولى حاضرين وحمل العديد منهم علم المحاربين.
وانطلقت المظاهرة من جبل رويال لتشق طريقها إلى المكتب الرئيسي لشركة هيدروكيبيك الذي ندد المحتجون بتورطه في مشروع الغاز الطبيعي المسال، بينما غطت المسيرات الشبابية اثنتي عشرة منطقة: ايبيتيبي شيربروك، مونتيريجي، كيبيك، غاتينو …

يوم عالمي للغابات في زمن التنوع البيولوجي
في كل عام وخلال احتفالية اليوم العالمي للغابات يتم تشجيع البلدان على القيام بمبادرات محلية أو وطنية أو دولية تشمل الغابات، مثل حملات زراعة الأشجار، وهذه السنة أخذت الاحتفالية كشعار: “استعادة الغابات طريق الانتعاش والرفاهية” في ارتباط مباشر بعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم الإيكولوجية (2021-2030).
احتفال عالمي يأتي في ظروف مناخية جد صعبة تسببت فيها حرائق عامي 2019 و 2020 التي همت الغابات الأسترالية مسببة في انبعاثات الغازات الدفيئة إلى طبقة الستراتوسفير حيث عم غطاء من الدخان الأسود طبقة الستراتوسفير لمدة ستة أشهر على الأقل ما ترتب عنه عواقب وخيمة على المناخ، هذا ما كشفت عنه دراسة مجلة “العلوم” العلمية يوم الجمعة ما قبل الماضي مؤكدة أن الحرائق الهائلة التي اجتاحت أستراليا العامين الماضيين تسببت في انتشار الدخان شبيه بما يسببه ثوران بركاني كبير مع عواقب مناخية كبيرة، حيث تأثرت طبقة الستراتوسفير وهي الطبقة الثانية من الغلاف الجوي “بعد طبقة التروبوسفير” بشكل خاص، حيث شبه العلماء كمية الدخان المنبعثة من غابات أستراليا المحترقة بكمية الدخان الناجم عن ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 وهو ثاني أكبر ثوران بركاني في القرن العشرين وتمكن الباحثون من إثبات وجود هذا الدخان في الفترة من يناير إلى يوليوز 2020 أي لمدة ستة أشهر بفضل مشاهدات الأقمار الصناعية.
وتبقى خطورة هذا التلوث الضخم لهذه الطبقة من الدخان تتمثل في في عكس جزء من الإشعاع الشمسي وإعادته، حيث من الواضح أن هذا له تأثير تبريد خاصة على المحيطات مع احتمال حدوث عواقب وخيمة على الارض على سبيل المثال على الطحالب البحرية التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي، وخاصة الموجودة في نصف الكرة الجنوبي، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يمتص الدخان جزءا من الإشعاع الشمسي.

عام 2021 عام التنوع البيولوجي بامتياز
بعد تأجيله لعدة مرات بسبب جائحة كورونا، سينعقد أخيرا مؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي في نسخته الخامسة عشرة في الفترة الممتدة ما بين 11 و24 أكتوبر في كونمينغ عاصمة مقاطعة يونان الصينية مؤتمر يعتبر حاسما لأنه سيحدد إطارا جديدا لحماية الطبيعة على مدى العقد 2021-2030 وعلى المدى الطويل حتى عام 2050، حيث من المتوقع عقد مؤتمر وسيط قد تحتضنه كولومبيا شهر غشت المقبل، قبل انعقاد المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة في مرسيليا الفرنسية شهر شتنبر 2021، ومؤتمر المناخ في نسخته السادسة والعشرين في غلاسكو شهر نونبر المقبل، وكذا مؤتمر قمة الاطراف لمحاربة التصحر.

كورونا تنسف جميع المواعيد البيئية العالمية
وكما كان مقررا أن يشهد عام 2020 أحداثا هامة منها المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى مؤتمر الأطراف الخامس عشر بشأن التنوع الحيوي في الصين، غير أن الأزمة الصحية العالمية نسفت كل المواعيد، ويكتسي المؤتمر الخامس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي أهمية جوهرية، إذ من شأنه أن يفضي إلى إطار جديد لحماية الأنظمة البيئية وإدارة الموارد الطبيعية بصورة مستدامة على المدى المتوسط والطويل، ومن المقرر تنظيم الاجتماع الخامس عشر لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي الخريف المقبل بعدما تم تأجيله تبعا لتطورات الأزمة الصحية حيث كان مقررا شهر ماي 2021.

حماية “ما لا يقل عن 30% من الأراضي والمحيطات”
ظهرت تباينات بين البلدان الشريكة البالغ عددها حوالي 140 دولة خلال الأشهر الأخيرة، حتى قبل دخول المفاوضات صلب الموضوع ففي شهر نونبر الماضي حاولت البرازيل عبثا إعاقة ميزانية 2021 لاتفاقية التنوع البيولوجي، كما وأبدى ممثلون عن مجموعات السكان الأصليين تحفظا على الهدف المطروح في المفاوضات والرامي إلى حماية 30% من الأراضي والمحيطات، إذ يخشون أن يحصل ذلك على حساب حقوقهم، حيث تدير فرنسا وكوستاريكا وبريطانيا “ائتلاف الطموح الكبير” الذي يضم أكثر من 50 دولة ملتزمة حماية “ما لا يقل عن 30% من الأراضي والمحيطات” بحلول 2030.

المغرب عضو التحالف العالمي للمياه والمناخ
وتزامنا مع احتفالات العالم باليوم العالمي للماء حيث تم إطلاق تحالف جديد للمياه والمناخ لتحقيق صنع سياسات متكاملة أكثر فعالية في عصر أدى فيه تغير المناخ والتدهور البيئي والنمو السكاني إلى تفاقم الأخطار المرتبطة بالمياه وندرتها، وتم الإعلان عن التحالف في حدث رفيع المستوى للجمعية العامة في 18 مارس لتسريع التقدم المتأخر نحو أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه وخاصة الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة بشأن المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع، حيث حوالي 39 في المائة من سكان العالم لا يحصلون على مياه الشرب الآمنة، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يواجه أكثر من 50 في المائة من السكان إجهادا مائيا، يعمل تغير المناخ على تغيير أنماط هطول الأمطار ويؤثر على توافر المياه ويزيد من حدة الأضرار التي تسببها الفيضانات والجفاف في جميع أنحاء العالم.
وتقود المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التحالف الجديد لأن العقبة الرئيسية أمام توفير حلول مياه فعالة ومستدامة تتمثل في الافتقار إلى المعلومات حول موارد المياه المتاحة حاليا والتوافر المستقبلي والطلب على الغذاء وإمدادات الطاقة، يواجه صانعو القرار نفس المعضلة عندما يتعلق الأمر بمخاطر الفيضانات والجفاف، فاليوم نسجل تراجع 60٪ من الدول الأعضاء في المنظمة الدولة للارصاد الجوية اليوم عن تراجع القدرات في مجال الرصد الهيدرولوجي وبالتالي في تقديم دعم القرار في مجالات المياه والغذاء والطاقة، فأكثر من 50٪ من البلدان في جميع أنحاء العالم ليس لديها نظام إدارة جودة لبياناتها المتعلقة بالمياه بينما فقط حوالي 40٪ من البلدان في جميع أنحاء العالم لديها أنظمة جيدة للإنذار المبكر بالفيضانات والجفاف عاملة، ويفتقر صانعو القرار السياسي حول العالم إلى قاعدة معلومات جديرة بالثقة من أجل اتخاذ قرارات لها عواقب قانونية على جداول أحواض الأنهار.
تحالف المياه والمناخ هو جهد تطوعي لسد فجوة المعلومات في العلاقة بين الماء والغذاء والطاقة ومعالجة التأثيرات المتزايدة المتعلقة بالمياه والمناخ، وملاءمة الغرض للخدمات الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا المدمجة في تدفقات المعلومات الإقليمية والعالمية هي شرط أساسي للنجاح، ويدعم تحالف المياه والمناخ تنفيذ عقد الأمم المتحدة للعمل في مجال المياه من خلال إطار التسريع العالمي للأمم المتحدة المعني بالمياه من أجل الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة مع آلية عمل ملموسة.

تغير المناخ وإعلان حالة الطوارئ المناخية
يتسبب تغير المناخ في نزوح 16 مليون شخص كل عام، مما يشجع على تجنيد العاطلين عن العمل في الجماعات الإرهابية والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، على الرغم من أنه يؤثر على إفريقيا بشكل خاص، إلا أن الآثار محسوسة في كل مكان – بما في ذلك أوروبا على وجه الخصوص، بينما يتوقع خبراء المناخ أنه في منطقة الساحل الافريقي سترتفع درجات الحرارة التي تتأرجح في أيامنا العادية في المتوسط ​​بين 25 و 45 درجة مئوية بمقدار 2 الى 5 درجات بحلول عام 2060، مع اعتماد حوالي 80٪ من سكان منطقة الساحل على الأنشطة الحساسة للمناخ في معيشتهم، مما سيكون لتغير المناخ حتما عواقب سلبية على السلم والأمن الإقليميين، حيث معظم النزاعات في المناطق الريفية في النيجر حدثت بين المزارعين والرعاة بينما ستتزايد هذه المنافسة في وسط مالي وشمال نيجيريا، وستتفاقم هذه التوترات بشكل كبير بالنظر إلى توقعات الطقس وحقيقة أن منطقة الساحل لديها واحدة من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم حيث تبلغ حوالي 3٪ سنويا، أما بالنسبة لمنطقة المحيط الهادئ، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر، جعل من القادة ورؤساء الدول الجزرية من تسجيل الحدود البحرية أولوية الأولويات لضمان ذلك مرة واحدة ثابتة، فهي ليست محل خلاف على الرغم من آثار تغير المناخ.
وفي هذا الإطار عالج مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة حالة الطوارئ المناخية التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي والإنساني الجماعي خلال الاجتماع المنعقد أواخر شهر فبراير الماضي والذي ترأسه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أجل استعداد مجلس الأمن للأمم المتحدة لتحديات القرن الحادي والعشرين، حيث كان على بريطانيا التي تترأس المجلس إظهار الإجماع المتزايد على أن حالة الطوارئ المناخية تشكل تهديدا أمنيا خطيرا، ولإيصال هذه الرسالة أبقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خطابه بسيطا وقويا على عكس الخطب الدبلوماسية غير الملموسة بدرجة كافية للأمم المتحدة حيث القلة القليلة من عامة الناس لم يتمكنوا بعد من فهم العلاقة المباشرة بين أزمة المناخ والصراع أو انعدام الأمن ، حيث قال بوريس جونسون: “أعرف أن بعض الناس يعتقدون أنها هذه مجرد بدع خضراء وهي غير مناسبة في السياسة والدبلوماسية الدولية، لم أستطع الاختلاف بشكل أعمق، لكن متى سنفعل شيئا إذا لم نتحرك الآن؟ “

المبادرة الفرنسية البلجيكية بشأن الأمن المناخي
واتفقت فرنسا مع بلجيكا أن يقوم الأمين العام بهذا الدور من خلال تقديم كل سنتين للجمعية العامة ومجلس الأمن تقرير اعن حالة المخاطر التي يمثلها تغير المناخ على السلام والأمن في جميع مناطق العالم، بينما تم الطعن في العلاقة السببية بين المناخ والأمن من قبل جنوب إفريقيا، التي جادلت بعدم وجود أدلة علمية كافية، لكنها اعترفت بأنه في الحالات التي ينظر فيها إلى تغير المناخ على أنه عامل مشدد في السلم الدولي، يجب على مجلس الأمن أن يبدي ملاحظات مصممة خصيصا للسياق المحدد للبلدان المعنية، وشددت على أن تغير المناخ هو أولاً وقبل كل شيء مسألة تنمية مستدامة.
وقال الأمين العام المساعد للشؤون السياسية وبناء السلام في مجلس الأمن الدولي: “إن حالة الطوارئ المناخية تشكل خطرا على السلام”، وكان السيد ميروسلاف جينكا يتحدث في اجتماع المناخ والأمن الذي دعي فيه المجلس مرارا وتكرارا لتعبئة العمل المناخي الجماعي، ويتطلب التباعد الاجتماعي، كل في مهمته أن يقوم أعضاء المجلس الخمسة عشر بإعلانهم وحوارهم مع ضيوفهم، وذلك بفضل نظام مؤتمرات الفيديو المصمم خصيصا لهم.
وحذر الأمين العام المساعد من أن تغير المناخ يتفاقم ويخلق مخاطر جديدة، رغم أنه ليس مرتبطا بشكل مباشر بالصراع، في جميع أنحاء العالم، تجد البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات نفسها أكثر عرضة للخطر وأقل قدرة على التعامل مع تأثير تغير المناخ، ولاحظ الأمين العام المساعد أنه ليس من قبيل المصادفة أن 7 من البلدان العشرة الأكثر ضعفا والأقل استعدادا للتعامل مع تقلبات المناخ تستضيف عملية سلام أو مهمة سياسية خاصة.
ووفقا لميروسلاف جينا، يجب اتخاذ إجراءات على عدة جبهات، بدءا بالعمل المناخي الطموح والالتزام بتسريع تنفيذ اتفاق باريس وعدم القيام بذلك من شأنه أن يقوض جهود منع نشوب الصراعات وصنع السلام وبناء السلام، مما يهدد بوقوع البلدان الضعيفة في شرك حلقة مفرغة من الكوارث الطبيعية والصراعات.
وتحدثت كورال باسيسي أيضا عن هذه الآثار على الاقتصاد الأزرق، وقالت إن بعض الدول تخاطر بخسائر تصل إلى 10 إلى 15٪ من دخلها، علاوة على ذلك، في غياب تدابير التخفيف والتكيف الطموحة، سيقرر الآلاف من سكان الجزر الفرار والهجرة، وقالت إنه يتعين على مجلس الأمن حشد الطموح الدولي قبل أن يواجه العالم مشكلة أمنية أكثر خطورة لا يمكن لأحد معالجتها.
وقالت فيجي إن مسؤولية مجلس الأمن عن ضمان التقدم المستدام في تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ “أساسية” للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وشددت على أن اتفاقية باريس هي أهم سلاح لـ “كسب هذه الحرب”، بينما حث وزير الخارجية الألماني قائلا: “انتهى وقت الصبر الدبلوماسي”، مثله مثل العديد من الوفود التي ألحت على الحاجة إلى مؤشرات الإنذار المبكر ، ولكن أيضا “لإعطاء وجه” المناخ والأمن ولذلك دعا السيد هيكو ماس إلى تعيين ممثل خاص “في أقرب وقت ممكن” بشأن المناخ والأمن، وهو اقتراح أيده من بين أمور أخرى وزير خارجية بليز باسم تحالف الدول الصغيرة الدول الجزرية.
إن محاولات استخدام مجلس الأمن لتحويل الانتباه عن الصلة بين تغير المناخ والتنمية شجبها في الواقع الاتحاد الروسي، الذي أعرب عن مخاوفه بشأن مستوى الموارد المخصصة لمكافحة الأسباب الجذرية للصراعات، حيث قال الاتحاد الروسي إن بعض الدول المانحة تحاول سحب “البطاقة الأمنية” لإخفاء حقيقة أنها لا تفعل شيئا بشأن تمويل المناخ وتقاسم التكنولوجيا.
وقال ميروسلاف جينا، الأمين العام المساعد لأوروبا وآسيا الوسطى والأمريكتين، إن حالة الطوارئ المناخية تشكل خطرا على السلام، موضحًا أن تغير المناخ يتفاقم ويخلق مخاطر جديدة حتى لو ليس لديهم روابط مباشرة مع النزاعات: “في جميع أنحاء العالم، تكون الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات أكثر تعرضا أقل قدرة على التعامل مع آثار تغير المناخ” وقال “ليس من قبيل المصادفة أن تستضيف 7 من الدول العشر الأكثر ضعفا والأقل استعدادا للتعامل مع تغير المناخ عملية سلام أو مهمة سياسية خاصة”، لذلك دعا جينا إلى اتخاذ إجراءات على جبهات متعددة، بدءا بالعمل المناخي الطموح والالتزام بتسريع تنفيذ اتفاق باريس، كما حذر من أن أي فشل في النظر في الآثار المتزايدة لتغير المناخ من شأنه أن يقوض الجهود المبذولة لمنع الصراع واستعادة وبناء السلام، مما يهدد بوقوع البلدان المعرضة للخطر في حلقة مفرغة من الكوارث.

نظام الإنذار المبكر الاستباقي
ودعا الأمين العام المساعد إلى الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة وتحسين القدرات التحليلية لترجمة التنبؤ بالمناخ على المدى الطويل إلى تحليل ملموس قصير الأجل، ووضعت آلية الأمن المناخي مبادئ توجيهية في هذا المجال، بينما تقوم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بإنشاء نظام إنذار مبكر يجمع بين تقنيات الاستشعار عن بعد وتحليل المناخ، ودعا جينا الناس إلى أن يكونوا في صميم الجهود وأن يتعلموا من أولئك الذين يعانون من عواقب تغير المناخ على أمنهم بشكل يومي، كما دعا إلى تحقيق تكامل أفضل لأهداف بناء السلام والبيئة والمساواة بين الجنسين من خلال الاستفادة من قوة النساء والشباب كعوامل للتغيير، على سبيل المثال أشار إلى أنه في شوكو بكولومبيا هناك مشروع رائد مشترك بين وكالات الأمم المتحدة يعزز مشاركة المرأة في الإدارة البيئية وإدارة الموارد الطبيعية في سياق تنفيذ اتفاقية السلام بما لها من آثار إيجابية على بناء السلام على المستوى المحلي، كما أوصى جينا بتقوية الشراكات متعددة الأبعاد وسد الفجوة بين عمل الأمم المتحدة والدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية، من بين أمور أخرى حيث توضح الاستراتيجية الإقليمية لتحقيق الاستقرار والانتعاش والمرونة في المناطق المتضررة من جماعة بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، بقيادة الاتحاد الأفريقي ولجنة حوض بحيرة تشاد إمكانات النهج الشاملة، حيث أشار جينا إلى أن المناخ والأمن يأخذان بعين الاعتبار لرسم مسار الاستقرار، كما استشهد بالمبادرات في غرب إفريقيا ومنطقة المحيط الهادئ وآسيا الوسطى، وقال إن هذه الأمثلة المصممة والمخصصة للمنطقة يمكن أن توفر معلومات ودروس قيمة للشراكات المستقبلية، وشدد على أن تغير المناخ لا هوادة فيه وأن آثاره المتتالية ستستمر في النمو والتطور ، ودعا إلى البقاء يقظا وامتلاك الشجاعة لتعديل النهج القائمة بحيث تتكيف مع عالم تم تعديله من خلال التغييرات المناخية وقال إن الأهم من ذلك هو أننا يجب أن نترجم الأقوال إلى أفعال مشددا على أن التعافي من وباء كوفيد 19 يمثل فرصة لبناء المرونة وتعزيز العدالة المناخية.
و رأى مساعد الأمين العام لأوروبا وآسيا الوسطى والأمريكتين مناقشة اليوم دليلا على الرحلة الطويلة التي تم القيام بها لفهم تأثير التغييرات والبدء في معالجتها، تغير المناخ على السلم والأمن الدوليين: “لكن دعونا لا نخدع أنفسنا: أفعالنا متخلفة عن كلماتنا، وحذر من أن الاستجابة المتعددة الأطراف للتداعيات الأمنية لتغير المناخ لا تتناسب مع حجم التحدي الذي نواجهه، قبل الدعوة إلى العمل معا والتحرك بشكل أسرع.

دول حوض بحيرة التشاد والأمن الغذائي
وحفزت الفيضانات المتتالية في عامي 2012 و2013 في جزء بحيرة التشاد بالنيجر على تجنيد بوكو حرام، حيث فقد الشباب محاصيلهم الزراعية، حيث أظهرت دراسة أجرتها “أديلفي” الحلقة المفرغة لتغير المناخ وديناميكيات الصراع في منطقة بحيرة تشاد، فإذا كان تغير المناخ “عامل تهديد مضاعف”، فيجب ألا ننسى من أن الفقر وضعف قدرات الدولة غالبا ما تكون عوامل نزاع “أكثر تأثيرًا”، حيث يظهر تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” أن فشل الدول القومية في إدارة التوترات بين المزارعين والرعاة بشكل صحيح يؤدي إلى صراع عنيف، ووفقا للتقرير فإن انتشار النزاعات في المنطقة مرتبط بدرجة أقل بتخفيض الموارد بقدر ما يرتبط بتحويل أساليب الإنتاج والمنافسة غير المنظمة بشكل سيئ في الوصول إلى الموارد المرغوبة بشكل متزايد، ولا سيما الأراضي الصالحة للزراعة.
لم تشهد النيجر مجاعة منذ عام 2011 وذلك بفضل تنفيذ مبادرة “النيجيريون يطعمون النيجيريين” والتي أتاحت تقليص نسبة السكان المهددين من قبل بنسبة 50٪حيث تبين أن تقييم الأمن المناخي قبل مساعدة أي بلد وتعزيز القدرات الوطنية والمحلية لرصد وإدارة آثار تغير المناخ وجمع المعلومات عن تأثير المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ في حالات النزاع ودمج إدارة المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ في أطر عمل الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية مع إيلاء الاعتبار الواجب لقضايا الجنسين وتعزيز “برنامج الأمم المتحدة للمعلومات المكانية لإدارة الكوارث والاستجابة في حالات الطوارئ” لإضافة عنصر “تقييم” للمخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ لمجلس الأمن وأخيرا إنشاء آلية الأمم المتحدة لتنسيق إدارة مخاطر الأمن المناخي تبقى أهم التوصيات التي يجب أن يأخذ بها مجلس الامن الدولي لحل النزاعات ذات الأصل المناخي.

جزر المحيط الهادي و التهديد المناخي
وفي نفس السياق أشارت السيدة كورال باسيزي مديرة “استشارات المحيط الهادئ المستدامة” إلى أن قادة منتدى جزر المحيط الهادئ أعلنوا منذ أكثر من عقد في بيانهم السنوي أن “تغير المناخ يمثل أكبر تهديد أمن في منطقتنا “، حيث تشكل المياه 98٪ من أراضيها على اعتبار ان المحيط الهادئ هو قارة زرقاء وتمثل مناطقها الاقتصادية الخالصة 28 مليون كيلومتر مربع وأكثر من 20٪ من هذه المناطق في العالم وترتبط اقتصادات المحيط الهادئ وبيئته وشعوبه وأمنه بشكل جماعي وفردى ارتباطا وثيقا بالمحيط واليقين من أنه يمكن إدارته على نحو مستدام وتسخير موارده الآن وفي المستقبل.
وتجدر الاشارة الى أن اتفاقية قانون البحار لا تغطي الآثار المحتملة لتغير المناخ وهي ظاهرة تؤثر على الحدود البحرية للعديد من الدول حول العالم بينما تعد البلدان النامية الجزرية الصغيرة في المحيط الهادئ من بين أكثر البلدان تضررا، بسبب جزرها المرجانية المنخفضة، ونقاطها الأساسية، المستخدمة لترسيم الحدود البحرية، والمكونة من الجزر المرجانية والجزر الرملية، هذه البلدان معرضة بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ وتحمض المحيطات وتدهور أنظمة الشعاب المرجانية.
وفي الأخير لا يوجد تهديد للأمن في بلد ما أكبر من اختفاء اختصاصاته القضائية المنشأة بموجب القانون الدولي، ويفسر حجم هذا التحدي الأمني ​​سبب جعل قادة المحيط الهادئ تسجيل الحدود البحرية من أولوياتهم، لقد سعوا إلى خيارات قانونية لضمان أنه بمجرد إنشائها وفقا لاتفاقية قانون البحار، حيث لن يتم الطعن في الحدود على الرغم من آثار تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر.

تأثير تغير المناخ على الاقتصاد الأزرق
تجدر الإشارة إلى أن غرب ووسط المحيط الهادئ يعتبر موطن لأكثر من نصف مخزون التونة في العالم، حيث تستمد الدول التسع من الدول الجزرية الصغيرة النامية في المحيط الهادئ ما معدله 10-84٪ من إجمالي الدخل من رسوم الترخيص لصيد سمك التونة، وهي صناعة توظف حوالي 6-8٪ من القوة العاملة وغالبا نسبة أعلى من النساء، وتشير التقديرات إلى أن الدول المتضررة ستخسر 90 مليون دولار سنويا من الدخل بحلول عام 2050، وستخسر ما يصل إلى 10 إلى 15٪ من الدخل للعديد منها إذا تركت عواقب هذه التهديدات دون معالجة بينما يمكن أن تحفز هذه التهديدات المناخية الصراع وعدم الاستقرار في اقتصادات الجزر، ففي غياب تدابير التخفيف والتكيف الطموحة فإن الآلاف من سكان الجزر سوف يفرون ويهاجرون، حيث يخاطر بعض الشباب بفقدان الحقوق التي تأتي من ثقافتهم وتقاليدهم، وحتى من جنسيتهم، ويبقى الحل الوحيد هو عكس اتجاه تغير المناخ، من خلال تنفيذ طموح لاتفاق باريس.
وعلى الرغم من كونه مروعا فإن وباء كورونا يمثل فرصة جيدة لتغيير المسار الآن بعد أن أدركنا أهمية المجتمعات الصحية والمتصلة والمرنة حيث لن يكون أي شيء ممكنا بدون عمل مناخي جماعي، فمن الصحيح أن الدول التي لم تساهم إلا قليلا في الاحتباس الحراري ومع ذلك تخاطر بفقدان كل شيء، أن تطلب من مجلس الأمن أن يفعل كل شيء لحل هذه المشكلة، يجب أن يستفيد مجلس الأمن الدولي من أفضل التقييمات العلمية وأن يحشد الطموح الدولي قبل أن يصبح هذا تحديا أمنيا أكبر لا يمكن لأحد مواجهته، فإذا كان للدبلوماسيين دور التفاوض من أجل الوصول إلى توافق دولي إلا أنهم لا يملكون القدرة على التفاوض مع الطبيعة لأن هذا أن الحقائق الفيزيائية والكيميائية والجغرافية للاحتباس الحراري لن تساوم معنا لذلك فإن تغير المناخ سيكون عاجلا أم آجلا عاملا مساعدا في المس بالسلام والأمن الإنساني من الساحل إلى جزر المحيط الهادئ والكاريبي.

< بقلم: محمد بنعبو*

Related posts

Top