مسرحيـة “غيثة” لفرقة أرتميس للفنون في عرضها الأول

بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، قدمت مؤخرا، فرقة أرتميس للفنون بمسرح ابن امسيك بالدار البيضاء، عرضها الأول لمسرحية “غيثة”، وهي من تأليف عادل الضريسي، ودارماتورجيا وإخراج الفنان ادريس الروخ، الذي يعيده هذا العمل للمسرح، بعد سنوات من الغياب عنه، تنقل خلالها بين التلفزيون تشخيصا وإخراجا، وفي السينما كممثل، قبل أن يتحول لخلف الكاميرا، ويخرج شريطه الأول “جرادة مالحة” الذي يعرض في القاعات السينمائية الآن.

عودة لمسرحية “غيثة”، نسجل بإيجاب الحضور اللافت والقوي، لكوكبة كبيرة، من نجوم المسرح والتلفزيون، من الدار البيضاء، ومن خارجها كذلك، كلهم حجوا لمسرح ابن امسيك، لاستنشاق هواء فني، بعد غياب اضطراري، بسبب جائحة كورونا.

فترة الإعداد لهذا العرض المسرحي من لدن فريق العمل، استغرقت عاما كاملا، وقد سعى مؤلفه لملامسة قضية قديمة وحديثة في ذات الآن، شائكة ومعقدة، إذ لاتزال المرأة، في علاقتها مع مجتمع بعقلية رجعية وذكورية، عوض دمجها فيه، وتقدير ما حققته وتحققه، يسعى للتبخيس من مكانتها وقيمتها، ولو أدى به الأمر إلى استغلال الدين، عبر تأويل بعض ما جاء به، بشأن المرأة، تأويلا يخدم نزعة سي السيد، المتجذرة في بعض النفوس الآدمية المريضة.

هذه بعض التيمات الإنسانية والاجتماعية التي توسمت المسرحية معالجتها فوق الركح، بفريق تشخيص منسجم ومتكامل، تتقدمه الفنانة المتألقة حنان الخالدي، ثم الممثلان الرائعان عبد الله شيشا ويونس لخروف.

على عكس بعض المسرحيات التي تكون مشاهدها الأولى من مجرد تقديم وتمهيد، أو تسخين للأحداث، أدخلت غيثة الجمهور إلى أجواء العرض مباشرة، فمنذ الدقائق الأولى، أبان الفريق المشخص للأحداث، عن علو كعبه فوق الركح، من خلال الانتقال السلس من شخصية لشخصية، ومن خلال التعبير بالجسد كما بالحوار، وكذلك من خلال الحفاظ على مستوى إيقاع التشخيص. مثل كورال غنائي، كان الثلاثة يتجاوبون بالحوارات على نفس درجة الارتفاع، فكيمياء الانسجام بينهم، كانت بارزة وملموسة بشكل جلي.

عبد الله شيشا، سبق وشاهدته في عدة عروض، حيث يثبت دوما حضوره، ببصمته الخاصة والمميزة، التي يمتع ويدهش بها المتفرج في كل حين. ويونس لخروف الذي اكتشفته لأول مرة، فاجأني بتقمصه المرن وخفة روحه وبروعة عزفه على آلة القيتارة، وضبطه للإيقاع بواسطة “البندير” مع الغناء والرقص في انسجام تام بينهما.

أما مؤدية دور غيثة، في مراحل عمرية مختلفة، وفي كل واحدة من هذه المراحل، تعارك ذات العقلية الذكورية التي ما انفكت تدمر فيها الجسد والعقل والنفس، إلى أن تغدو كأنها تعيش على هامش المجتمع.

وقد أبدعت حنان الخالدي، وتفننت في تقمص شخصية غيثة، بتلاوينها المختلفة، وتعقيداتها وتناقضاتها. وبلغت ذروة اندماجها فيها، مع المشهد الأخير في العرض، عندما تتحول مرغمة لا بطلة، وهي في عقدها الرابع، إلى الانحراف والإدمان على الخمر، وقد فاجأت الخالدي متتبعيها بالانصهار التام في دور امرأة فاقدة التحكم في جسدها وفي كلامها، جراء سكر طافح.

سينوغرافيا ياسين الزاوي، أضفت جمالية رائعة على الركح، والموسيقي المصاحبة كانت جد موفقة، وكذلك اللوحات التعبيرية الراقصة، أغنت الفرجة المسرحية، وزادت في امتناع المتفرج. وبذلك يكون الفنان إدريس الروخ، قد بصم بقوة على عودته لأبي الفنون، حضنه الأول، ويكون قد أخلص لوظيفته كمخرج، عبر إدارته لجميع مراحل هذا العمل الإبداعي “غيثة” الذي يمكن أن نعتبر تقديم عرضه الأول بمسرح ابن امسيك، بمثابة افتتاح لموسم مسرحي جديد، على الأقل في عاصمتنا الاقتصادية، التي ودعت الصيف أيضا، بنسائم مسرحية، عبر مهرجان الفداء الأول للمسرح.

بقلم: عبد الحق السلموتي

Related posts

Top