مليكة مستظرف.. ترى هل ترين أو تحسين بما يحصل في العالم اليوم من آلام؟

مليكة
ها هي الذكرى الثانية عشرة على وفاتك.
تُرى هل ترين أو تحسين بما يحصل في العالم اليوم من آلام؟ لقد مررنا يا مليكة الكثير الكثير منذ قصتك “موت” من قصص الموت المشابهة لقصتك، إذ أصبح الموت هو البطل البارع والوحيد الذي يلعب على منصات بلادنا العربية.
مليكة عندما كنتِهنا، كنا نشكو آلامنا التي تجدّلت مع آلام الآخرين، وها هي صديقة أخرى بفضلك تنضم الينا في كتابة الوجع الذي نعايشه في ومع مجتمعاتنا، وهي الكاتبة الروائية المغربية الزهرة رميج. بواسطتك عرفتها.
لكن لا أنا ولا الزهرة نتقن اللغة الجريئة التي تمتعت بها، فقد عريت الوجوه المقنعة من جميع فئات وشرائح الشعب، فلم تنج من قلمك لا المقاهي “النتنة” ولا الشوارع، ولا الرجال “ذوي الكروش المدورة” والذين يمثلون الهيبة وهم في الواقع، شرهون جنسيا، ولم يفلت منك المتحرشون بالفتيات، ولا أولئك الذين يغزلون الكلام على الماسنجر، أو المهمشين الفقراء في مجتمعك المغربي، والذي هو جزء مما نعيشه نحن في باقي المجتمعات العربية.
يا مليكة، أذكر أننا كتبنا عن الموت في نفس اليوم وقرأنا معا قصتينا في مدينة سلا، واستغربت تلك القفزة من حيث المضمون والأسلوب في قصصك، إذ كتبت قصة “موت” بسخرية حادة.
***
لم تحفر مليكة في العبارات “المبهرجة”، وإنما اكتفت بالكتابة بأسلوبها البسيط؛ لم تكتب عن الجميلين والجميلات، ولا عن قصص الحب، ولا عن البحار والآيس كريم، واللهاث، وشقائق النعمان، وفي المقابل كتبت عن كل ما هو عفن في المجتمع والذي لا يخص مجتمعها وحده بل يحيل على كل مجتمع لا نرى قاذوراته. مليكة أدخلت للرواية العربية أسوة بمحمد شكري، ما اصطلح عليه بـ The aesthetic of the disgust””. هي لم تعرف هذا المصطلح، ولكنها بصدقها وعفويتها دخلت مواطن النفور من خلال “النص / الجسد” اتفاقا مع هلين سيكسو التي طالبت المرأة بأن تقول ما لا يقال، وكذلك اتفاقا مع قول الباحثة الييزابث بريون: “نحن لا نستطيع أن نعرف ماذا بإمكان النفور الجسدي أو الشعور بالعيب أن يفعل”. النفور الذي يعنيني هو تلك التجربة بالإحساس “بالبشاعة” وكل ما يبعث على الاشمئزاز والتقزز. كيف يمكن تحويل هذه التجربة الشعورية إلى منتج إبداعي جمالي يضمن حالتين الإنتاج،(وتعني العمل الإبداعي)، ورد الفعل للموضوع “الفني-الإبداعي”من قبل المتلقي.
وربما على المستوى الشخصي للكاتبة التي عاشت تجربة تشوه جسدها بسبب المرض، هناك نوع من الاعتراف بهذا الجانب وإخراجه، وبذلك يتم نوع من التطهير عن طريق الإبداع. إذن حالة الاعتراف هي أول خطوات المواجهه. وأوافق اليزابيث بريون في أنه على المرأة أن تقبل نفسها كما هي، وهي محاولة إعادة الحوار مع الجسد ومع العالم الخارجي.
إذن الكاتبة خارج النص، قامت بدور وظيفي في خلخلة موازين تلك المقننات التي رُسمت لشخصيات روايتها وقصصها القصيرة عن طريق رسم أجسادها وشكل سلوكياتها كما ظهر في روايتها “جراح الروح والجسد” ومجموعتها القصصية ترانت سيس”. وبهذا فهي فرضت وجودها كمرئية، وخرجت من كونها فقط امرأة إلى أداء وظيفتها الجندرية من خلال الكتابة باعتبارها متمردة على السياق الجمعي. وكما قالت باتلر، لا يمكن تعريف الأشياء بشكل “بيناري”؛ فهناك دائما تداخل بين الهوية وهويات أخرى. مليكة مستظرف المرأة / الكاتبة / استعملت كتابتها كوظيفة اجتماعية وليس فقط كتعبير ذاتي. وبهذا قامت بدور أدائي الذي وُظف في الأصل للمسرح، ولكن باتلر استخدمته باعتباره أداء حياتيا اجتماعيا، وفككت به نماذج جمالية مزيفة.
أرى أن مليكة مستظرف كانت كاتبة في تطور من قصة لأخرى. ورغم المرض الذي نسف بجسدها استطاعت أن تقول ما لم يقله كثيرون. وخططت كثيرا لقول الكثير. كانت أمنيتها أن تكشف عري المجتمع الذي رأته بالمستشفى. وما مقال “الثامن من مارس” والذي نشر على موقع دروب 2006، إلا وجه آخر من تلك الشريحة التي تتغنى بالشعارات دون أن تتغلغل فعليا في آلام الجماهير والمسحوقين. تلك النساء لابسات الفرو اللواتي يزُرن المستشفيات لمآرب إعلامية دون أدنى شعور بالألم. مليكة مستظرف سطرت حروفها بالدمع والدم، وليس دمعها ودمها وحدها.
وتظل شهادتي مجروحة لأننا مهما فعلنا، لن نسامح أنفسنا على تهميش مليكة، فما زالت عيناها الجميلتان مفتوحتين أمامي تحدقان على وسعهما وفمها المبتسم، رغم المرض، يفرض حضورهما.

> بقلم: عايدة نصر الله

Related posts

Top