من أجل قانون منصف وعادل .. فنانون ومبدعون يرفضون مشروع القانون رقم 25.19 ويطالبون بمراجعته بشكل “شامل”

في يوم دراسي نظمته فرق ومجموعة المعارضة بمجلس النواب، أول أمس الأربعاء، داخل قبة البرلمان، حول مشروع القانون رقم 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، عبر مجموعة من الفنانين والفاعلين في الميدان الثقافي والفني ومجموعة من رؤساء الهيئات النقابية والتمثيلية للفنانين المغاربة، عن رفضهم الشديد لهذا المشروع الذي اعتبروه يأتي بمقتضيات مخالفة للقانون وللدستور.
وأجمع عدد من المتدخلين في هذا اليوم الدراسي الذي نظمته المعارضة البرلمانية بمجلس النواب، وأدارته الصحافية الزميلة بشرى ماويه، أن مشروع القانون رقم 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الذي كانت قد أحالته الحكومة السابقة وجرى تجميده بسبب مقتضياته لا يرقى لأن يكون قانونا ناجعا لتأطير هذا القطاع، مستغربين من إعادة وزارة الثقافة والشباب والتواصل في الحكومة الحالية إحالته على البرلمان بدون اي مشاورات أو الرجوع لأسباب تأجيل وتجميد النقاش حول هذا المشروع منذ 2019.
وشدد رؤساء الهيئات المهنية والنقابية في قطاع الفن والتأليف على أن هناك محاولات لفرض القانون الحالي وتمريره بسرعة من قبل الوزارة الوصية، في الوقت الذي لا تتماشى مقتضياته مع القانون وتخالف بشكل صريح المقتضيات الدستورية.
وعاب المتدخلون في اللقاء غياب المقاربة التشاركية وإشراك الفاعلين في القطاع في هذا النقاش وفي بلورة قانون يأخذ بعين الاعتبار مختلف الأصناف الفنية ويقدم الحلول لمختلف المشاكل المطروحة على القطاع والتي لا يعرف بعضها سوى المهنيون والفاعلون في الميدان.
اللقاء الذي شارك فيه ممثلو الأمة والعديد من الخبراء والهيئات النقابية والمهنية، خلص خلال ساعات من النقاش إلى ضرورة مراجعة شاملة لمشروع القانون رقم 25.19 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وضرورة بلورة قانون جديد ينهج المقاربة التشاركية ويأخذ بعين الاعتبار التطورات التي يعرفها القطاع وآراء ومساهمات الفاعلين في الميدان ومختلف المهنيين ورؤساء الهيئات الفنية بكل أصنافها وكذا الهيئات النقابية وكافة المتدخلين.
في هذا السياق، أطر كل من عبد السعيد الشرقاوي المستشار القانوني والوسيط والمحكم الدولي في الملكية الفكرية، والأستاذ الجامعي والمخرج المسرحي امحمد الأزهر، والأستاذ الجامعي والكاتب المسرحي عز الدين بونيت، والمحامي والجامعي طارق مصدق، جلسة نقاشية حول تصورات الفاعلين في القطاع لمشروع القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حيث أجمعوا على أن هذا القطاع له خصوصية على خلاف مختلف القطاعات الأخرى، والتي تحتاج إلى نقاش أوسع ومشاركة متنوعة ومختلفة من أجل بلورة قانون يرقى للطموحات.
وقال المتدخلون في هذه الجلسة النقاشية إن مثل هذه القوانين تحتاج إلى إشراك مختلف الفاعلين بالنظر للتنوع والغني في مختلف الأصناف الفنية، ولكون هذا القطاع يمزج بين كونه خدمة عمومية وبين اعتباره فضاء خاصا ويعتمد على استثمارات متنوعة تمزج بين العمومي وبين ما هو استثمار خاص.
في هذا الصدد، قال المستشار القانوني والوسيط والمحكم الدولي في الملكية الفكرية، عبد السعيد الشرقاوي، إن مشروع القانون 25.19 طال انتظاره، مذكرا بأبرز المراحل التي قطعها التشريع المغربي في مجال حماية الحقوق الأدبية والفنية، والتي انطلقت مع ظهير 1916، ثم ظهير 1970، فظهير 2000 الذي جاء لمسايرة الاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا الشأن.

وأضاف المحكم الدولي في الملكية الفكرية أن مشروع القانون لا يخص المؤلفين المغاربة وحدهم، بل يشمل مؤلفي العالم ككل، ويجب أن تراعى فيه مجموعة من التخصصات، كما يتعين أن يساهم فيه الجميع، وفق تعبيره.
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي والمخرج المسرحي، محمد الأزهر، إلى أن هناك مجموعة من المشاكل التي ما تزال تعيق تطور النموذج الحالي وتعجل بضرورة الإصلاح، وعلى رأسها المشاكل التي يعاني منها المكتب المغربي لحقوق المؤلف في صيغته الحالية.
وقال الدكتور الأزهر إن المكتب المغربي لحقوق المؤلف في صيغته الحالية يفتقر إلى الإمكانيات الكفيلة بتحقيق استقلالية ذاتية كاملة، مؤكدا على استحالة قيام المكتب في الوضع الراهن باستخلاص الأموال المتأتية من عائدات الأعمال الإبداعية المستغلة عبر العالم.
وشدد الأستاذ الجامعي على أهمية وضع النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيق النص التشريعي المتعلق بالمكتب بالموازاة مع وضع مشروع القانون ذي الصلة.
من جانبه، لفت الأستاذ الجامعي والكاتب المسرحي، عز الدين بونيت، على أن المجال الثقافي والإبداعي يختلف بشكل كبير في تركيبته عن باقي المهن الأخرى، مشيرا إلى أنه لا يمكن تنزيل تصور الهيئات المهنية الأخرى على هيئة الفنانين والمبدعين.
وبعدما أكد على أهمية مواكبة الدولة لحقوق المؤلفين والمبدعين، حث الدكتور عز الدين بونيت على تخويل ذوي الحقوق إمكانية تدبير شؤونهم بأنفسهم، مع إخضاعهم للرقابة القانونية والمحاسبية، على غرار النموذج الفرنسي الذي تخضع فيه كل الجمعيات والشركات العاملة في هذا المجال إلى المجلس الأعلى للحسابات والذي يتوفر على لجنة خاصة بالنظر في حساباتها، داعيا إلى الاستفادة من التجارب الرائدة في هذا المجال.
بدوره، توقف المحامي والأستاذ الجامعي، طارق مصدق، على أهمية وخصوصية قطاع الفن والثقافة وتميزه على باقي القطاعات من حيث التركيبة ومن حيث التنظيم الذي يختلف عن تنظيم هيئات مهنية أخرى.
وأبرز مصدق أهمية إصلاح القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لما يمكن أن يشكله من تطور ينتقل بالقطاع من وضعه الحالي إلى وضع أحسن قادر على المنافسة، وقادر على ضمان حقوق المبدعين المغاربة، لاسيما وأن أعمال بعض المبدعين المغاربة تتعرض لنوع من الاستغلال على المستوى الدولي والعربي.
ويرى مصدق أنه من شأن النص الحالي الرفع من قيمة المداخيل المحصلة لفائدة ذوي الحقوق في حال أدخلت عليه بعض التعديلات، معتبرا أن الوضع الراهن ينطوي على هدر لحقوق المبدعين، سواء على المستوى القانوني أو القضائي، مع وجود ندرة في ما يخص الاجتهادات القضائية.
وعزا الأستاذ مصدق مجموعة من المشاكل المرتبطة بحقوق المؤلف وهدر حقوق المبدعين المغاربة وطنيا وعلى مستوى دولي إلى “جهل هذه الفئة بحقوقها بشكل دقيق”، داعيا إلى الانخراط في النقاش والإلمام بمختلف التطورات بهذا الموضوع من أجل الوصول إلى قانون عادل ومنصف.
من جانبها، كانت فرق المعارضة التي نظمت اللقاء، قد وجهت انتقادات للحكومة الحالية وأغلبيتها بسبب محاولتها تمرير القانون بدون نقاش وفي غياب للمقاربة التشاركية وإشراك الفاعلين في القطاع.
وعاب رؤساء فرق ومجموعة المعارضة استفراد الحكومة بإعداد مشروع القانون رقم 25.19 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والذي اعتبروه مشروعا لا يرقى إلى طموحات المثقفين والفنانين والمبدعين، ولا يستلهم روح الدستور وخصوصية التعبير الثقافي والممارسة الفنية وقيم الإبداع.
وأكد كل من رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية، وعبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي، ادريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي، وعبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، (أكدوا) في مداخلاتهم على ضرورة إغناء النقاش وإنضاجه حول مشروع القانون، داعين إلى التروي والإنصات لمختلف الأطراف المعنية.
وأشاد المتدخلون خلال اللقاء الذي نظم تحت شعار “من أجل قانون عادل ومنصف”، بالأهمية البالغة التي يحظى بها مجال الثقافة والإبداع في المملكة، معتبرين أن ازدهارها يظل رهينا بإشراك رجال الثقافة والفن والإبداع وإيجاد آليات لحماية حقوقهم وتمكنهم من إسماع صوتهم وإيصاله إلى الجهات المعنية.
وبعدما استحضر رؤساء فرق ومجموعة المعارضة الظروف الصعبة التي كابدها الفنانون والمبدعون خلال فترة الجائحة، طالبوا الحكومة بالتريث في النقاش، وكذا إشراك أوسع لذوي الخبرة والفئات المستهدفة من المثقفين والمبدعين.

< محمد توفيق أمزيان
> تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top