موازين من جديد

تميز الأسبوع المنصرم باحتضان العاصمة الرباط، وجارتها سلا، لفعاليات مهرجان «موازين» الدولي، وعرفت المدينتان إقبال آلاف الزوار من مناطق أخرى، بل ومن بلدان أوروبية أيضا، حتى أن بعض السهرات التي احتضنتها منصة «السويسي»، أو منصة «النهضة»، فاجأت المراقبين والصحفيين بجذبها لأزيد من مأتي ألف متفرجا… وحده هذا الإقبال الجماهيري الكثيف على سهرات «موازين» يكفي لتأكيد «شرعيته»، وبالتالي الإقرار بحق عشرات الآلاف من المغاربة الذين يقبلون عليه، في الاستمتاع بما يقدمه لهم، وفي اللقاء بفنانيهم وفناناتهم…
وفي المقابل، فإن الخروج إلى الاحتجاج في الشارع ضد المهرجان لم يجذب هذا العام إلا بضع عشرات، ولم يشكل الأمر موضوع حديث الناس، وحتى إن كنا نرفض، مبدئيا، التضييق على أي كان في التعبير عن رأيه، ولو كان مناهضا للفرح، فإننا كذلك نعتبر عدم تفاعل الناس مع دعوات الاحتجاج ضد المهرجان بمثابة رسالة قوية تستحق التأمل والانتباه من طرف كل الشاردين.
«موازين» أيضا، لم يتعرض هذه السنة لأي منع أو تضييق، وبذلك سقط كثير نفخ كان يأتي من أكثر من جهة تهويلا وتخويفا، وذلك أيضا رسالة تجسد التحول، وبأن شيئا ما يتغير هنا والآن.
«موازين» كذلك، ومرة أخرى، أتاح لعديد مهن أن تنتعش خلال أيام المهرجان، سواء بارتباط مع المهن الفنية واللوجيستيكية ذات الصلة بالمهرجان نفسه، أو في علاقة بالمدينة وبحركيتها التجارية والسياحية والخدماتية، بالإضافة إلى فرص عمل أتاحها لعدد من الفنانين المغاربة، ومكنهم من التفاعل (تقنيا وفنيا  وتسويقا) مع تجارب فنية عالمية كبيرة، ومع قامات فنية من مختلف أنحاء العالم.
لكل ما سلف، هناك حاجة اليوم للإصرار على استمرارية «موازين»، وتطويره أيضا، وذلك ليفتح لنفسه آفاق جديدة، ولينجح في اكتساب تجليات تميز أخرى، برمجة وتنظيما وتسويقا وإشعاعا.
وصلة بذلك، يتحتم التأكيد هنا على أن الأوضاع الساخنة في عدد من البلدان العربية، وما تشهده من تحولات، جعلت كثير مهرجانات فنية عربية كبرى تختفي، أو على الأقل يأفل نجمها، وصار «موازين» نقطة ضوء، قد تكون وحيدة، في المنطقة العربية اليوم، ما يمكن نجوم الفن العربي من تجديد فرص اللقاء والتواصل مع الجمهور، وهذا المعطى الجوهري وحده يتيح لبلادنا واجهة إشعاع جديدة على الساحة العربية والإقليمية، ويفرض ذلك على مسؤولي المهرجان الانكباب على الجوانب التواصلية والإعلامية بكثير من الذكاء والحرفية لاستهداف جماهير هذه البلدان، وأوساطها الفنية والثقافية والإعلامية والتجارية، وبالتالي جعل المهرجان ينفتح على «خدمة» أخرى، يقدمها للبلاد في الظرفيات الصعبة الراهنة.
لقد نجح «موازين» إذن، وتفاعلت معه الجماهير المغربية بالآلاف، وبإمكانه أن يفتح لنفسه آفاق أخرى للتطور مستقبلا…
برافو للجميع، منظمين وفنانين وجمهورا.
[email protected]

Top