شيوخ وعجزة ضحايا قسوة الزمن وعقوق الأبناء يكابدون في صمت
شيوخ بلغوا من الكبر عتيا، منهم من يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومنهم من يكون الحظ بجانبه تستقبله دار المسنين فتحتضن أماله وأحزانه وتضمد جراحه، وهؤلاء الشيوخ، ذنبهم الوحيد الذي من أجله يتواجدون بهذه الدار، أن أبنائهم ناكرين للجميل، فقد قست عليهم قلوب أقرب الناس إليهم.
لقد أصبحنا نسمع عن إبن تخلى عن أبيه لأنه لا يملك الوقت للإعتناء به، بسبب تواجده خارج المغرب, أو عن إبنة تخلت عن أمها بسبب رفض زوجها أن تمكث معهما في المنزل.
الأسباب كثيرة و التبريرات سخيفة لكن النتيجة وحيدة كهولة متخلى عنها، بسبب أبناء لا تعرف الرحمة طريقا لقلوبهم المتحجرة.
لا شك أن التقاليد المغربية و العربية والشريعة الإسلامية ترفض مثل هذه التصرفات الشاذة لكنها تبقى موجودة، خصوصا وأن المجتمع يضم العديد من دور المسنين، فهذا دليل على أن المجتمع يعيش تغيرا جذريا على مستوى المعاملات الإنسانية، إذ أصبح العقوق من سماته البارزة، بحيث أصبحنا نرى اباء و أمهات ضحايا أبناء متناسين أن للزمن دورته، و أنه كما يكون لك اليوم، سيكون عليك في الغد
دار للمسنين بالجديدة
عندما تلج إلى دار المسنين بحي سيدي الضاوي بمدينةالجديدة، تجد خلية نحل تشتغل و تعمل بجد من أجل إسعاد الآخرين. مسنون و عجزة ولجوا طبعا عن غير طيب خاطر إلى هذا الفضاء الذي يجمع الجنسين من الذكور و الاناث.تأسست المؤسسة سنة 1980، مساحتها 920 متر مربع، تتكون من جناحين و يبلغ عدد غرفها 24، بها قاعة تمريض واحدة، يعمل بها ممرض قار و فيها 15 مرفقا صحيا، يشتغل داخل الدار طبيب متطوع و إداريون و طباخون و حراس. و تسير الدار جمعية مكونة من 13 فردا، متطوعون أغلبهم رجال تعليم ، همهم الوحيد إرجاع البسمة لهؤلاء المسنين البؤساء.
ما أن تدخل دار المسنين حتى ترى الأنظار مشدودة إليك لتأخذ التنهيدات طريقها إلى صدرك. من المشاكل والهموم التي أخذت الأفواه تنطق بها عن مخلفات العمر وهجر الأحبة من الأولاد والأقرباء. فالمسنون مهمشون وبؤساء مهضومو الحقوق يحتاجون إلى من يرعاهم ويشد من أزرهم ويفتح باب الأمل لهم من جديد، حيث لا تقتصر الحالة لديهم على ماهو مادي فقط من غداء ولباس ومسكن، بل تتجاوزها إلى ماهو نفسي بالشعور بالأمن وتقدير الناس و المقربين لهم، بل إنما هم في اشد حاجة إلى الكلمة الطيبة وإشعارهم بأنهم مازالوا موضع تقدير و احترام خاصة في هده المرحلة الحرجة من حياتهم.
قصص مؤثرة
خديجة، تبدو في عقدها السادس، قالت بوجه مرح ينم عن تفاؤل في الحياة، إنها نزيلة بهذه الدار، منذ سنين، بعد أن طالبها صاحب الغرفة التي كانت تكتريها بإخلائها. بعدما لم تتمكن من أداء مستحقات الكراء، التجأت إلى بيت شقيقها لتحتمي به، لكن ابنتيه قابلتاها بجفاء شديد، فوجدت نفسها عرضة للضياع، لتقرر بعدها الاشتغال عند إحدى السيدات، ونظرا لضعف صحتها وتقدم سنها، لم تتمكن من مواصلة العمل في البيت، بعد ذلك تدخل بعض (ولاد الناس)، ونصحوها بالذهاب إلى دار العجزة. وعبرت خديجة عن فرحتها بالالتحاق بالدار قائلة «كلشي هنا زوين واكلين، شاربين، ناعسين، حتى حاجة ما خصانا».
موسى، نزيل آخر بجناح الرجال، يحكي قصة مؤثرة، إذ اضطر إلى قبول العيش داخل دار العجزة حتى لا يحرج أبناءه، الذين يقيمون معه في منزل ضيق في أحد الأحياء الشعبية بالجديدة، قائلا «لم تسعفني الظروف لتحسين وضعية أسرتي، واقتناء منزل كبير يؤوينا جميعا، فعشنا سنوات طويلة في بيت ضيق جدا، ولما كبر أبنائي، غادرت المنزل، لاتركه لهم»، مضيفا بتأثر واضح «لو كنت أملك مكانا آخر لأقيم به، لما التجأت إلى هذا الفضاء، لكن، رغم ذلك، أحمد الله لأنني وجدت هنا الاستقرار الذي فقدته من قبل».
مجهوذات تحتاح للمزيد من الدعم و المساندة
يقول الحاج أحمد بلفرجي رئيس الجمعية المسيرة لدار رعاية المسنين أن « المركز يقيم أنشطة متنوعة في المناسبات الدينية و المناسبات الوطنية، وأن المركز يقوم بعدة نشاطات في هذه المناسبات، لتحسيس المسنين بهذه الأعياد وبعث الفرح في قلوبهم،خاصة أن ٲغلبهم لا يشعرون أو لا يتذكرون هذه المناسبات. وفي كل مناسبة يقوم المركز بتذكيرهم بها حيث نقوم بإعداد احتفالات بهذه المناسبات مع إعداد الأطعمة وتقديم الحلويات والهدايا التي تدخل السرور على قلوبهم». وأشار» أن هناك رغبات يطلبها المسنون ويقوم المركز بتلبيتها خاصة ما يتعلق بالحاجات الضرورية لهم كالأطعمة والخرجات وغير ذلك، ولكننا نواجه مشكلة عويصة عندما يطلب احد المسنين زيارة احد أقاربه ولا يستجيب لنا هؤلاء عند استدعائهم لظروف يتحججون بها، وهذا يؤثر على المسن ويتسبب له بتوتر نفسي وشعور بالوحدة. و رغم هذا نحيط المسنين بالدفء و الحب و الحنان و يجدون سعادتهم في الحفلات التي تقام لهم في المناسبات التي تضفي الفرح والابتسامة عليهم «.
من جانبه، قال الحاج عبد المجيد نجدي الكاتب العام للجمعية،» حينما بدأنا العمل في هذه الدار كنا نعي إننا سنجابه عقبات كثيرة، لكننا صممنا على مواجهتها بصلابة، بدأنا بمشروع تأهيل المؤسسة كطموح في مجال العمل المجتمعي، فقمنا بوضع الخطط وإعداد القوانين(القانون الأساسي- القانون الداخلي- قانون الولوج) و القيام بعدة إصلاحات على مستوى البناية و ثأثيثها كما بذلنا جهودا مماثلة في النشاطات الاجتماعية، وبالطبع ساندتنا أيدي رحيمة كثيرة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه». من النادر أن يجد المرء مسنا مبتسما أو سعيدا في دار المسنين فالشعور بالوحدة والعزلة واليأس يسيطر على الجميع، وتتعدد الأسباب المؤدية إلى هذه المشاعر لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الابتعاد عن العائلة والأبناء هو السبب الأساسي الذي يكمن وراء ذلك.إذ أن فكرة وجود المسن في دار للعجزة تعني نفيه من عالم إلى آخر على الرغم من توفر كل ما يدعو لراحته فتلك النظرات الحائرة التي تبحث بين وجوه الحاضرين عن وجه ابن أو ابنة ربما افتقده من زمن ولم يزره تجعلك تشعر وكأنه يبحث عن منقذ له من الوحدة و الوحشة.فأين الأبناء ومن كل هذه المشاعر؟.