أفادت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأن المغرب حطم رقمه القياسي باستقبال 17.4 مليون سائح في 2024.
وأوضحت الوزارة، في بلاغ، أن “المغرب حقق إنجازا كبيرا وغير مسبوق خلال 2024. حيث استقبل 17.4 مليون سائح بمتم دجنبر، محققا بذلك الهدف الطموح لأفق 2026، قبل موعده المحدد بسنتين”.
وأضاف المصدر ذاته أن هذه الأرقام تشير إلى زيادة بنسبة 20 بالمائة في عدد السياح الوافدين مقارنة بسنة 2023، أي ما يقارب 3 ملايين سائح إضافي.
إلا أن الملاحظ هو أن الرقم القياسي المتحدث عنه نصفه من المغاربة المقيمين بالخارج الذي وصل عددهم إلى 8,6 مليون سائح (+17 بالمائة). وهو ما يؤكد أن القطاع الساحي المغربي لازال يشكو أعطابا عديدة وإشكالات تحد من جاذبيته.
ولعل بعضا من تصريحاتهم فور اطلاعهم على حصيلة السنة وما ميزها من ” رقم قياسي”، انتفض مهنيون يشكون استمرا عراقيل إدارية تتعلق بتجديد الرخص أو تأسيس الشركات، أو تعقيد مسطرة الحصول على البطاقة المهنية، مما يكلف هذه الشركات خسائر مالية بسبب تراكم الديون وضغط الالتزامات المالية، وهو ما يتنافى مع الجهود المبذولة للارتقاء بتنافسية السياحة.
صحيح أن المغرب يتوفر على مؤهلات هائلة تجعله وجهة تنافسية قوية في المجال السياحي على الصعيد العالمي. إلا أن الإمكانيات المتاحة، يقول المهنيون، لا يتم استغلالها بالشكل الكافي على مستوى الترويج للوجهة المغربية على الصعيد العالمي، فضلا عن وجود تفاوت جلي في التنمية السياحية بين الجهات وداخل الجهة نفسها، وتمركز النشاط السياحي في بعض المدن الرئيسية مثل مراكش وأكادير، اللتين تمثلان ما يقرب من 60% من المبيتات.
هذا التركيز يعكس انعدام التوزيع المتوازن للسياحة عبر البلاد، بالإضافة إلى كون نصف السياح الوافدين إلى المغرب يأتون من فرنسا وإسبانيا، مما يزيد من ارتباط القطاع السياحي بتقلبات الظروف الاقتصادية والسياسية في هذين البلدين، كما يمثل تحديا لتنويع قواعد الزبائن الدوليين وتقليل التبعية الشديدة لبعض الأسواق التقليدية، بالإضافة إلى أن مناطق مختلفة من المغرب تعرف تركزاً في فترات زمنية معينة خلال العام، مما يؤدي إلى عدم استقرار واستدامة العائدات المتحققة من النشاط السياحي.
هذا الواقع يجعل العديد من المؤسسات الفندقية “موسمية فقط”، ولا تشتغل بطاقاتها القصوى إلا في أوج الموسم السياحي، ما يجعل أغلب العاملين بها إما متدربين أو أعوان موسميين، يشكون هشاشة كبيرة على مستوى الأجور وظروف العمل، فضلا عن عدم التصريح باهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
هذا الواقع، يقول المهنيون، يستدعي تعزيز الحكامة عن طريق توطيد دورية اجتماعات الهيأة العليا للسياحة برئاسة رئيس الحكومة، بما يضمن الالتقائية وتقييم منتظم للبرامج والتدخل لمعالجة المشاكل المطروحة في وقتها، ومراجعة العلاقات المؤسساتية بين وزارة السياحة والمؤسسات المتدخلة مباشرة في تدبير السياحة بالمغرب، والمكتب المغربي الوطني للسياحة والشركة المغربية للهندسة السياحية على الخصوص، وذلك باعتماد نهج تعاقدي يعتمد على التدبير المبني على النتائج بما يتيح تحديد الأهداف وتوفير الوسائل وربط المسؤولية بالمحاسبة، والإسراع بتشكيل المجلس الوطني للسياحة.
بمعنى آخر، وجب الانتقال في تدبير السياسات العمومية المتعلقة بالسياحة من مقاربة الكم إلى الاهتمام بالكيف، من خلال التخلي عن منهجية الإنجاز الشامل للوجهات السياحية دفعة واحدة، واعتماد التدرج في الإنجاز حسب الأولويات، وإضفاء الطابع الاحترافي على استراتيجية التسويق من خلال ابتكار طرق وآليات جديدة لتسويق المنتوج السياحي، تضمن الترويج بطرق مبتكرة للمؤهلات السياحية مع الاعتماد أكثر على الرقمنة واعتماد مقاربة استباقية للتصدي لمختلف مظاهر تبخيس الوجهة المغربية، واستهداف أفضل للأسواق الواعدة عند الترويج لوجهة المغرب، والبحث عن أسواق جديدة دون التخلي عن الأسواق التقليدية، واستثمار الاستثناء المغربي بشكل أكثر مردودية، واستغلال الاستحقاقات الرياضية الافريقية والعالمية القادمة.
مصطفى السالكي