استأثر موضوع المسيحيين المغاربة الذين خرجوا إلى العلن، باهتمام العديد من الهيئات الوطنية والدولية، فضلا عن خوض وسائل الإعلام الداخلية والخارجية في حيثيات الظاهرة، التي أصبحت حديث الساعة في المغرب.
المسيحيون المغاربة الذين استبدلوا ديانتهم الاسلام في بلاد أمير المؤمنين، أسسوا في الآونة الأخيرة تنسيقية وطنية (غير قانونية) تفاوض باسمهم وتدافع عن مطالبهم أمام الحكومة والمؤسسات الوطنية، مطالبين بأحقيتهم في ممارسة شعائرهم الدينية بشكل رسمي دون اختباء أو تستر في البيوت والمنازل.
أرقام أمريكية
في ظل غياب معطيات رسمية حول عدد المسيحيين بالمملكة المغربية، ومع وجود التنسيقية الوطنية المدافعة عن حقوق المسيحيين في المغرب أثناء التكون، يعد تقرير الخارجية الأمريكية حول الحالة الدينية في العالم، المصدر الوحيد من حيث المعلومات.
النسخة الأخيرة من التقرير الأمريكي، التي صدرت في غشت الماضي، ركزت على انتقاد محاربة السلطات المغربية لكل مظاهر التبشير المسيحي، في مقابل العناية والرعاية الرسميتين اللتين يتمتع بهما المسلمون واليهود المغاربة.
خارجية بلاد العم سام أفادت أن 99 في المائة من سكان المغرب هم مسلمون سنيون، فيما تضم نسبة الواحد في المائة المتبقية معتنقي ديانات ومذاهب أخرى، كالمسيحيين واليهود والشيعة والبهائيين.
الدراسة توقفت مطولا عند حالات وقوانين وإجراءات منع التبشير الذي يهدف إلى استغلال الفقر والعوز لحمل عدد من المغاربة على الردة عن الإسلام واعتناق المسيحية.
التقرير الأمريكي اعتمد على من وصفهم بـ»القادة المسيحيين المغاربة والأجانب»، إذ قدر عدد المسيحيين المغاربة بما بين 2000 و6000 مسيحي موزعين على جميع أنحاء تراب المملكة، أكثرهم مستقر في مدينة مراكش وأكادير.
وأبرزت الدراسة أنه ما بين 1000 و3000 مسيحي مغربي يترددون بانتظام على كنائس منزلية. فيما قدر التقرير مجموع عدد المسيحيين الأجانب المقيمين في المغرب بحوالي 40 ألف شخص، 75 في المائة منهم مسيحيون كاثوليك، فيما ينتمي الباقي إلى المسيحية البروتستانتية.
وأسهب ذات المصدر في ذكر الحالات التي شهدتها السنة الفارطة، حيث اعتقال أشخاص مشتبه في ممارستهم التبشير المسيحي، مشيرا إلى أن المغاربة، وخاصة منهم اليافعون والشباب، الذين ينتقلون من الإسلام إلى المسيحية، يواجهون تضييقا شاملا من طرف السلطات والمحيط الاجتماعي يجعلهم يعودون إلى الإسلام في أغلب الحالات.
الدين لله والوطن للجميع
اليوم: الاثنين 25، الشهر: يناير، السنة: 2016، المكان: مراكش، والمناسبة: المؤتمر الدولي حول «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية .. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة»، من هنا كانت بداية انفتاح المغرب بمؤسساته الرسمية على المسيحيين المغاربة، حيث وجه جلالة الملك محمد السادس، رسالة سامية إلى المشاركين في أشغال المؤتمر.
تلا، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، نص الرسالة الملكية التي زكت طرح المسيحيين المغاربة بأحقيتهم في الخروج إلى العلن، والرغبة في الاعتراف بهم بشكل رسمي كباقي الديانتين، الإسلام والمسيحية، حيث رحب الملك محمد السادس، بالمشاركين في الملتقى، واصفا إياهم بـ»جنود تبديد الأفكار الخاطئة».
الرسالة الملكية أسست على مرجعين اثنين، أولاهما، «نلتزم في هذا الموضوع بالقرآن الكريم الذي يعلن عن تكريم الله للإنسان، من حيث هو إنسان. وفي سياق ترسيخ هذه الكرامة أكد القرآن الكريم حقيقة كونية منبثقة عن المشيئة الإلهية تتلخص في أن الله عز وجل اقتضت مشيئته أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم على نحو ما هم مختلفون في ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم. وذلكم ما وطن في نفوس المسلمين قبول التعددية».
أما المرجع الثاني «لمبادئنا، فهو سنة جدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت تطبيقاتها العملية شارحة للقرآن وفيها أوصى خيرا باليهود والنصارى، ودعا إلى حقن دماء الرهبان والعباد المنقطعين في الصوامع في حالات المواجهة، وأقام معاملات مع اليهود، وأسس أحكام المعاهدات وحماية الكنائس وعدم مضايقة أهلها، وأقر الزواج بالكتابيات» يقول نص الرسالة الملكية.
وأكدت الرسالة الموجهة إلى المؤتمرين، أنه «نسير في تمكين المسيحيين المقيمين إقامة قانونية بالمغرب من أداء واجباتهم الدينية بمختلف طوائفهم وكنائسهم المتعددة. كما نعمل على تمتيع المغاربة اليهود بالحقوق نفسها المخولة للمسلمين بالدستور؛ فهم ينخرطون في الأحزاب، ويشاركون في الانتخابات، ويؤسسون الجمعيات ويقومون بأدوار مشهودة في النشاط الاقتصادي، فلهم وجود في الاستشارة والسفارة لجلالتنا، ولهم داخل مجتمعنا مشاعر عميقة مشتركة ما يزال يحملها حتى أبناء الجيل الثاني من اليهود الذين هاجروا إلى مختلف بلدان العالم».
وذيل الملك محمد السادس كلمته بـ «كلما تأملنا مختلف الأزمات التي تهدد الإنسانية ازددنا اقتناعا بضرورة التعاون بين جميع أهل الأديان وحتميته واستعجاليته وهو التعاون على كلمة سواء قائمة لا على مجرد التسامح والاحترام، بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لابد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد، غير أن الأمر لا يكفي فيه مجرد التنصيص على قواعد التعامل بل يقتضي قبل كل شيء، التحلي بالسلوك الحضاري الذي يقصي كل أنواع الإكراه والتعصب والاستعلاء».
استنادا إلى نص الرسالة الملكية، استشعر المغاربة المرتدين عن الإسلام نحو المسيحية، انفتاح مؤسسات الدولة عليهم، بأعلى سلطة في البلاد.
فتوى بروح سياسية
تطوّر آخر وقع في الفترة الأخيرة، يتجلى في إقدام المجلس العلمي الأعلى على مراجعة فتوى سابقة كان قد أصدرها قبل سنوات حول حرية المعتقد، قال فيها بقاعدة قتل المسلم الذي يغير دينه.
الوثيقة الجديدة للمجلس العلمي الأعلى اسمها «سبيل العلماء»، تم توزيعها على العلماء بمناسبة انعقاد دورته الثالثة والعشرين، بمدينة الرباط، قدم فيها مفهوما سياسيا للردة من خلال ربطها بـ»الخيانة العظمى»، وهي الفتوى الواردة في الكتاب الصادر عن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء سنة 2012.
الفتوى أتت استجابة لطلب من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد توصلها بطلب من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، حول موقف الإسلام من حرية العقيدة، وذلك في إطار تحضير التقرير الدوري السادس لأعمال العهد الدولي الخاص بحقوق المدنية والسياسية، إذ توضّح أنه عدل عن موقفه هذا كما جاء في الصفحة 98 من الوثيقة، في محور «قضايا العدل والتضامن والحقوق والحريات في الأمة».
جاء في ثنايا الوثيقة، أن الفهم الأصح لمفهوم الردة «المنسجمُ مع روح التشريع، ونصوصه، ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها، والمستقوي عليها بخصومها، أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية».
وعزى، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، تراجع المجلس العلمي الأعلى عن فتواه القاضية بقتل المرتد، إلى التحولات الجديدة التي يمر بها الإسلام على يد الجماعات المتطرفة بالمنطقة، على اعتبار قضية الردة هي من أخطر القضايا التي ترتبت عنها مفاسد كبرى.
واعتبر في ذات السياق، أن المفهوم الجديد للردة حمل في طياته مفهوما سياسيا، وهو الخروج عن الجماعة ومحاربتها، والخيانة العظمى في الاصطلاح الحديث، فالمرتد بهذا المعنى هو المنشق عن الدولة، أما الردة الدينية فهي مسألة شخصية وتدخل في نطاق علاقة الإنسان بربه.
من السر إلى العلن
خروج المغاربة المسيحيين إلى العلن لم يكن بالسهل في مجتمع كالمغرب أغلبية مواطنيه مسلمين، إذ كانت البداية على صفحات التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث أنشأت التنسيقية مجموعة تتواصل بها، وتستقطب عن طريقها أشخاصا آخرين، من خلال ضرب مواعيد في المنازل لأداء الشعائر، وكذا نشر فيديوهات وصور وتراتيل تشرح الدين الجديد للمواطنين المغاربة، الذين اختاروا المسيحية عوض الإسلام.
بيان اليوم، التقت بمسيحي مغربي بروتستانتي من التنسيقية الوطنية للمسيحيين المغاربة، والذي بدا منذ الوهلة الأولى متحمسا للقاء صحفي. في هذا اللقاء بادر بطرح مطالب التنسيقية قبل الحديث عن أي شيء آخر، من ضمنها حقهم في إظهار المعتقد والتعبير عنه قولا وفعلا، وممارسة عباداتهم وشعائرهم بكل حرية.
يونس، ذي 37 سنة، والقاطن بالدار البيضاء، حكا لنا قصته الأولى لاعتناقه الديانة المسيحية، والتي تعود بدايتها إلى تعرفه على قس مسيحي من دولة فرنسا، أصبح صديقا له منذ سنة 2010، قبل أن يلقنه دروسا في المسيحية ويوقعه في حبها، ليعتنقها صيف سنة 2011.
يونس، عزى سبب اعتناقه الديانة المسيحية، إلى راحته النفسية التي وجدها في الديانة الجديدة، عوض الإسلام الذي وجد فيه على حد قوله غموضا والتباسا، وأمورا غريبة على مستوى تاريخه وقصصه !
وأوضح المسيحي المغربي، في حديثه لبيان اليوم، أن تدينه للإسلام كان عن طريق الفطرة ليس إلا، وكان إكراها لشخصه من طرف الأسرة والمجتمع، قبل أن تتاح له الفرصة للبحث والتقصي بمساعدة صديقه القس الفرنسي الجديد الذي بعث له بكتب وأقراص مدمجة، تشرح له المبادئ وتلقنه الدروس وتوجهه لحفظ التراتيل.
وعن خروج تنسيقيتهم إلى العلن بعدما كان يمارس أعضاءها شعائرهم الدينية في الخفاء والسر، قال يونس، إنهم لم يعودوا يطيقوا التستر والمضايقات وحان الوقت لرفع الحضر على أنشطتهم، استنادا إلى دستور سنة 2011، الذي يقول بضمان ممارسة كل الأفراد شؤونهم الدينية في إطار احترام القانون.
ولم يخف ذات المتحدث خفوت المتابعات والمضايقات من طرف رجال السلطة، «التوقيفات انقطعت تقريبا، وهذه خطوة كبرى! كما باتت المضايقات نادرة وتبقى من واقع المجتمع»، مضيفا أنه يعيش إيمانه منذ إشهاره «بشكل طبيعي في حي شعبي أمام أنظار جيرانه المسلمين وبعلمهم».
مجلس بدون رأي
سبق لعدد من أعضاء تنسيقية المسيحيين المغاربة أن التقوا بالأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، الذي استمع إلى مطالبهم، ووعدهم بأنها ستكون من أولويات المجلس في أجندته، لكن في الوقت نفسه أخبرهم أن مطالبهم ستأخذ بعض الوقت، على حد قول مصطفى السوسي، الناطق الرسمي باسم التنسيقية.
بيان اليوم اتصلت مرات عديدة بأعضاء المجلس، لاستقاء رأيهم في الموضوع، غير أن الهاتف ظل يرن دون مجيب.
مصدر للجريدة بالمجلس، أوضح أن أعضاء ومسؤولي هذا الأخير، أعطيت لهم أوامر بالإحجام عن الكلام لوسائل الإعلام الوطنية والدولية التي تبحث في الموضوع.
وأفاد ذات المتحدث أن التنسيقية هي التي من حقها أن تتكلم مع وسائل الإعلام وتدافع عن مطالبها، و»المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليس له رأي، ولن يرد على أسئلتكم».
استنادا إلى هذا يبقى دور المجلس في هذا الصدد محدودا جدا، نظرا لعدم إعطائه الضوء الأخضر في تبني الملف وتقديم رأيه الاستشاري في الموضوع.
وجها لوجه
وجهت التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين، خلال منتصف شهر أبريل من السنة الجارية، رسالة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، من أجل الاستجابة إلى مطالبهم، التي يعتبرونها بسيطة ومشروعة.
وطالبت التنسيقية، التي تضم 21 عضواً، بالسماح بـ»إقامة الطقوس المسيحية بالكنائس الرسمية، والزواج الكنائسي، وتسمية الأبناء بأسماء يرتضيها الآباء لأبنائهم، والتعليم الديني، يجب أن يكون اختياريا للمسيحيين المغاربة، والدفن عند الممات بالطريقة المسيحية».
واعتبرت التنسيقية في الرسالة، أن «الملك محمد السادس أمير لكل المؤمنين، على اختلاف مللهم، ونحلهم، ودياناتهم».
وأشارت أيضا إلى الاستجواب الصحافي الأول منذ سنوات لجلالة الملك محمد السادس، والذي خص به الصحافة الملغاشية، شهر نونبر 2016، أثناء زيارته لجزيرة مدغشقر، مفيدين «تصريحات الملك تكريس لنا في الاعتقاد المكفول بمضامين، وأحكام الدستور المغربي، والتي تتماشى مع التزامات المملكة المغربية في إعمال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان».
ولم يفت التنسيقية أن تشير إلى الفصول الدستورية التي يمتحون منها شرعيتهم، مستشهدين بالفصل الثالث منه، الذي يقول «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية»، علاوة على الفصل الواحد والأربعين، والذي مفاده «الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية».
وختمت التنسيقية رسالتها في الأخير بعبارة: «ندعو الرب أن تنجحوا في مهامكم كرئيس للحكومة المغربية التي نعول عليها لإحقاق حقوقنا كمؤمنين مسيحيين مغاربة».
مؤمنون ومواطنون في عالم يتغير
بعدما بات الشأن الديني في المغرب يقتصر على ثنائية الإسلام واليهودية، تواصل المسيحية كملف صعود أسهمها داخل المؤسسات الرسمية والهيئات العليا للدولة.
فأياما قليلة بعد استقبال المجلس الوطني لحقوق الإنسان مجموعة من المسيحيين المغاربة المطالبين بحقوقهم الدينية، ومراسلة تنسيقيتهم لرئاسة الحكومة، احتضنت أكاديمية المملكة، يوما دراسيا خاصا.
اللقاء، الذي نظمته الأكاديمية بشراكة مع المجلس البابوي لحوار الأديان التابع للفاتيكان، خصص لحوار مباشر بين شخصيات فكرية مغربية وأساقفة وكاردينالات وممثلين للديانة المسيحية.
منظمو اليوم الدراسي اختاروا له موضوع: «مؤمنون ومواطنون في عالم يتغير»، إذ حرصوا على تأطيره باستشهادات متكررة من الرسالة الملكية الموجهة إلى مؤتمر مراكش، حول حقوق الأقليات الدينية، الذي انعقد في يناير من العام الماضي (2016).
أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل الحجمري، كان قد افتتح اللقاء بالقول إن المغرب أرض للتسامح وحماية غير المسلمين، مستشهدا بقول الملك محمد السادس: «إننا بوصفنا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، نضع على عاتقنا حماية حقوق المسلمين وغير المسلمين على السواء، نحمي حقوقهم كمتدينين بمقتضى المبادئ المرجعية الثابتة التي أشرنا إليها، ونحميهم كمواطنين بمقتضى الدستور، ولا نجد في ذلك فرقا حسب المقاصد والغايات».
من جانبه، اعتبر رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان، الكاردينال جون لويس توران، أنه يتفق مع كثير من مضامين الإعلان الصادر عن مؤتمر مراكش، مشددا على أن الناس هم مؤمنون ومواطنون في الوقت نفسه، وأن تهميش المخالفين في الدين أو حصر ممارستهم لتدينهم في المجال الخاص فقط، أمر مقلق ومزعج جدا.
إذن هي المبادرة الأولى من نوعها لأكاديمية المملكة تحرس توجها رسميا يهدف إلى الانفتاح على المكون المسيحي في المجتمع المغربي، والذي ظل يعتبر طابو وموضوعا مرتبطا بحملات التبشير والتنصير التي تستهدف بعض الفئات الفقيرة والهشة بالمغرب.
بين «حرية المعتقد» و»الحمدلة»
المجتمع المغربي منقسم إلى مؤيد ومعارض لحقوق المسيحيين في ممارسة شعائرهم بالمملكة، فهناك من الآراء من ذهبت إلى أن الردة عن الإسلام إلى المسيحية تبقى قناعات شخصية، كيفما عبر عن ذلك حميد العياشي.
وزاد ذات المتحدث: «لا يمكن إجبار أي أحد على الإيمان بأشياء لا يجد راحته فيها، فمعهم كامل الحق في ممارسة شعائرهم الدينية دون تضييق أو تهديد بحكم الردة مثلا، قد نختلف معهم في العقيدة لكننا إخوة في الوطنية».
وأردف موضحا أن: «المبدأ العام أنه لا إكراه في الدين، وليس من مسؤوليات الدولة أن تضع شرطي داخل عقل كل مواطن، فالإيمان هو قناعة ذاتية، من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر».
وقال هشام لمسيفر، في ذات الصدد: «يجب على الحكومة أن تعطي كامل الحرية للمواطنين، شرط عدم المساس بحرية الآخرين، مع العمل في ذات الوقت على نشر السلم والتسامح والتعايش داخل المجتمع، علاوة على الحث على حسن الجوار ونبد العنف كيفما كان شكله، وأعتقد أننا بهذه الطريقة سنعطي لبلدنا دفعة قوية نحو التقدم والازدهار وستتلاشى تلقائيا العديد من المشاكل».
ويضيف هشام في حديثه للجريدة: «ما دام لا يوجد أحد ضربهم على أيديهم، أو ضغط عليهم باعتناق الديانة المسيحية، وعلى اعتبارهم بالغين و يعرفون ما يعملون، فمن حقهم تغيير أسمائهم بأسماء مسيحية، ومن حقهم الصلاة في الكنائس، والدفن بعد الموت في مقابر مسيحية، لأنه كيف يعقل أنهم مسيحيون و بعد مماتهم يدفنون في مقابر إسلامية !، وأتمنى أن يكون القانون منصفا معهم.. والمغرب تغير».
إلا أن البعض الآخر، ارتأى في الموضوع ردة وغلوا وقصورا في فهم الدين الإسلامي كما عبرت عن ذلك كريمة برور التي عزت سبب التحول إلى المسيحية للظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي يستغلها المبشرون المغاربة المسيحيون لاستقطاب أعضاء جدد لتنسيقيتهم.
وأبرزت برور أن: «كل مرتد على دينه الإسلامي يجب محاكمته ومعاقبته، احذروا إنها ظاهرة بدأت تتفشى في المغرب وبدأت تخرج إلى العلن بمبادرة وتأييد وتمويل أجنبي، ضد الإسلام والأمة الإسلامية».
***
مصطفى الشكدالي : قضية الردة مسألة شخصية والمجتمع ليس وصيا على الآخرين
قضية الأقلية مسألة مغلوطة، لأن الموضوع فيه توظيف سياسي أكثر منه ديني أو أخلاقي، لذلك لولا تصيد الظروف السياسية الراهنة لهذه الفئة، ما كان لها أن تعلن نفسها وأن تخرج إلى العلن، لأنه كان من الممكن أن تطرح هذه القضية في إطار حرية الأديان، وحرية العقيدة، غير أنهم لجئوا إلى الجانب السياسي وتصيد الظروف الملائمة للضغط والمطالبة بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بشكل قانوني.
وألاحظ أن جدلية الدين والدولة، يجب أن يواكبها المستوى التشريعي والقانوني، حتى لا تعتبر هذه الأقلية تنظيمات غير شرعية، على اعتبار الحق يجب أن يكون منصوص عليه في قوانين الدولة انطلاقا من دستورها وقوانينها الدولية المصادق عليها.
بالإضافة إلى هذا، يجب إعادة قراءة التاريخ، لنعرف ما هي العوامل التي محت الديانة المسيحية من المغرب، فهذا الأخير مرت منه العديد من الحضارات تعايشت مع المسيحية، نذكر منها؛ الحضارة الرومانية والوندالية والبيزنطية والفينقية، لذا يبقى السؤال كيف غابت هذه الديانة من المغرب؟ وكيف اندثرت من شمال إفريقيا؟.
فهؤلاء المسحيين الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين مغاربة، عليهم أن يجتهدوا في دراسة التاريخ، ويحاولوا أن يثبتوا هذه الأمور، عن طريق التنقيب في أثر الثقافة والفكر ليؤكدوا بها شرعيتهم، ويحاجوا بها كأدلة قوية إن كان فعلا هدفهم الحقيقي هو اعتناق ديانة معينة، والدفاع على مبادئها والاقتناع بها في إطار حرية العقيدة، لتكون مواقفهم صلبة وقوية أمام معارضيهم، وكذا التشريعات الأخرى التي تقف ضدهم.
فغياب هذه الأسس يُبقي هذه التنظيمات مشاغبة، وتنسيقيات تهدد استقرار المغرب، لأنه ستكون صراعات داخل المجتمع بين هذه الأقليات والبعض الآخر الذي يعتبرهم حركات تشويشية واستفزازية تود زعزعة الاستقرار في المجتمع المغربي.
لتفادي مثل كل هذه الأمور يجب علينا أن ننفتح على التاريخ والقانون والعديد من مجالات البحث العلمي التي من الممكن أن تساهم في الموضوع، وتعطيهم الحق في المناداة بحقوقهم الإنسانية، علاوة على عدم اعتبارهم ممولين من جهات أخرى، كالكنيسة والمجتمعات المسيحية القوية كالولايات المتحدث والغرب، حتى يستقووا بها على بعض الشعوب الأخرى ذات الديانة المخالفة والضعيفة عسكريا واقتصاديا وثقافيا.
أما مسألة الردة فهي حرية شخصية وتهم الأفراد بعينهم، ولا يمكن أن نقول إن هذا مرتد في الوقت الذي لم يكن أصلا مسلما، نظرا لعدم أدائه الشرائع وإيمانه بالإسلام كديانة حقة يعمل بمبادئها، فوجوده في أسرة مسلمة هو ناتج فقط عن الوراثة، لذا فالمرتد هو الذي كان يؤمن بدين الإسلام وملتزما بالمبادئ الدينية في الأصل.
وتعود خلفيات هذه الظاهرة إلى أحداث 2003 بالولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي نهضت هذه الأخيرة والغرب وشنوا حربا ضروسا على الإسلام باعتباره دين الإرهاب والإرهابيون، إذ وجدوا ضعاف الإيمان في هذه المجتمعات المزرية يمولونها لينفذوا مخططاتهم، لذا فقضية الارتداد أو الردة مسألة فيها نظر.
وعلى مستوى قبول المجتمع والأسر للأفراد معتنقي الديانة المسحية فهو أمر عادي جدا ويجب أن يتقبله الجميع، فالمسلم الحق يجب عليه أن يتعايش معهم، لأنه «لا إكراه في الدين»، و»من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وهذه مسألة أساسية في الإسلام.
وحري بالذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام حدث له نفس الأمر مع عمه عبد المطلب، حيث كان يحاول أن يهدي عمه إلى الإسلام، وبعد رفضه، نزلت الآية الكريمة «إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء»، إذن هي قناعة شخصية، ولا إكراه في الدين، لذلك فالمجتمع الذي سيحارب هذه الأشياء فهو جاهل لتاريخ دينه وحضارته.
يوسف الخيدر (صحافي متدرب)