ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.
الحلقة الاولى
المئات من الجنسيات كانت حاضرة في ذلك المساء بشيفول. المغاربة وحدهم طالبوا بأن تعاكس طائرتهم القواعد وتهبط وسط العاصفة.
هاهي حادثة طريفة واقعية تقول بلا شك شيئا مهما عن عقلية المغاربة. لكن ماذا؟ لا أعرف الشيء الكثير، لكم أن تفسروا لي.
حدث هذا خلال الأسبوع الماضي، يوم الخميس 23 فبراير حتى أكون دقيقا. كانت العاصفة على أشدها في أمستردام (عاصفة تسمى دوريس من طرف خبراء الحالة الجوية). السلطات الكفأة تقرر -للاحتراز- إغلاق مطار شيفول الذي يربط أمستردام بكل بلدان العالم.
تم توقيف كل شيء. لم يعد بمقدور أي طائرة الإقلاع أو الهبوط.
في شيفول، من الطبيعي أن يستاء الآلاف من المسافرين، حيث كانوا مضطرين لقضاء الليلة في عين المكان، في ظروف غير مريحة تماما، أو العودة من جديد إلى المدينة للبحث عن فندق بثمن مناسب.
على كل، هذه أشياء جاري بها العمل. نعبر عن تذمرنا ثم نستسلم.
عندما أقول «نتذمر»، ينبغي أن يفهم من ذلك أنه يتم بواسطة مئات من اللغات المختلفة، لأن شيفول مطار دولي، يشكل محورا بين أربع قارات.
الغريب أن هناك لغة واحدة هي التي لم تعبر عن تذمرها في ذلك المساء بالمطار: اللهجة المغربية (دارجتنا العزيزة) الممزوجة بتاريفيت.
لماذا؟ لأن المغاربة، على خلاف الصينيين والبيروفيين والإنجليزيين والزامبيين.. (يمكن أن نطيل كثيرا في سرد اللائحة..)، عوض أن يتذمروا ويحتجوا، رفضوا بالإجماع الانصراف وطالبوا بأن تقلع طائرة الخطوط الملكية المغربية، لوحدها وسط الليل الحالك، لوحدها وسط العاصفة. كان كل واحد منهم يحمل مبررا ما: إقامة حفل زواج بالناظور، التسوق في الحسيمة، اصطياف في شاطئ طنجة، إلى غير ذلك.
المسؤولون عن المطار وعن الخطوط الملكية المغربية حاولوا التفاوض. كان يكفيهم أن يظهروا كيف أن الأشجار انحنت بفعل قوة الرياح وكيف أن قنينات الماء التي تضربها قد تكسر الزجاج. بدون فائدة. «طائرتنا يجب أن تقلع».
يطلق المغاربة صيحتهم:
«ما مفاكينش».
القضية صارت تكتسي خطورة كبيرة إلى حد أنه تطلب المناداة على المسؤول الرئيسي في سفارة المغرب، هو الذي كان قد حكى لي هذه الواقعة الطريفة في اليوم التالي. إنه رجل كفء، له إلمام جيد بالإجراءات. السلطات المتواجدة بالمطار تصرفوا باقتدار.
إذا قرروا إغلاق المطار، لا أحد، بما في ذلك الشيطان، باستطاعته أن يعترض.
المسؤول الرئيسي كان ملزما بأن ينتقل إلى شيفول لأجل تهدئة مواطنيه، وحدهم الشرفاء فرضوا أن تخرق طائرة الخطوط الملكية المغربية القواعد وتقلع في عز العاصفة.
آن لي أن أطرح السؤال الآتي:
لماذا؟ لماذا نحن وحدنا من يتصرف هكذا؟
ربما هناك نوع من القدرية في هذه الحالة. أن يكون إعصار أو لا يكون، الله وحده يحسم في نهاية الأمر في مصيرنا. إذا شاء أن تصل طائرة الخطوط الملكية المغربية بدون عراقيل، فليكن.
أو ربما أن الماضي المعقد للريفيين الذين كان قد تم اضطهادهم في زمن سابق، هو ما جعلهم متوجسين من كل ما يقال لهم (لأن الريفيين بالخصوص هم من كانوا في الطائرة).
ماذا؟ عاصفة؟ ماذا؟ زوبعة وإعصار؟ كل هذا، إحدى عراقيل السلطة (أي سلطة..) والفاسيين الذين يريدون تسميم حياتنا.
إذا وجدتم تفسيرات أخرى، أرسلوها إلينا من فضلكم. سأكون سعيدا لفهم ما حدث في ذلك المساء في شيفول.
ترجمة: عبد العالي بركات