الأديب خالد أقلعي: نعاني من غياب تصور حضاري واضح لطبيعة المواطن الذي نريده

 تنخرط بلادنا على غرار البلدان المتحضرة في الاحتفال بالدخول الثقافي؛ بهذه المناسبة كان لبيان اليوم اتصال بمجموعة من المبدعين والنقاد، من أجل الحديث عن الأعمال الجديدة التي يهيئونها للطبع، وقضايا أخرى ذات صلة بالثقافة بوجه عام، ومن أبرز المحاور التي تناولناها معهم:
 قراءة للحركة الثقافية خلال السنة الجارية. تقييم الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية: اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر بالمغرب. قيمة القضايا التي يناقشها المغاربة راهنا ومدى مستوى هذا النقاش. محاولة لتفسير غياب العديد من الأسماء الأدبية والفكرية عن ساحة النشر. المحاكمة القضائية للإنتاج الأدبي والفكري..

 مسرحية قيد الطبع

– نشرت في طائفة من الأجناس الإبداعية مثل القصة والرواية والنقد والترجمة وأدب الطفل، وآمل أن تصدر أول مسرحية لي وعنوانها»الصّدع» السنة المقبلة إن شاء الله. وهي حوارية جميلة تعرض لطبيعة الصّدع القائم ما بين أبناء الأم الواحدة، وكيفية ردمه.

 هيمنة الوسائط السمعية البصرية    

– على مستوى الإبداع تسير الحركة الثقافية الوطنية بنفس الوتيرة التي كانت عليها خلال السنوات الماضية، مع تسجيل إيجابية ارتفاع نسبة المنشورات بعد الدعم المقدم من قبل وزارة الثقافة، وطبعا ما ينشر يصنف ضمن مستويات علمية متفاوتة. لكن، وضعية التلقي الثقافي، الأدبي على وجه الخصوص، تعيش أسوأ حالاتها لمجموعة من الأسباب، منها ما يرتبط بوضعية القراءة اليوم، عالميا بالأحرى وطنيا، فضلا عن هيمنة الوسائط السمعية البصرية على اهتمامات الناس، وتراجع الدور الذي تلعبه النوادي الثقافية المدرسية في تكوين الناشئة، وطبعا هذا الأمر يعكس هامشية الثقافة في التصور الحضاري الوطني العام، الذي يكتفي بنمط خاص من الثقافة الكرنفالية، التي لا قدرة لها على التأثير في الناس، وتغيير سلوكهم الحضاري خدمة لمشاريع التنمية الوطنية، لا أعتقد أن الثقافة الديكور يمكن أن تنتج شيئا غير أن تبذر المال العام يمينا وشمالا. ولكن، هذا النمط من الثقافة مرتبط بغياب تصوّر حضاريّ واضح لطبيعة المواطن الذي نريده.

 أشبه ما تكون بنكتة

– إن أبرز حدث ثقافي وطني بالنسبة إليّ، هو محاكمة المبدع المغربي عزيز بن حدوش، والاعتداء عليه قبلا، بسبب روايته «جزيرة الذكور»، لأن المسألة بدت أشبه ما تكون بنكتة؛ محاكمة روائي في مجتمع يعجز المرء فيه عن توزيع مائة رواية، وإن كنت أعلم أن دوافع الاعتداء والمحاكمة لم تكن ثقافية بقدر ما كانت رغبة في الانتقام من قبل أحد الدهماء.

   فسحات يتنفّس فيها الأدباء

– أعتقد أن الأنشطة الثقافية بمنزلة فسحات يتنفّس فيها الأدباء هواء ثقافيا وإنسانيا يشعرهم بأنهم لا يزالوا على قيد الحياة، وأن هناك آذان يمكن أن تستمع إليهم، تماما كما يحدث في بعض الزوايا الروحية التي توفّر لمرتاديها الفرصة ليجذب ويشطح.. وفضلا عن دور التحسيس بأن الثقافة في المغرب لا تزال على قيد الحياة، لا أعتقد أن ما تقوم به هذه الإطارات من أنشطة، مشكورة، يمكن أن يكون مؤثّرا في الحياة الوطنية ما لم تحظ هذه الإطارات بشيئين اثنين: الاستقلالية والحرية التامتين في ممارسة العمل الثقافي، وميزانية خاصة من الدولة المغربية لممارسة هذا الاستقلال، وهذه الحرية في التعبيرين الإبداعي والفني. وطبعا نحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة.

جزر متناثرة هنا وهناك

– الحقيقة أن كلّ القضايا الثقافية التي تناقش وطنيّا على قدر كبير من الأهمية، لكن كثيرا منها، على ما أعتقد، يتداول في سياق مناسباتيّ عابر، وينتهي به المطاف إلى مجاري النسيان، وهذه مسألة بديهية في غياب مؤسسة ثقافية وطنية قوية من ناحية الشرعية والمالية والقدرة على تبني الأفكار الجيدة، وتنفيذها، ومتابعة التنفيذ، لتكون الأفكار الجديدة إضافة للسابقة، مكملة لها أو ناسخة. العمل الثقافي عندنا جزر متناثرة هنا وهناك، التيه هو مصير كلّ من يرغب في أن يموقع نفسه داخلها.

 الاهتمام بالأرقام أكثر من بالأفكار    

– غابت أسماء كثيرة جدا، ووازنة جدّا، وحتى التي لا تزال مؤمنة بضرورة مواصلة المسيرة الثقافية إنما تفعل ذلك بدافع شخصيّ، مقاومة بذلك الفراغ والشيخوخة والخرف، وطبعا ما سبق أن أوردته بخصوص غياب تصوّر ثقافي مستقرّ، واضح ومثمر يستعصي على من يرغب في ممارسة الثقافة، في بعديها الإنساني والحضاري المنتجين، أن يأنس إلى ما تفرّخه ثقافة الرّيع، التي لا تؤمن إلاّ بمنطق الشلّة والمحسوبية والرّبح، والتي تهتم بالأرقام..أكثر من اهتمامها بالأفكار. ولكن، مع ذلك، يأبى مرضى التفاؤل أن يرفعوا الراية البيضاء، أملا أن يروا نقطة نور على المدى القريب أو المتوسط.

معركة حامية الوطيس

– قلت: إن محاكمة الإبداع في أيامنا هذه بمنزلة نكتة. ولكن، في ظلّ الصّدع الذي أصبح يتّسع بين المواطن العادي والمبدع الذي يتحدّث باسمه ويعبر عن آلامه وآماله، وبين أصحاب السلطة والنفوذ الذين يتوقون دائما إلى قمع الحريات أو على الأقلّ لجمها. أعتقد أن المعركة ستكون حامية الوطيس، وأن الخطوة التي ينبغي أن تتخذ في هذه الفترة هو ردم هذا الصدع الذي أخذ في الاتّساع، وأكثر ما أخشاه هو أن يبتلعنا جميعا ما لم نبادر إلى ردمه عن طريق الحوار، واحترام الحريات العامة والفردية، وتقديس العدالة الاجتماعية، بما يجعل القانون سيدا على الجميع. إن ما يعيشه المغرب من أمن واستقرار نسبيين فرصة تاريخية لن تعوّض أبدا، لترسيخ أسس الدولة الديمقراطية، وأيّ تفريط في ذلك، بدافع الخوف، أو التردّد، أو القناعة بالقليل، أو اليقين المطلق في أهمية بعض النظريات السياسية، أو بعض التحالفات الاستراتيجية التي يثبت التاريخ دائما أنها قد تكون مصدر خطر محدق..إن أي تفريط في هذه الفرصة التاريخية، كيف ما كان مبرّره، هو مغامرة كبيرة غير مأمونة العواقب.

  حقيقة مهمّة  

– أعتقد أن الأنسب عند أيّ دخول ثقافي، أن نعرض محصّلة الموسم الثقافي الماضي، ونعرف مميزاتها، وحدود فعاليتها. ولا بأس أن نرفع شعارا لكلّ موسم ثقافي نسعى لتنفيذ مقتضياته، وتحقيق ما نسطّر فيه من أهداف حتى لو كانت قليلة، وحبّذا لو كانت قليلة، لأنه سيسهل علينا حينئذ التأكد من حقيقة مهمّة: هل مركبنا الثقافي يسير، فعلا، أم أنه لا برح مكانه؟ أم أنه ينزل إلى الأعماق؟
وطبعا الإجابة على هذا السؤال مهمة جدّا في المرحلة الثقافية الراهنة.

إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top