لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.
موريتانيا 1/2
الكادحون
شكل الحزب الشيوعي الموريتاني الاستثناء المغاربي والعربي، حيث ولد مستقلا عن المدرسة السوفيتية، إذ كان حزب الكادحين الموريتاني الذي تأسس على يد عناصر وطنية مواليا للصين، مختلفا بذلك، عن الأحزاب الشيوعية المغاربية الأخرى، على اعتباره أيضا، نشأ في تيار عروبي، وليس فرنسي كباقي الأحزاب العربية الأخرى.
وكانت بداية الحزب الشيوعي الموريتاني، أو بالأحرى “حزب الكادحين الموريتاني” خلال سنة 1968 عندما عقد اجتماعا سريا في قرية توكومادي في ولاية كوركول جنوب موريتانيا، ضاما الاجتماع عناصر شيوعية وقوميين عربا، من أبرزهم محمد ولد سميدع، الذي كان يدرس الطب في جامعة دكار، والمصطفى ولد بدر الدين الذي تلقى تكوينا تقليديا في المدارس الموريتانية العتيقة، حيث أنشئت عقب ذلك، منظمة ذات توجه ماركسي ماوي عرفت باسم “الحركة الوطنية الديمقراطية”.
وقامت هذه الحركة بجهود جبارة، وقدمت تضحيات جسام في توعية المواطنين بحقوقهم، حيث زرعت فيهم روح الرفض والتمرد ضد الحيف الذي يمارس بحقهم، وقامت بحملة واسعة لتعليم المواطنين في القرى والأرياف..
وظهرت كحركة سياسية يسارية تدافع عن الطبقات المسحوقة والبروليتاريا (المزارعين والعمال…)، وجاءت كحركة متمردة ضد ثقافة الإقطاع المتمثلة في منظومة القبيلة التي كانت سائدة ما قبل تأسيس الدولة، كما أنها جاءت لتحارب الفئوية، وتناضل من أجل تحرير العبيد من الجلادين، وترفع راية الوطنية والمساواة كمبادئ حمراء، كما يعود لها الفضل في الإصلاحات التي قام بها نظام المختار ولد داداه، حيث تم التخلص من الفرنك الفرنسي وإنشاء عملة وطنية.
وكان يعتبر الكادحون الماويون الموريتانيون، أن الشيوعيين ليسوا حزبا منفصلا في مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى، وليست لهم مصالح منفصلة عن مصالح عموم البروليتاريا أي الطبقة العمالية المسحوقة، مؤكدين بأن الهدف مشترك بين جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى، أي الأحزاب التي تسعى إلى تشكيل طبقة لإسقاط هيمنة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة.
وإذا كان الاتحاد السوفيتي وخاصة إبان حكم خروتشوف كان يسعى لسياسة مسالمة مع الدول المستعمرة بما فيها البرجوازية، فإن الصين كانت ترى بأنه على الدول النضال لنيل حريتها واستقلالها، وهذه الرؤية وجدت انعكاسا لها بين الدول التي كانت تناضل ضد الاستعمار بشكلها القديم والجديد، وفي هذا الاتجاه أثرت الصين على القوى الشيوعية واليسارية العربية، لا سيما الموريتانية.
إلى جانب هذا تأثرت التجربة الشيوعية الموريتانية، بثورة الطلاب في فرنسا عام 1968، وهو ما دفع سميدع إلى الرجوع نحو موريتانيا منقطعا عن دراسة الطب في دكار، حيث تفرغ بعد عودته، للنشاطات السياسية، قبل أن يخطفه الموت وهو في ريعان شبابه بسبب مرض عضال خلال سنة 1970.
وكانت شعارات الحزب الشيوعي الموريتاني تقوم على مقولة الثورة الزراعية، استلهاما من الفكر الماوي، إذ كان الشيوعيون الموريتانيون يوزعون نسخ كتاب ماو تسي تونغ “الكتاب الأحمر” كما كانوا متأثرين بزعماء الشيوعية في فيتنام هوشيمِن وشوين لاي ويدعون من خلال نشرة “صيحة المظلوم” السرية إلى تحرير العبيد وتحريض المزارعين على الثورة.
> إعداد: يوسف الخيدر