لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.
بيد أن هذا التقارب لم يدم طويلا، إذ في سنة 1932 تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية، أعلنت الأخيرة، وفق نايف الهنداس، عن قطع علاقتها مع الاتحاد السوفييتي، واصفة إياه بـ”الدولة الشيوعية الملحدة والمحاربة للإسلام”.
وكشف الهنداس في مقال له، حول “الحزب الشيوعي السعودي”، أنه بالرغم من هذه القطيعة وحظر تشكيل الأحزاب الشيوعية وحرمة تبادل المؤلفات الشيوعية، إلا أن وصول الأفكار اليسارية للمملكة كان مستمرا عن طريق الموظفين العرب الموجودين بكثرة آنذاك في مجالات التعليم والصحة.. (فلسطينيين ومصريين ولبنانيين)، والذين كانوا يجلبون معهم أعدادا من مجلات وصحف شيوعية مثل صحيفة “النداء” و”الصرخة” الصادرتين عن الحزب الشيوعي اللبناني.
من هنا، فإن هذه العوامل ساعدت في ترسيخ الأفكار اليسارية كمفاهيم وتحويلها لمطالب على أرض الواقع، إلى جانب ذلك، ساهم أيضا وجود عناصر بحرينية يسارية هربت من الملاحقة الأمنية في البحرين إلى المناطق القريبة منها في المنطقة الشرقية في السعودية، (ساهم) في تشكيل بعض المنظمات، علاوة على وجود بعض الشيوعيين العراقيين الذين خرجوا من العراق بعد إعدام يوسف سلمان (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي في 1948 ومطاردة الشيوعيين في العراق.
ونتيجة هذا الوعي الشيوعي في السعودية، شارك وفد مكون من الشيوعيين السعوديين في مؤتمر للشيوعيين في الشرق الأوسط والأدنى عام 1950 في جورجيا، بهدف تقوية العلاقة بين الشيوعيين في المنطقة.
وأدت الأفكار الشيوعية آنذاك، في الدولة السعودية إلى تنظيم مجموعة من الإضرابات، كإضراب عام 1953 لعمال شركة أرامكو، الذي كان حدثا مفصليا في الحياة السياسية والنضالية في المنطقة ومؤشرا على تبلور هذه الأفكار اليسارية، حيث تمكنت الحركة من التسبب بشلل تام في صناعة النفط، ونتيجة هذا الوعي التضامني لدى القوى العاملة، أجبرت السلطات على إطلاق سراح العناصر القيادية التي اعتقلت نتيجة حركة الإضرابات الكبرى، وأودعت سجن العبيد في منطقة الأحساء.
وخلال الفترة الممتدة بين 1958 و1975، تم تأسيس جبهة التحرير الوطني، التي كانت تركيبتها ذات طابع وطني، وكان يغلب عليها العنصر الشيوعي حتى عرف التنظيم بأنه تنظيم الشيوعيين، وضمت هذه الجبهة مثقفين وعمال ومنتمين لطبقة البرجوازيات الصغيرة، وكان من بين مطالبها؛ إجراء تغييرات كبيرة في البلاد والنضال من أجل نظام يعبر عن مصالح الشعب ويعادي الإمبريالية والصهيونية والرجعية.
وطالبت الجبهة ذاتها، بالديمقراطية وحق إنشاء الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، وإلغاء الرق، وتطوير التعليم، ومكافحة الأمية، وتحسين المستوى الصحي، ووضع المرأة، وإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية، والعديد من الإصلاحات الاقتصادية مثل؛ الإصلاح الزراعي والاهتمام بالتصنيع وغيرها.
وفي غشت من سنة 1975 تم تأسيس الحزب الشيوعي السعودي، حيث أعلن عن برنامجه ونظامه الداخلي عندها، مؤكدا في بيان له، على ضرورة النضال، من أجل خلاص الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، وذلك من خلال تنظيمها وحشدها وتوحيدها.
وكان يلح قادة الحزب على أن ظهور الحزب هو في الواقع امتداد لجبهة الإصلاح الوطني، ثم جبهة التحرير الوطني التي كانت قد تأسست خلال سنة 1953 (تم حلها من قبل السلطات في 1956)، حيث أملته الضرورة الطبقية والوطنية والأممية، وحاجة الطبقة العاملة إلى حزبها السياسي للتعبير عن مصالحها الأساسية الحيوية ضد مستغليها ومستعبديها، استنادا إلى الجمع بين الفكر العلمي والعمل الثوري، الرامي إلى تحرير المجتمع في الأخير.