في عز موسم الصيف، تتحول عدة مدن مغربية إلى مناطق تشكو انقطاعات متكررة في مياه الشرب، ويصبح صيفها جحيما تتوزع المعاناة فيه بين البحث عن إرواء الظمأ وبين التخفيف من حر المناخ وقلة ذات اليد نتيجة تباطؤ الحركة الاقتصادية إن لم نقل شللها.
انقطاع المياه يبدو أمرا موسميا عاديا في مناطق تشكو أصلا شح إمدادات السماء وغياب السدود. لكنه يصبح غريبا وغير مستساغ في مدن مثل وزان وخنيفرة وآزرو ومكناس ومراكش، تتواجد بها عدة وديان بل وتعد مصدر للمياه الرئيسية التي تتزود بها عدد من المناطق بالمغرب.
أزمة المياه هاته باتت مشكلا بنيويا حيث لم يقتصر تسجيل أزمة التوفر على مياه الشرب على موسم أو فترة محددة تم خلالها إيجاد حلول مؤقتة، بل يمتد الإشكال لسنوات. ففي بعض هذه المدن تواصلت المعاناة لأكثر من 40 سنة، كمدينة وزان التي تتفاقم بها الأزمة خلال الصيف وعيد الأضحى أيضا. ولم تفلح مختلف المجالس المنتخبة التي تعاقبت على المدينة في إيجاد حل أو معالجة الأمر بشكل جذري، رغم أن الإقليم يوجد بترابه سد الوحدة الذي يعد أكبر بنية مائية على المستوى الوطني، فضلا على أن الإقليم يعرف تساقطات مطرية مهمة خلال فصل الأمطار.
الأمر نفسه ينطبق على مناطق أخرى، بل بحدة أقوى بلغ صداها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي أبدت قلقها من اتساع دائرة الاحتجاجات بالعديد من المناطق والقرى والمداشر، خصوصا النائية منها، التي تعيش فوق صفيح ساخن بسبب تردي الخدمات العمومية والبنيات التحتية الأساسية الكفيلة بضمان التزود بالماء بشكل كاف وصحي.
وسجلت الجمعية من خلال فروعها القريبة أن مدنا عديدة وضواحيها، منها وزان، خنيفرة، أزيلال، آزرو، بركان، قلعة السراغنة، زاكورة، شيشاوة، شتوكة آيت باها، تارودانت، والماس، مكناس، مراكش، الحوز، اليوسفية، عرفت خلال الفترة الأخيرة انقطاعات متكررة للمياه، رغم أنها على مرمى حجر من موارد الماء، مما جعل الآلاف من المواطنين يعيشون وضعية مأساوية أرغمتهم على الانتظار ساعات طويلة وأحيانا عدة أيام للحصول على كميات محدودة من الماء لا تكفيهم لتلبية حاجياتهم الأساسية ولتوفير المياه الضرورية لأنشطتهم.
جمعيات أخرى أبدت استغرابها من هذا التناقض الصارخ بين القرب من موارد المياه وتواصل أزمة العطش لدى ساكنة عددا من المدن والقرى التي تتفاخر بدنو مبانيها من مصادر المياه الرئيسية بالمغرب، وضياع مواردها المائية في أنشطة يديرها مسؤولون يفضلون توفير وتلبية الحاجات المتزايدة للفضاءات السياحية القريبة المستنزفة للماء خلال هذه الفترة من السنة.
بهذا الخصوص، أفادت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنه “في الوقت الذي يفترض فيه من السلطات الوصية النظر بعين الجد والتفاعل الايجابي العاجل مع مطالب المحتجين بهذه المناطق؛ عجزت المؤسسات المعنية عن إيجاد حلول معقولة ومستدامة تحترم وتحمي حق المواطنين والمواطنات في الحصول على الماء واستعماله بشكل كاف وذي جودة
واستنكر المكتب المركزي للجمعية، ما اعتبره استخفافا تبديه القطاعات والمؤسسات والوكالات المعنية بقطاع الماء بمصالح المواطنين والمواطنات، شاجبة الصمت المطبق على هذه الانتهاكات، التي وصفتها، بالسافر، لحقوق السكان الاقتصادية والاجتماعية وخاصة حقهم في الماء، داعيا السلطات المعنية إلى التفاعل الجدي والايجابي مع الساكنة المحتجة، من خلال فتح حوار معها والاستجابة لكل مطالبها المشروعة، إعمالا لالتزامات المغرب الأممية في مجال حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تعد جزءا لا يتجزأ منها.