“أخبروه أنه الحقيقة الوحيدة في ميزان أيامي سكناه أنا وإن خذلته جميع النساء” (1) وأنت تطالع للشاعرة التونسية المبدعة سماح بني داود، تدرك أنك إزاء تجربة تنحاز إلى الأنثوي، وتسخّر له العديد من الميكانزيمات، من أجل استفزاز ماهيته، واستنطاق خباياه وأسراره.
يتبدى ذلك لغة وخطابا وأسلوبا، فهذه المبدعة تضرب من قلب القوة الناعمة، معتمدة على معجم العشق الصافي، الغزير بالدلالة وتناسلات أنساق محاكمة راهن الأنثوي، عبر جملة من التصورات التي تتنفس من خلالها الذات المبدعة، هويتها المشتهاة، الرامية إلى أنوثة كاملة، عذراء الصفحات، لا تلطّخها الغطرسة الذكورية، أو الفحولة المقنّعة.
تتوسل صاحبة المجموعة التي بين أيدينا، ملامح خلاص الأنثوي، من وجع توارثته أجيال قمع الحضور المضاد الذي قد تسجله أصوات الأنثى المتمرّدة، المنقلبة في كتاباتها على السياق النمطي المكرور، كضرب من عقوق نسق الأحجية وزمكانها، والنص حتّى.
تبعا لما يمنح انطباعات التحول والتحرر المنشود. كذلك هي الممارسة الإبداعية، حين تكون معادلا لهوية الأنثوي في غمرة صراعات مسكونة بروح بناء ملامح المغايرة، بحيث تكتب “سماح” بطلاقة وأريحية وسلاسة، لتغيض عشاقها الخونة، وهي لا تحتاج لمنح مبررات.
تصمت لتنزف كينونتها المثقلة بأخطاء العاشقين وحماقاتهم.
مبدعة تمجّد البياض، وتخوض مقامرة التشظي ما بين متاهاته، لتعلن حربها على زمن يقيس الأنثى بمنسوب اللذة وصبيب الشهوانية.
تشاكس برؤى قريبة جدا، من الإدراك، بل ومنوّمة في وعي الجنس المقابل، متشبّعة بسلطة الماضوي واسترسال جبروته.
من طقوس هديلها الذي تفجره، احتماء بالمعنى الزئبقي النافر، الذي يريحها هي، معنى أن يكون العاشق الخائن ملهما، ديدنه ارتجال الغياب.
لنتحسس ونستشعر معها، غبنها الوجودي هذا، ووجعها الكوني، وهي تدافع عن هويتها كأنثى، تتكالب عليها الخيانات، وتيأس من حياة فتح نوافذ للإنسانية، عبر خيارات الغفران، وهضم مشاهد القمع الذكوري، حدّ ، يوقعها في دوامة جلد الذات.
تبلور أحاسيسها، على نحو عار، مكشوف بالتمام، لأنها طفلة الشعر، حتّى وهو يجرحها بالطغيان، طغيان الوهم أو مطاردة خيوط السراب.
تتدرج في خطابها الشعري، ما بين إدانة الوطن والحبيب والحالة.
لا تهادن وهي تغتصب كامل هذا البياض، بأنشودة الأنثوي، على مزاجها هي، وسجيتها الموقدة بشموع الذاكرة.
إذ، إيقاعات الاسترجاع، تعد من أبرز أسلحتها، ضدّ تجليات الآني المرضية، ورشق النرجسي، بتجاوزاته، الصانعة لكامل هذا الوجع، في انثيال سمومه للأنثوي.
نسوق لها التماعات أخرى ،نجردها، تباعا، كالآتي: (أخبروه أن روحه هنا عالقة وان روحي بين حناياه جاثمة تقطف من الوقت أمنية لتحلق كفراشة بلا أجنحة في سمائه (2) لأنها بهذه الطاقة، هذه القدرة على التحدي، المستمد منه أملا، بأوبة الحبيب، وعدل الوطن، وملائكية الحالة، تثرثر ولا تدس الضغائن، تفضح المكنون، تستدرج الطرف الآخر إلى فوقية للتصافي والخلاص والتكامل، تبسط يدا بيضاء وقلبا مفتوحا، للنوع الخائن المتسربل بأقنعة شتى، عساه يفطن إلى مشاتل النضارة والجمال والهشاشة وقوة المرمر، الذائب مع التباسات الأنثوي الواخز بمنظومة قلقه وتشكيكه وأسئلته الحارقة.
تعلن صمودها وإصرارها على رشق زمن الخيانة وانطفاء الوطن وذبول المشهد، بالورد، ورد أمل العاشقة، طفولية الهوية، التي لم تخلق لمثل هذا الجلد والقمع والإهمال.
هوامش:
من نص ” ولي …قميصه المعطّرُ بالذكرى 1-
2- من نص ” ولي…قميصه المعطّر بالذكرى
بقلم: أحمد الشيخاوي