الشيخوخة، العزلة، المرض النفسي، الفقدان، الاغتراب، الجنون، الحب، الخوف… تلك بعض التيمات البارزة التي تتناولها أشرطة الدورة السابعة عشر لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي المقام حاليا بطنجة، والذي سيسدل الستار على فعالياته مساء السبت القادم، بالإعلان عن الأفلام الفائزة.
الغرض من هذه الورقة هو إبراز مواضيع هذه الأفلام، بغض النظر عما إذا كانت الرؤية الإخراجية قد توفقت في هذا الموضوع أو ذاك، أم لم تتوفق.
سعى الفيلم الجزائري “الشيخ قلب اللوز” إلى ملامسة بعض الجوانب النفسية للإنسان المسن الذي أرغمته الظروف على العيش في عزلة، غير أنه لا يستسلم لقدره، ومن ثم ينقل لنا مخرج الشريط صراع البطل في محاولة للتأقلم مع هذه الحياة الصعبة.
ويستحضر الشريط الجزائري “تويزة” الحرب الأهلية التي عرفها هذا البلد، وما تخلفه من أزمات نفسية.
وينقلنا الفيلم الكرواتي “الكلاب السوفياتية” إلى الظروف التي يكون عليها الإنسان وهو محاصر في مكان مأساوي، حيث لا مجال للتواصل مع الغير، وبالرغم من كل شيء يظل متشبثا بأمل الخروج من هذا الوضع المأساوي.
ويأخذ الفيلم الكرواتي “البئر الأخيرة” طابع أفلام الخيال العلمي، حيث أن أحداثه تدور في سنة 2037، حيث يصور لنا أوروبا في حالة فوضى، وحيث لن يبقى هناك أي مصدر للحصول على الماء، سوى بئر واحدة في ملكية أحد الأشخاص، مما يضع الجميع في وضعية حرجة.
وفي الفيلم المصري “لما جات عشرة” تحضر حالة الانتظار بكل ثقلها، وإن كانت مدتها لا تتجاوز عشر دقائق، حيث أن الأمر يتعلق بتغيير مصير إنساني.
ويعد الفيلم الإسباني “فجأة بالليل” من الأفلام التي تعالج المشاكل النفسية بكل أبعادها، خاصة في المحيط الأسري، وتجلى ذلك بالخصوص في الخوف الذي ظل يعتري الزوجة من فقدان رابطة الحب التي تجمعها بزوجها، نتيجة حالات الحمل المتكررة الفاشلة التي مرت منها.
ويتطرق الفيلم الإسباني “أتضور جوعا” لموضوع الشيخوخة، وما يترتب عنه من أفكار غير مألوفة، يتجلى ذلك بالخصوص في اقتناء البطلة العجوز كاميرا ونظارات لتحسن من رؤيتها للواقع.
بدوره، يتطرق الفيلم الإسباني “والدة ماطيو” لموضوع الشيخوخة، حيث يجد الإبن صعوبة في تقبل التأثيرات السلبية التي خضعت لها والدته على إثر تقدمها في العمر، سيما وأنه سيقوم بزيارتها بعد غياب طويل عنها.
وفي الفيلم الإسباني “الكرة الأرضية تنادي آنا”، يصور لنا المخرج ظروف الإنسان حين يجد نفسه في عزلة عن العالم، وكيف يمكن استمداد القوة لمواجهة هذا الوضع.
ويحضر عالم الطفولة في الشريط الفرنسي “شقة عمر” من خلال وصفه حالة التبول اللاإرادي، ومحاولة التغلب على هذه الحالة المرضية، ومما أضفى حالة التشويق على الشريط أن الطفل المريض كان في ضيافة أحد أقاربه.
وفي الشريط الفرنسي “أغنية أحمد” ينقلنا المخرج إلى فضاء آخر، هو فضاء الحمام، وما يدور بين جدرانه من علاقات غريبة، سيما وأن هذا الفضاء مشرف على الإغلاق النهائي.
ويسعى الشريط الفرنسي “لا تسأل عن طريقك” إلى نقل ظروف عيش البطلة التي تعاني من مرض نفسي، وهي في محاولة تجاوز هذا الوضع، حيث سيدفعها ذلك إلى اتخاذ قرارات صعبة، من ذلك تغيير الطبيب الذي ظلت تتابع عنده العلاج لمدة طويلة، والبحث عن طبيب نفسي آخر.
ويتطرق الفيلم اليوناني “آزان” إلى اختفاء الابن الذي يعمل في سلك الجندية، ومدى انعكاس ذلك على نفسية الأم، ومن ثم صراعها لأجل العثور عليه.
ويطغى على الفيلم اليوناني “ريحان” البعد النوستالجي، خاصة وأن البطل سيعود إلى مسقط رأسه بعد غياب طويل.
وينقلنا الفيلم المغربي “أبناء الرمال” إلى فضاء مخيمات تندوف، حيث محنة الأسر في محاولة التخلص من وضعية الاحتجاز التي توجد فيها.
ويتطرق الفيلم اليوناني “بطاقات بريدية من نهاية العالم” إلى موضوعة العزلة، ومدى انعكاسها على الفرد، وبالتالي محاولة التخلص من هذا الوضع الرتيب والممل.
ويتناول الفيلم الإيطالي “أليكسيا” الحالة النفسية للفتاة التي تسعى إلى التخلص من حملها غير المرغوب فيه، عن طريق الإجهاض، سيما وأنها تنتمي إلى عائلة فقيرة.
وتحضر في الفيلم الإيطالي “ضوضاء” الأزمة الزوجية بكل تناقضاتها.
ويتناول الفيلم الإيطالي “يوسف” أزمة الهوية، التي تترتب عن العيش في المهجر، بعد الحصول على جنسية البلد المضيف.
مشاكل الهجرة تحضر كذلك في الفيلم المغربي “ياسمينة” حيث تواجه إحدى الأسر المغربية، قرار الترحيل، ويقوم أحد أفرادها -الفتاة ياسمينة التي تمارس رياضة كرة القدم- بالاحتجاج على ذلك عن طريق إثبات وجودها وحث زميلاتها في الفريق الرياضي على التحدي والانتصار.
ويحضر في الفيلم اللبناني “من العين” طابع الفجيعة، من خلال تتبع مصير طفلة، مسجونة في مؤسسة علمية غريبة.
على خلاف جل أفلام هذه الدورة، يتم في الشريط اللبناني “رقصة الأمل” توظيف الرقص، حيث أن الحكي يتم عن طريق رقص البطلة وتفاعل الجمهور معه.
وفي الشريط المالطي “الرجل الكلب” تحضر تيمة العزلة، والسعي للخروج من هذه الحالة، عن طريق اللجوء إلى الرفق بالحيوان.
ويدور الشريط المغربي “الشانطي” في فضاء القرية، الغريب في هذا الفضاء أن الرجال منعدمون ويتم بالتالي تصوير إحدى الأمهات وهي في محنة لإيجاد زوج لابنتها.
وفي الفيلم المغربي “رقصة البجع” يجري توظيف الموسيقى باعتبارها لغة تفاهم كونية.
تلك إذن، التيمات الرئيسية لبعض الأفلام التي تتبارى على جوائز هذه الدورة، وإذا كانت العديد من مواضيع هذه الأعمال السينمائية القصيرة، تتقاطع في ما بينها، فإن ما يميزها عن بعضها البعض بطبيعة الحال، هو تلك الزاوية من المعالجة المختلفة وتلك الرؤية الخاصة بكل مخرج على حدة.
مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات