تساهم الغازات الدفيئة في إحداث تغيرات كبيرة في مناخ الأرض، إذ تعمل على حبس الحرارة المنبعثة من الشمس والمرتدة عن سطح الأرض، ولا تسمح بنفاذها إلى خارج الغلاف الجوي، وبالتالي يصبح معدل حرارة الأرض ملائما لاستمرارية الحياة لجميع الكائنات الحيوانية و النباتية، إلا أن ارتفاع تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي منذ انطلاق الثورة الصناعية، وحتى إلى يومنا هذا أدى إلى ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة كوكب الأرض بشكل عام، الشيء الذي أكدته تقارير هيئة علماء المناخ.
ويعتبر ثاني أكسيد الكربون أهم الغازات الدفيئة، في حين هناك غازات دفيئة أخرى تتسبب بظاهرة الاحتباس الحراري، ومنها غاز الميثان وأكسيد النيتروز والهيدروفلوروكربون، وسداسي فلوريد الكبريت والبيروفلوروكربونات، والمواد المستنفذة للأوزون وبخار الماء، وهذه الغازات كلها تتسبب في إحداث تغيرات واضحة في مناخ الأرض و قد يمتد تأثير بعضها لمئات السنوات مما يستلزم تكاثفا للجهود الدولية للحد من تراكمها في الغلاف الجوي للأرض.
وتشير الدراسات البيئية إلى ارتفاع تركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي بنسبة 151% منذ عام 1750 حتى الآن، حيث يبلغ تركيزه الآن 1060 جزءا من المليار، وهذه النسبة ليست ثابتة بل تتذبذب، حيث بلغت عام 1983 نحو 1610 أجزاء من المليار، وارتفعت إلى 1745 جزءا من المليار عام 1998 ثم انخفضت بعد ذلك، علما بأن أول عملية رصد لتركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي وبشكل دقيق تعود إلى عام 1983 وقبل ذلك كان يتم قياس تركيزه في الهواء المستخلص من عينات الثلوج والطبقات الجليدية.
ويعتبر الميثان السريع الاشتعال من أخطر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، حيث يتفوق على ثاني أكسيد الكربون بنحو 25 مرة، أما حالة استقراره في الغلاف الجوي فتبلغ نحو تسع سنوات وهي أقصر من بعض الغازات الدفيئة الأخرى طويلة الأمد، حيث يتأكسد الميثان في الغلاف الجوي.
يأتي غاز الميثان من مصادر طبيعية وأخرى نتيجة نشاطات الإنسان اليومية، وتبين الدراسات أن نحو 40% من الميثان الموجود في الغلاف الجوي ينتج من المناطق الرطبة المتواجدة على سطح الأرض، حيث تعمل بعض أنواع البكتيريا الدقيقة على التحليل اللاهوائي للمواد العضوية كأوراق النباتات والمخلفات الزراعية والحيوانية، كما تسهم النشاطات الزراعية المختلفة في انبعاث هذا الغاز، كما هو الحال في حقول زراعة الأرز والتي تنشط فيها الكائنات الدقيقة الموجودة في تربة الحقول المغمورة بالمياه، تحلل المواد العضوية بغياب الأوكسجين لتنتج غاز الميثان.
هذا وقد نتج عن ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات انبعاث لكميات هائلة من غاز الميثان القابع في قيعان بعض محيطات العالم والمتجمد تحت ضغط مرتفع جدا وحرارة متدنية، فقد لوحظ انطلاق فقاعات من الميثان بين حين وآخر من قيعان بعض المحيطات، كالساحل الشرقي للولايات المتحدة والحافة القارية في فانكوفر الكندية ومقابل السواحل اليابانية.
دور هام في الحد من تأثيرات الاحترار
إن ما يثير مخاوف العلماء حاليا هو أن نشاطات الإنسان الصناعية والزراعية وحرق الوقود الحيوي تتسبب في انطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وكذلك انبعاث كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الأخرى، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع حرارة الأرض مما نجم عنه انطلاق للميثان القابع منذ زمن طويل ومستقر في قيعان بعض المحيطات وفي المناطق المتجمدة، مما سيتسبب في تدهور الحالة المناخية في العالم وبوتيرة أسرع مما يتوقعه الباحثون حاليا.
وأثار باحث ألماني بارز جدلا علميا كبيرا بعد أن زعم أن الأشجار تطلق كل عام ملايين الأطنان من غاز الميثان في الغلاف الجوي، ما يزيد من تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري وبالتالي زيادة مشكلة تلوث البيئة.
وأكد الباحث الألماني فرانك كيبلر من معهد ماكس بلانك للكيمياء ما توصل إليه فريق الباحثين الذي يترأسه أن غاز الميثان ينبعث من النباتات الحية وتسبب هذا الاكتشاف غير المتوقع في وقوع جدل بين علماء الأحياء من جهة وعلماء كيمياء الغلاف الجوي من جهة أخرى.
ومن المعروف أن البكتيريا في التربة أو المواد المتحللة تنتج غاز الميثان في ظل انعدام الهواء، لذلك لا يوجد سبب واضح أو آلية تطلق النباتات الحية من خلالها هذا الغاز وسط بيئة غنية بالأكسجين.
ويعتقد كيبلر أن هذا الاكتشاف ستكون له تداعيات مقلقة، إذ أن انبعاثات الميثان من النباتات والأشجار قد تصل إلى ملايين الأطنان في العام الواحد وهو الأمر الذي سيلغي فهم العلماء لمصادر الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري ويجعل كل أبحاثهم دون أساس.
وتلعب الأراضي الرطبة دورا رئيسيا في التخفيف من آثار تغير المناخ، مما يدعم التكيف معه والصمود أمامه. فالأراضي الرطبة الخضراء والسليمة تعتبر من بين أكثر بالوعات الكربون فعالية على هذا الكوكب الأخضر، ومع ذلك، فإن هذه الإمكانات الهامة التي تتمتع بها المناطق الرطبة لا تحظى للأسف بالتقدير الكافي خلال وضع خطط وبرامج ومشاريع مواجهة تغير المناخ.
ورغم أهميتها، تبقى الأراضي الرطبة من بين أكثر النظم الإيكولوجية تأثرا بعواقب تغير المناخ حتى وإن كان طفيفا، إضافة إلى التغيرات في الأنظمة الهيدرولوجية، المتمثلة خاصة في ارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض منسوب المياه السطحية والجوفية.
ومن المعلوم أن الأراضي الرطبة تعزل كميات هائلة من الكربون وتخزنها وتمثل عاملا مساعدا للحد من الزيادة المتنامية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إذا ما تمت حمايتها من المضايقات البشرية.. ولكن في المقابل، وبمجرد تجفيف الأراضي الرطبة أو حرقها، فإنها تتحول إلى مصدر هام للغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، وهي ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، والتي تطلقها في الجو.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجفاف يضعف قدرة الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة على تقديم خدماتها المعتادة الأخرى، مثل الإمداد بالمياه وتحسين نوعيتها والسيطرة على الفيضانات، والحماية من العواصف وما يترتب عليها من آثار إيكولوجية واجتماعية واقتصادية وخيمة.
واستنادا إلى العديد من الدراسات العلمية، تنظر مجموعة الخبراء إلى أي مدى تمثل فيه الأراضي الرطبة أنظمة لاحتجاز الكربون، وكيف يمكن أن يؤدي تجفيفها وتدهورها إلى إعادة إطلاقها للكربون المخزن فيها وغيره من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
المغرب .. 300 موقع وجهود متواصلة
ويعاني المغرب، كباقي بلدان العالم، من آثار تغير المناخ، ولعل هذا هو السبب الوحيد، الذي جعله يعكف على الانضمام إلى الوعي العالمي بهذه الإشكالية المناخية والتوقيع على الاتفاقيات البيئية الدولية ذات الصلة، حيث حرص المغرب من خلال التوقيع على اتفاقية (رامسار) سنة 1982، على تنفيذ مخططاته الاستراتيجية وذلك بالانخراط في سياسة المحافظة والتنمية المستدامة للمناطق الرطبة عن طريق تضمينها في المخطط المديري للمناطق المحمية وتجهيزها بالآليات والأدوات اللازمة لتحقيق التدبير المستدام لهذه المناطق.
ويتوفر المغرب على حوالي 300 موقع ذو أهمية ايكولوجية وبيولوجية تمتد على مساحة تقدر ب 400 ألف هكتار، تتميز بتنوعها وشساعة مساحتها، منها عدة مناطق رطبة تتعرض للتدهور البيئي الممنهج والتجفيف المباشر منها بحيرة الوليدية بإقليم الجديدة، وبحيرة دار بوعزة بالدار البيضاء، وبحيرة التقدم بالرباط، وضاية عوا بإفران.
وإذا كانت المنطقة الرطبة “بحيرة الوليدية” قد تم تحديد مجالها كمكان ذي أهمية دولية بموجب اتفاقية مؤرخة في 15 يناير 2005، التي تمت صياغتها وفق مبادئ معاهدة “رامسار” لـــــــــــــــ 2 فبراير 1971، وتم تبعا لذلك وضع خطة عمل متكاملة لتنمية وحماية البحيرة، لم تر النور ليومنا هذا، بل الأكثر من ذلك تم تسجيل غياب التدابير والإجراءات التي كان من المفروض على الحكومة المغربية القيام بها، لحماية المنطقة الرطبة للوليدية وبحيرتها من كل المخاطر البشرية التي تهدد منظومتها البيئية، والحفاظ على وضعها كمحطة إيكولوجية وطنية متميزة، والحد من أي استغلال بشع لهذه الثروة الوطنية الثمينة، وضمان تنميتها المستدامة وحمايتها، وكذا الإجراءات والتدابير المتخذة للحفاظ على الثروة الحيوانية و النباتية المرتبطة بهذه الأماكن وحمايتها، خصوصا السلاحف و السحالي والطيور المهاجرة وغيرها، وتتعرض بحيرة الوليدية لمختلف أنواع التدمير جراء حفر قناة للصرف باتجاه المحيط الأطلسي بها، مما يهدد استمرار وجودها مستقبلا.
و تعتبر بحيرة دار بوعزة آخر بحيرة طبيعية من هذا الحجم في الشريط الساحلي الرابط بين الدار البيضاء والوليدية، و تضم هذه البحيرة أزيد من 68 نوعا من الأنواع النادرة من الطيور المهاجرة، وتعتبر من الثروة اللامادية للمغرب، و تعرضها للتجفيف المستمر سيهدد الأسماك بالنفوق، و تفاجأ سكان منطقة دار بوعزة خلال السنة الفارطة بتراجع مستوى مياه “ضاية دار بوعزة” بمستويات غير مسبوقة، رغم التساقطات المطرية المهمة التي عرفها المغرب بشكل عام ومنطقة دار بوعزة بشكل خاص.من المناطق
وأصبحت المملكة المغربية ملزمة بالمحافظة على البيئة باعتبارها من بين الأولويات الاستراتيجية الدولية المصاحبة للتنمية، منذ توقيع المغرب على اتفاقية التنوع البيولوجي والمصادقة عليها في سنة 1995، خلال قمة الأرض بريو البرازيلية، هذا الالتزام دفع بالمغرب لإعداد استراتيجية وطنية لحماية التنوع البيولوجي، من خلال إعداد دراسة وطنية للتنوع البيولوجي بالمغرب، وضع برنامج وطني، تحيين الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تمتد إلى عام 2030.
وكان المغرب قد فاز بالمرتبة الثالثة وراء كل من بوروندي وكولومبيا بجائزة أفضل آلية لتبادل المعلومات في مجال التنوع البيولوجي خلال مؤتمر الأطراف (COP14) لاتفاقية التنوع البيولوجي المنعقد بشرم الشيخ بجمهورية مصر العربية السنة الماضية، وهو بذلك ملتزم بتنفيذ الخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011-2020، مع رؤية ترمي إلى تقييم تثمين التنوع البيولوجي والمحافظة عليه، واستخدامه بنجاعة.
فبعد أن كان المغرب بين الدول العشر الأوائل خلال المؤتمر السابق (COP13) المنعقد شهر دجنبر 2016 بدولة المكسيك، تمكن من احتلال المراتب الأولى لما قدمه من مجهودات كبيرة خلال السنتين الماضيتين خاصة فيما يتعلق بالقيام بتقوية قدرات الدول العربية والإفريقية في إطار التعاون جنوب – جنوب.