في ظل ظروف الحجر الصحي، وإجراءات حالة الطوارئ المعمول بها على الصعيد الوطني، بسبب جائحة كورونا، أو ما يصطلح عليه ب”كوفيد 19″، وتزامنها مع أجواء شهر رمضان، وما يترتب عن ذلك، من فترات فراغ طويلة، وزمن مهدور، ووقت ضائع، يضطر غالبية الناس إلى الانشغال بما هو متوفر، خاصة الملتزمين منهم بالبقاء داخل البيوت، على أمل قتل الوقت، وملئ الفراغ في انتظار الفرج، أو لحظة الخلاص، التي ينتظرها الجميع بفراغ الصبر .
بالنسبة للجمهور الرياضي، وأمام توقف كلي للمنافسات الرياضية وخاصة كرة القدم، وجدت الأغلبية الساحقة من المشجعين نفسها أمام ساعات طويلة من الفراغ، وهى التي تعودت على الانشغال الكلي بالمستجدات والأخبار والمتابعات، والانخراط التلقائي في النقاشات والجدل المرافق للنتائج الرياضية، وما تسفر عنه المواجهات الأسبوعية، وحضور المباريات ومتابعة الحصص التدريبية، والسفر عبر المدن.
فجأة وبدون سابق إنذار، وجد الآلاف من المتتبعين الرياضيين أنفسهم أمام حالة غير مسبوقة في التاريخ، توقف تام للحركة الرياضية، ضرورة المكوث بالمنازل، والأكثر من ذلك طول المدة، والتي وصلت منذ الإعلان عن تطبيق هذه الإجراءات إلى شهرين كاملين، ولا شيء في الأفق القريب يوحي بانتهاء هذه الحالة الطارئة، مع أننا لا زلنا نقول إنها مجرد فترة مؤقتة وظرفية.
من حسن الحظ أن تطور وسائل التواصل، مكن من إيجاد البدائل الجاهزة، مما سمح بسهولة الارتباط بالأصدقاء وأفراد العائلة، واستغلال الإمكانيات التي توفرها المواقع الاجتماعية، وتيسير سبل الوصول إلى المعلومة والأرشيف، بما تمنحه أو تسمح به محركات البحث المتعددة. كلها وسائل ووسائط خففت كثيرا من وطأة هذه الظروف العامة الاستثنائية والصعبة.
إلا أن المثير في هذه الأجواء غير المسبوقة، انشغال الآلاف المتتبعين من جمهور ناديي الوداد والرجاء، بتاريخ المواجهات وأخبار المباريات السابقة وتاريخ التأسيس، وأبرز المحطات المرتبطة بمسارهما، وأسماء الشخصيات التي طبعت تاريخهما الطويل والحافل.
كل هذا يعتبر في الواقع ظاهرة صحية، نظرا لمساهمتها في إغناء النقاش والتعريف أكثر بتفاصيل مرتبطة بظروف النشأة والتطور، إلا أنه للأسف تحدث انزلاقات وانحرافات، وغالبا ما يتطور الأمر إلى حدود الإساءة المقصودة، وبكثير من الإصرار والترصد.
ففي غياب أرشيف متكامل وتاريخ مؤرخ يتضمن معطيات دقيقة دون تأويل أو تحريف، يصبح الأمر جد صعب، خصوصا بالنسبة للجمهور الرياضي العادي الباحث عن كل التفاصيل الخاصة بناديه المفضل، مع ما يترتب عن ذلك من انسياق وراء التأثيرات العاطفية وأساليب التهييج المتعددة.
فما يروج هذه الأيام من صور ومعطيات وتفاصيل يغلب عليها للأسف طابع التعصب إلى حدود العدوانية، وهذا تهور لا علاقة له بالتنافس الشريف، ولا الصراع المطلوب الذي يساهم عادة في التطور .
ففي الكثير من الأحيان يصل الحد إلى التجريح والإساءة اللفظية والشتائم، والمس بأعراض الناس وحرمة العائلات، بل تتطور الأمور أحيانا إلى حدود الاعتداء الجسدي، وهذا انحراف حقيقي، بل إجرام متكامل النعوت والأوصاف.
وأمام مثل هذه الحالات الشاذة والمؤسفة، لابد من تدخل الحكماء والعقلاء من الجانبين وما أكثرهم، وهذه مسألة مطلوبة وضرورية، قصد تطويق الخلافات الهامشية التي تسيطر على ذهن العديد من المحبين المتعصبين، وجعل الصراع في حدوده الطبيعية والعادية، والحفاظ على أسلوب النقاش المنطقي المبني على الشروط الحضارية المتعارف عليها، في كل الحضارات الإنسانية.
محمد الروحلي