من المؤكد أن السلطات العمومية في بلادنا بذلت جهودا كبرى في التصدي لتفشي فيروس “كوفيد – 19″، ولا ينكر ما تم إنجازه على أرض الواقع سوى أعمى أو من ينطلق من اعتبارات المزايدة، ولا شك كذلك أن المقاربة الشجاعة لجلالة الملك منذ البداية نجحت في تجنيب بلادنا كثير كوارث بهذا الخصوص، لكن مع ذلك تنفيذ هذه المقاربة الملكية وأجرأتها، بقدر ما كان جيدا في الفترة الأولى، فقد شمله التراخي التدبيري الميداني في الفترة الموالية، كما أن ما يلفت الانتباه هو أساسا ضعف التنسيق والتماسك على مستوى الحكومة، وغياب حضورها السياسي القوي وسط المجتمع، وعدم انسجام السلوك التواصلي لمكوناتها الحزبية.
هذا الواقع على صعيد الأغلبية الحكومية الحالية برز أصلا منذ مدة ويعرفه الجميع، وخلال فترة هذه الجائحة بات يتكرر ويظهر للناس في أكثر من مناسبة.
ما حدث مثلا عند طرح ما عرف بـ “قانون تكميم الأفواه” يعتبر دليلا، وما حدث في الإعلان المرتبك عن تمديد حالة الطوارئ الصحية ولعبة التسريب البليدة هو أيضا دليل، ثم إن ما حدث كذلك الأربعاء الماضي في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة بالبرلمان يعتبر، بدوره، دليلا ثالثا وليس أخيرا على التنافر داخل هذا الائتلاف الحكومي، حيث كان رئيس الحكومة في مواجهة فرق المعارضة، (وهذا طبيعي)، وأيضا في مواجهة انتقادات وجلد فرق من أحزاب الأغلبية.
مبدئيا يفترض أن التحالف الحكومي يأتي إلى المؤسسة البرلمانية موحدا خلف رئيس الحكومة، وبعد أن يكون الاتفاق قد حدث بين مكوناته الحزبية وامتداداتها البرلمانية، وصار الفهم والمقاربة مشتركين، ويدخل القبة للدفاع المشترك عن مشاريع القوانين، وعن البرامج والتصورات والآراء، لكن عندنا نحن في حالتنا المغربية صارت هذه البديهيات بعيدة المنال، ولم يعد يعرض البرلمان أمامنا سوى فرجة سمجة بلا أي معنى.
التفكك والتنافر داخل أحزاب الأغلبية يأتينا مقترنا بضعف كبير في مستوى النقاش السياسي داخل قبة البرلمان، وهو ما يزيد في دفع المغاربة نحو النفور من السياسة وتبخيسها.
من غير المفهوم أن تتمسك بعض أحزاب الأغلبية وتصر على مواصلة انتمائها إلى الحكومة والاستفادة من موقعها هذا، وفِي نفس الوقت تأتي إلى البرلمان لتوزع الانتقادات على ذات الحكومة ورئيسها، وتتبنى خارج البرلمان الخطاب التواصلي المعارض، وكأنها لم تتفق يوما على برنامج الحكومة ولم تصوت عليه، أو ليس لديها وزراء يحضرون مجالس الحكومة ويشكلون السلطة التنفيذية.
ندرك فعلا أن الإدارة الترابية ومصالح وزارة الصحة يقدمون طيلة اليوم وعلى مدار الساعة تضحيات بطولية في الميدان لإنجاح معركة المغرب ضد الوباء، وحماية الصحة العامة واستقرار المجتمع، ولكن القصد هنا هو المضمون السياسي للسلوك الحكومي، وضرورة توفر بلادنا على حكومة منسجمة وموحدة ومتضامنة بقيادة رئيسها، الذي يجب أن يكون هو منسق كامل هذا التدبير الحكومي والمسؤول عنه، والحاضر الأبرز في الصورة السياسية والتواصلية العامة، ويصان دوره واعتباره.
إن هذا العبث الذي نتفرج على مشاهده وتمظهراته يوميا لا يرتبط فقط بالفترة الأخيرة بمناسبة مواجهة “كوفيد – 19″، ولكن أصلا هذا التحالف الحكومي منذ مدة لا يخرج من تنافر وتصدع داخليين إلا ليدخل في غيرهما، وبعض مكونات الأغلبية لا ترى في دورها سوى أنه هو العمل ليل نهار على إنهاك أحد أطراف التحالف وإضعاف شعبيته والتأثير على حضوره الانتخابي، ولم تعد تهتم حتى بإخفاء ذلك أو الإبداع في القيام به.
ولا يعني هذا السلوك العبثي سوى التمسك بالبقاء ضمن الأغلبية، وفِي نفس الوقت التغريد المنفرد وإظهار التناقض، وتبني خطاب المعارضة والنقد في الصحافة والتجمعات، أي تبني انتهازية مقيتة والعمل بها.
كل هذا يجعل حقلنا السياسي والمؤسساتي والحزبي عبثيا، ويفتقر إلى الوضوح و… المصداقية.
الأغلبية يجب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، ومن طرف كل مكوناتها الحزبية والبرلمانية مجتمعة، وذلك في البرلمان وخارجه، في التشريع والتدبير والرقابة، وفِي التجمعات والتصريحات، وأن تعتبر دورها الرئيسي في الحكومة هو العمل والإنجاز لفائدة المغاربة ولمصلحتهم، وأن المستقبل يبنى اليوم في بلادنا من خلال استعادة السياسة للمعنى، وللنبل والمصداقية، وأساسا من خلال تقوية سير البلاد لتطوير ممارستها الديمقراطية واحترام الدستور والمؤسسات.
إن المدخل السياسي الديمقراطي يعتبر جوهريا في بناء المستقبل ومواجهة تداعيات زمن كورونا، ومن يرى في “كوفيد – 19” فرصة لينقض على مكتسبات شعبنا وإحداث التراجع، هو لا يرى أبعد من أنفه، ويقود البلاد إلى الجدار، وهو لم يفهم شيئا من الدروس والرجات المهولة التي أحدثها زمن الوباء.
لنحرص كلنا على تفادي ضياع العقل.
<محتات الرقاص