ملف الأزمة الليبية وتشعباته المأساوية الميدانية يكتسب خطورته اعتبارا لما يعانيه الشعب الليبي يوميا، وما يتطلبه ذلك من تعبئة دولية لتحقيق السلم والأمن والاستقرار ووقف معاناة الناس، وبالنسبة لبلادنا فهي معنية به على أكثر من صعيد، ولعديد اعتبارات.
تعتبر ليبيا أولا بلدا مغاربيا، وبالتالي أحد مكونات المنظومة المغاربية الإقليمية، ومن ثم تبرز المصالح الحيوية للمملكة، وضرورة الدفاع عنها.
وإذا استمرت المأساة الليبية على ما هي عليه اليوم، وإذا نجحت قوى دولية وإقليمية متصارعة اليوم في الوصول مثلا إلى تقسيم البلد هناك وتمزيق وحدته، فمعنى ذلك أن المخاطر تشمل باقي بلدان المنطقة، وأيضا إذا تفاقمت الأوضاع الداخلية هناك بين المليشيات المسلحة، فإن من شأن ذلك تكريس الفوضى والانفلات الواسع، وهذا المآل كذلك يمثل تهديدا خطيرا للبلدان المغاربية.
ولهذا المغرب معني بالسؤال الليبي بشكل كبير، لأسباب وطنية كذلك.
الموقف الرسمي للمملكة بقي دائما ممتنعا عن التحيز لطرف ضد طرف آخر في الأزمة الداخلية الليبية، واستمر على هذا الصعيد واقفا على الحياد، كما أنه بقي يرفض كل الحلول العسكرية، وكل تدخل عسكري دولي أو أجنبي، ولم يساهم، من جهته، في أي تدخل عسكري داخل ليبيا، وحرص على الدعوة إلى الحل الديبلوماسي السياسي، وإلى الاستماع إلى كل الأطراف الليبية المتصارعة، وحثها على الحوار فيما بينها، والعمل من أجل تقريب رؤاها ووجهات نظرها، وكل ذلك لكي ينكب الليبيون أنفسهم على حل أزمة بلدهم وحدهم وفيما بينهم.
هذا الموقف الإيجابي الواضح، جعل المغرب محل ثقة معظم الأطراف الليبية، وجعل المملكة تتمتع بمكانة جيواستراتيجية كبرى لدى الليبيين.
وهذا التميز، هو الذي جرى ترسيخه بتوقيع اتفاق الصخيرات في دجنبر 2015 بين القوى الليبية، والذي يعتبر الإطار السياسي الوحيد الذي أقره مجلس الأمن الدولي، ويدعمه المجتمع الدولي كأساس لحل الأزمة الليبية.
مقابل هذا الموقف المغربي المتميز بالحرص على السلام، وعلى وحدة ليبيا وتفادي جرها إلى الفوضى أو تحويلها إلى ساحات معارك إقليمية ودولية، تعددت مناورات ومحاولات إقليمية ودولية للقفز على اتفاق الصخيرات وتجاوزه، وهناك حتى من لوح بتدخل عسكري لفرض تصوره للحل…
لكن التجارب السابقة وتعقيدات الأزمة الليبية تجعل كل هذه المناورات متجهة نحو الفشل والهزيمة، ولن تحمل أي حل حقيقي لمأساة الشعب الليبي، وستستمر، تبعا لذلك، الحاجة إلى إرادة سياسية دولية وإقليمية قوية وفعالة لصياغة مخرج دائم ومتفق عليه من الأزمة.
هذا الملف المشتعل حاليا في منطقتنا لا يعتبر بالنسبة للمغرب نقطة ضمن نقاط أجندته الديبلوماسية، ولكن الأمر يتعلق بقضية رئيسية تعني مصالحه الإستراتيجية الحيوية، وتهم أمنه الوطني واستقراره، ومن ثم هو معني بالحضور والفعل في كامل منظومة البحث عن الحل، ولا يمكن إقصاؤه أو تجاوز أهمية دوره في مختلف المساعي والمبادرات، خصوصا أنه نجح في جمع أطراف الأزمة الليبية قبل خمس سنوات في الصخيرات للحوار فيما بينهم، والوصول إلى التوقيع المشترك على اتفاق لا زال لحد الآن هو الوحيد الذي يجسد الأفق السياسي الواقعي للحل، ويحظى بتأييد ومساندة واسعين من المجتمع الدولي.
الرباط تتمسك، ضمن هذا الأفق الذي يجسده اتفاق الصخيرات، بوحدة ليبيا وسيادتها الوطنية، وترفض تقسيمها إلى دويلات وكيانات، وترفض أيضا أي تدخل أجنبي، وترتيبا على هذه الثوابت تحث الليبيين على الإمساك بقضيتهم بين أيديهم والسعي المشترك لإيجاد الحلول والتوافقات اللازمة، والانكباب على تحقيق السلم والأمن والاستقرار لوطنهم، والعمل من أجل البناء لمصلحة شعبهم.
< محتات الرقاص