لماذا الخوف من الحوار؟

من المشكلات التي تعاني منها منظومتنا التدبيرية العامة، هناك ضعف الحوار العمومي أو الإنصات إلى المعنيين في المجتمع، وذلك أثناء صنع القرارات وبلورة مضامينها.
لقد بات واضحا في السنوات الأخيرة وجود توتر يكاد يكون مستمرا حتى في علاقات الأحزاب فيما بينها، ويغيب التواصل بين عدد من قياداتها، فبالأحرى الحديث عن تحالفات استراتيجية جوهرية أو تنسيق في عمل مشترك أو مواقف موحدة، وهذا الواقع الغريب يشمل حتى مكونات الأغلبية الحكومية فيما بينها، وينعكس، بالتالي، هذا النفور العبثي على جودة التدبير الحكومي ونجاعته والتقائيته، وأيضا على مستوى الحصيلة التشريعية، وكذلك في مدى القدرة على الوفاء بالتزامات البرنامج الحكومي واحترام أجندته الزمنية.
من جهة ثانية، يسجل الكثيرون أن قرارات حكومية حساسة وأساسية يعلن عنها، لكنها مباشرة تؤول إلى الفشل، بسبب عدم التعبئة العامة والالتفاف حولها، ونتيجة عدم إشراك الفئات المعنية بها وممثليها في عملية صنع تلك القرارات والإسهام في بلورتها وتجويدها وإغنائها، وبالتالي تبقى الحكومة تعاند في الإصرار على رؤيتها الأحادية، ما يؤدي، في النهاية، بعديد قرارات إلى الارتطام بالجدار و… الفشل.
نستحضر هنا التوتر الذي نشب مؤخرا بشأن عرض الحكومة لمشروع قانون الإضراب أمام لجنة بالبرلمان، وانتهى الأمر بتبادل الانتقادات بين الحكومة والنقابات والفرق البرلمانية، ثم بتعليق الموضوع إلى موعد آخر.
ومؤخرا كذلك أوردت وزارة الشغل أنها استدعت المركزيات النقابية للحوار في فبراير 2020، لكن من دون استجابة من لدن المعنيين، ثم بادرت مرة أخرى ووجهت دعوة ثانية في يونيو الماضي، لكن نقابة واحدة هي التي لبت الدعوة…
ونتذكر كذلك التوتر الذي كان لف في الشهور الأخيرة عمل وهياكل بعض المنظمات الفنية، وكان واضحا أنه تفاقم بسبب ضعف صرامة السلطات الوصية في التدخل والحوار الموضوعي وتطبيق القانون، كما يمكن أن ندرج هنا أيضا الإجراءات الحكومية المعلن عنها لفائدة قطاع الصحافة والإعلام، والتي بالرغم من إيجابيتها، تمت بلورتها بلا أي حوار مسبق أو إنصات مسبق للمهنيين وهيئاتهم التمثيلية، ثم هناك أيضا استمرار معاناة قطاعات ومهن وفئات إلى اليوم جراء تداعيات الجائحة، لكن السلطات الحكومية، وأيضا لجنة اليقظة التي بنت عملها منذ البداية على الابتعاد عن الحوار الموسع أو المشاركة المفتوحة، لم ينفذا إلى عمق هذه المعاناة الحقيقية المعاشة…
كل هذا يرتبط بامتلاك الإرادة لإشراك الناس ومنظماتهم التمثيلية، من نقابات وجمعيات وأحزاب وهيئات مهنية ومدنية، في صنع القرارات المتصلة بواقعهم وعملهم وحياتهم ومطالبهم، وذلك حتى يستطيعوا بعد صدورها الالتفاف حولها والإسهام في تطبيقها وإنجاحها على الأرض.
إن عملية صنع القرار تعتبر مدخلا مهما لتقييم الكفاءة التدبيرية ومستوى انفتاح الحكومة، وأيضا لإدراك مدى حرص السلطات على أن يكون للقرارات والإجراءات التي تتخذها أو تعلن عنها الأثر المطلوب في الواقع وعلى حياة الناس والقطاعات المعنية، وأن يتحقق لتطبيقها الامتداد الميداني والموضوعي اللازم.
وحتى بعض الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية الجديد، والقرارات التضامنية المعلن عنها، كان سيكون مهما لو جاءت تتويجا لتواصل حكومي ذكي ولحوار سياسي جدي عبر الإعلام السمعي البصري، مما كان سييسر اقتناع الناس بأهميتها وتمتين التعبئة الوطنية الواعية لفائدة التضامن والتآزر لحفظ استقرار بلادنا وسلامتها الصحية والعامة.
من الضروري الخروج من وضعية التوجس والخوف من الشعب إلى رحابة التواصل المستمر معه والثقة فيه، وإشراك قواه الممثلة ومنظماته المهنية في مسلسلات صنع القرارات والتعبئة لتطبيقها وإنجاح مساراتها.
ليس طبيعيا في زمننا هذا، وفِي مثل هذه الظروف الصعبة التي يحياها بلدنا وكل العالم، أن تقرر السلطات إجراءات وتدابير والتزامات من دون أي تواصل مع ممثلي الفئات المعنية بها، أو أن تتجاهل وجهة نظرهم ومطالبهم، أو أن لا تستثمر خبراتهم ومعرفتهم العملية والتراكمية والميدانية.
لا نريد لحكومتنا وسلطات بلادنا أن تخاف من المغاربة أو من ممثلي الناس والقطاعات المهنية وأن تتجاهل وجودهم  وأن لا تنصت إليهم ولا تشركهم ولا تستحضر رؤاهم ومطالبهم.
هذه عقلية غارقة في التكلس والعتاقة، ولا مكان لها في عصرنا هذا، وهي لن تنفع البلاد في شيء.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top