نخبة من الكتاب يتحدثون لبيان اليوم عن راهن ومستقبل اتحاد كتاب المغرب في أفق مؤتمره الوطني الاستثنائي

اليوم مع الناقدة رشيدة بنمسعود

منذ عدة سنوات واتحاد كتاب المغرب يشكو من التشرذم. مختلف فروعه مجمدة. وبالرغم من المجهودات التي كان يقوم بها المكتب التنفيذي للاتحاد، من أجل بث الروح في هذا الجسد، فإن الوضع لم يتحسن قيد أنملة. ومما زاد الطين بلة، أن المؤتمر الوطني الأخير تعرض للفشل، وتم تبادل الاتهامات بين أطراف مختلفة. وكان لا بد من طرح السؤال: متى يتم وضع حد لكل الخلافات التي تعوق اتحاد كتاب المغرب عن مواصلة نشاطه؟
إذن، في أفق المؤتمر الوطني الاستثنائي لاتحاد كتاب المغرب الذي يجري الاستعداد لعقده، كان لبيان اليوم حوار مع نخبة من الكتاب المنتمين لهذه المنظمة العتيدة، للحديث حول راهنها ومستقبلها.

> كيف هي تجربتك الشخصية في اتحاد كتاب المغرب؟
< اكتسبت عضوية اتحاد كتاب المغرب منذ أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي في فترة رئاسة الأستاذ محمد الأشعري، وكنت وما أزال بالرغم مما وقع داخل منظمة الاتحاد من توترات وأزمات يتم تتجاوزها بحنكة رزينة، تجعل من الاتحاد “عميدة” المنظمات الجماهيرية لسببين مركزيين، أولهما كون “الاتحاد” منظمة ذات رصيد ثقافي وتاريخ عريق يضم في صفوفه عصارة تركيبية اجتماعية، تنتسب إلى الانتلجنسيا العاملة في المجتمع المغربي التي بالرغم من تعدد مشاربها وتوجهاتها واختلافاتها الفكرية، فإنها تجتمع على توجهها التقدمي باعتباره هدفا وغاية تؤطر نزوعاتها الإيديولوجية وأنشطتها الثقافية. لقد تلقيت قبول طلب انخراطي في اتحاد كتاب المغرب بفرح طفولي، للانضمام والمساهمة في بناء هذا الصرح العتيد، وتعبيد مساره الثقافي مع بقية الأعضاء العاملين فيه، حيث أتيحت لي فرصة تحمل المسؤولية في المكتب التنفيذي، في الولاية الثانية للأستاذ حسن نجمي، كما أني كنت نائبة أولى في عهد الأستاذ عبد الحميد عقار، إثر انعقاد المؤتمر الوطني السادس عشر بالرباط سنة 2008. ومنذ تلك الفترة تدرجت في تحمل المسؤوليات بمختلف المواقع القيادية والقاعدية، وبالمناسبة أسجل بارتياح كبير أن حصيلة تجربتي في إطار اتحاد كتاب المغرب كانت وازنة واعتبارية بشهادة جل أعضاء وعضوات الاتحاد.

> ما موقفك مما يقع حاليا في الاتحاد؟
< تابعت، ومازلت أتابع عن كثب ما يجري داخل الاتحاد منذ تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر 19 في صيغتها الأولى، التي أسندت رئاستها للأستاذ مبارك ربيع، وصولا إلى جلسة افتتاح المؤتمر بمدينة طنجة يوم 22 يونيو 2018 ولقد أصبت بصراحة، بالإحباط لما وقع يوم جلسة الافتتاح للمؤتمر من فوضى لا تليق بالصورة الرمزية للمثقفين المغاربة، وللصورة البهية للاتحاد كما نريدها جميعا داخل المجتمع المغربي، شخصيا كنت أنتظر من الأطراف المتصارعة في الجلسة الافتتاحية أن يحتكموا إلى ضمائرهم وإلى التقاليد النبيلة والخصال الحميدة التي عرفت عن مؤتمري ومؤتمرات الاتحاد، في تدبير واحتواء الأزمة وذلك بالابتعاد عن الذاتية المصلحية والانزياح إلى الأعراف التنظيمية في المساءلة والمحاسبة والمراقبة، وأن نفسح للمؤتمرات والمؤتمرين فرصة التداول والتحاور الهادف، لكنه مع الأسف الشديد، تحولت لحظة الجلسة الافتتاحية إلى لحظة لا تليق بالهالة الثقافية لهذه المنظمة العتيدة، وأمام تعذر انطلاق أشغال المؤتمر، تشكلت لجنة للوساطة ضمت كل من الأساتذة: عبد الغني أبو العزم، عبد الرحمان طنكول، عبد الصمد بلكبير، عبد الدين حمروش، حسن نجمي، عبد الرحيم العلام ورشيدة بنمسعود، أملا في إيجاد تسوية ومخرجا لإنقاذ المؤتمر مما آل إليه، خاصة وأن بعض الأصوات الغيورة على المنظمة نبهت وحذرت من أن يكون مصير اتحاد كتاب المغرب كمصير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأن يسقط في الجمود والشتات، وإثر فشل لجنة الوساطة في الوصول إلى حل متوافق عليه، يرضي الأطراف المتصارعة ويؤدي بالمؤتمر إلى استئناف أشغاله، وأمام صعوبة تحقيق هذا المبتغى انتدب المؤتمرون والمؤتمرات لجنة بمعية أعضاء المكتب التنفيذي للتحضير للمؤتمر في دورة استثنائية، انطلقت أشغال هذه اللجنة التي لم يواظب على الحضور فيها جل الأعضاء. وكانت أسباب الغياب متضاربة، منهم من تغيب كليا، وقليل منهم من واظب على الحضور.
بعد فترة من العمل الدؤوب والجاد، سأفاجأ باستقالة رئيس الاتحاد أو الإعلان عن تنحيه، وسار على دأبه بعض أعضاء المكتب التنفيذي تباعا. لكن أثناء لحظة الفراغ التي تركها الرئيس قام بعض أعضاء الاتحاد بمبادرة تشكيل لجنة تحضيرية “موسعة” وتمت الدعوة لعقد اجتماع لها حضره بعض الرؤساء السابقين وعدد من الأسماء المثقفة الوازنة، وانطلقت أشغال هذه اللجنة التي انتدب لها الأستاذ مصطفى القباج رئيسا، والتي توقفت أشغالها هي الأخرى، بسبب تفشي جائحة كورونا،
أمام هذا الوضع المركب والمعقد، ومن أجل تجاوز هذه الأزمة، حسب رأيي الخاص، يجب أن نعمل ما بعد “كورونا”، في البحث عن طرائق جديدة للعمل، والاشتغال بآليات تحديثية تحتكم إلى المبادئ الكبرى التي قام عليها الاتحاد، الداعية إلى الديمقراطية والاستقلالية وعدم جعل المنظمة “مِلكِية” في خدمة الأنانية الشخصية.

> ما هي الأسباب التي أدت في نظرك إلى الأزمة الحالية؟
< أظن أن الأسباب التي أدت إلى الأزمة الحالية، مرجعها في نظري، إلى نوعين، السبب الأول موضوعي، والثاني ذاتي، يرتبط السبب الأول بالثغرات الموجودة في القوانين المؤطرة لأشغال اتحاد كتاب المغرب، التي أصبحت متجاوزة، خاصة ما يتعلق منها بالقانون الأساسي، الذي يجب أن يتم مراجعته وتعديله جذريا، وهذا ما حرصنا عليه في اللجنة التحضيرية، لكي لا يتكرر ما وقع من أخطاء أدت إلى الأزمة الحالية، بأن ينص ضمن مقتضياته التنظيمية على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك إعمالا لمبدأ دستوري يسعى إلى ترشيد وحَوْكَمة عمل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني. أما الأسباب الذاتية التي لا يمكن حصرها، فالملاحظ أنها تتمثل في جزء منها في تضخم النزعة التحكمية لدى البعض داخل اتحاد كتاب المغرب، وقد تكون نزعة تحكمية، عن حسن نية، تعتقد عن وهم أو عن حق، أن مستقبل الاتحاد بدونها لن تستقيم أحواله، وقد تكون أيضا نزعة وليدة أنانية استطابت الجلوس الدائم في احتلال المواقع.

> ماذا تقترحين لتجاوز الأزمة؟
< أقترح أن يسارع كل شخص يعتبر نفسه طرفا في أزمة الاتحاد، وغيورا على هذه المنظمة العتيدة، أن يقوم بممارسة النقد الذاتي بسبب مسؤولياته فيما حدث من فوضى، كما وقع في الجلسة الافتتاحية بمدينة طنجة، وذلك بتجرد ونزاهة موضوعية، لكي نعيد الاتحاد إلى تاريخه المجيد ونعمل على إنقاذه من المصير الكارثي الذي يهدده، والذي سيؤدي إلى توقفه الدائم وإصابته “بالسكتة القلبية”، وذلك بالابتعاد عن التعاطي مع الاتحاد “كمِلكية” خصوصية ” أو حق تجاري” وأن نجعل من انعقاد المؤتمر الاستثنائي فرصة سانحة ومنطلقا للانبعاث الوجودي لكي يكون منارة ثقافية ترسل أضواءها في مختلف جهات العالم مغاربيا وعربيا، مادام الإشعاع الثقافي هو الرأسمال الرمزي الذي يمثل هويتنا وورقة تعريفنا خارج المغرب.

> هل ستشاركين في المؤتمر القادم؟
< السؤال الكبير الذي ينتظرنا يتعلق بنجاحنا كأعضاء فاعلين داخل الاتحاد بأن نربح تحديد موعد لانعقاد المؤتمر، وأن يكون التحضير جادا في أفق تجاوز أخطاء الجلسة الافتتاحية السابقة لكي لا يتكرر مستقبلا تكرار الأزمة، وأن تتحقق المصالحة والتوافق بين الأطراف المتصارعة، لكي يستعيد المؤتمر أجواء السكينة، لتسهيل الحوار التواصلي بين المؤتمرين والمؤتمرات وأن تكون جلسات أشغاله مجالا للسلوك الديمقراطي وإبداع البرامج الثقافية التي تخدم يوميات الفعل الثقافي داخل الاتحاد وخارجه، من أجل ربح رهان يكون في مستوى ماضي وتاريخ الاتحاد كمنظمة مدنية طليعية تدافع عن البعد التنويري الذي رسخته وطنيا وعلى المستوى العربي، وبخصوص مشاركتي في المؤتمر من عدمه، أجيبك بالإيجاب، لأنني منذ الجلسة الافتتاحية وأنا أحس بجسامة المسؤولية، لأنه لدي التزام إزاء ضميري أولا ،و نحو الأخوات والإخوان الذين حضروا لقاء طنجة وطوقوني بالعضوية في اللجنة التحضيرية المنتدبة من طرفهم، وهذا الأمر اعتبره أمانة أعتز بها ، أرجو أن أكون قد أسهمت قدر المستطاع في إنجاح أشغال التحضير للمؤتمر، من خلال حضوري المواظب والمساهم بالقيمة المضافة، رغم العراقيل والعثرات التي اعترضتني، منذ الجلسة الأولى.

> هل تقبل أن يتم تسيير الاتحاد من طرف المسؤولين في المكتب السابق؟
– كمثقفة وفاعلة مدنية ديمقراطية وحقوقية، لا يمكنني أن أصادر حق أي كان في الترشح، يبقى هنا الأمر موكولا لاحترام المرشح للضوابط المسطرية وللمحددات القانونية وللسلوكيات الديمقراطية، و على ذكر تكرار تحمُل المسؤوليات القيادية لأكثر من مرة ، ينبغي على المؤتمر أن يراجعها ، بأن ينص قانون الاتحاد على عدد المرات التي يحق للعضو أن يتحمل فيها المسؤولية داخل كل أجهزة الاتحاد وليس في المكتب التنفيذي وحده، وذلك تفعيلا لمبدإ التداول والتناوب الذي يُمتع الأجهزة التنفيذية والتدبيرية بنفَس وإيقاع جديدين وذلك، سعيا إلى الرفع من المردودية خدمة للشأن الثقافي ببلادنا، مع إعطاء الفرصة للشباب والنساء في تحمل المسؤولية، خاصة وأن المشهد الثقافي المغربي، يتميز بحضور ونبوغ شبابي لامع، تفاجئنا في مناسبات عديدة، دول الخليج العربي من حين لآخر، بتكريم العديد من الكفاءات الواعدة التي قد تكون بعض عناصرها يعاني من اغتراب في الوطن/ الأم.

> ما هي المؤهلات التي ترين ضرورة توفرها لدى الرئيس المقبل للاتحاد؟
< هناك مجموعة من الشروط والمؤهلات التي يجب أن تتوفر في جميع أعضاء المكتب التنفيذي دون استثناء، لأن الرهان ينبغي أن ينصب على فريق العمل ككل، وغير مرتبط بشخص الرئيس وحده، والمقتضيات القانونية المؤطرة والمنظمة لعمل أجهزة الاتحاد كالقانون الأساسي، تضع مجموعة من الشروط التي صارت تبدو غير كافية عند الممارسة وعلى المؤتمر أن يعمق فيها النقاش ويغنيها بالتعديلات لكي يحصن موقع الرئيس والمكتب التنفيذي برمته من السقوط في بعض المنزلقات.
وبالمناسبة يندرج ضمن هذا السياق المسطرة التي ينبغي اتباعها في انتخاب الرئيس، التي استغرقت منا وقتا ليس باليسير، فالرئيس حسب النظام القديم كان ينتخب من لدن أعضاء المكتب، بعدها صار ينتخب من المؤتمر، وفي كلتا الحالتين كانت عثرات وعراقيل توضع أمام أداء المكتب المركزي. وأثناء مناقشة الصيغة التنظيمية التي ينبغي اعتمادها عند انتخاب الرئيس المقبل، اقترحت أن يسلك الاتحاد طريقا ثالثا، بأن يترشح الرئيس المقبل وفق مشروع برنامج ثقافي وضمن لائحة يراعى في تشكيلها التنوع والتعدد وعنصر المجايلة، لكن هذا الاقتراح لم يحظ بالقبول، وتم تبني العودة إلى الصيغة القديمة التي تقضي بأن ينتخب الرئيس من بين أعضاء المكتب، التي رأيت فيها شخصيا نوعا من النزوع نحو فرز رئاسة على المقاس ليس إلا، واقترحت في ذات السياق أن يتم اعتماد مبدأ التنافي بأن لا يتمثل الرئيس وجميع أعضاء المكتب التنفيذي في مكاتب جمعيات ذات الاهتمام المشترك، وذلك درءا لعمليات التداخل في المهام والاختصاصات ومن أجل التفرغ للنهوض بمهام اتحاد كتاب المغرب، وما زلت متشبثة باقتراحاتي بعيدا عن المصلحة الذاتية ولا أرى في العودة إلى المقترحات القديمة حلا للمأزق التنظيمي الذي يواجه الاتحاد.
على هامش هذا الحوار أستسمح التذكير بملاحظة حقوقية، قد تبدو للبعض أنها شكلية لكني أراها تصب في الجوهر بالنسبة لمنظمة عتيدة مثل “الاتحاد”، أن مقاربة النوع غائبة كليا في ثقافتنا، وهذه الملاحظة المبدئية تحفزني إلى طرح سؤال مترابط، هل رئاسة اتحاد كتاب المغرب ستظل حكرا على الدوام على الرجال؟ أعتقد أنه آن الأوان للتفكير في اتحاد للكاتبات والكتاب، فأمهات الكتب العربية القديمة، تحفظ لنا بأن النساء في عصر النبوة ومن بينهن السيدة أم سلمة زوجة الرسول، قد سجلن ملاحظة حول عدم ذكر النساء في القرآن الكريم فأنزل الله تعالى (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات…..) (سورة الأحزاب 38-35). كما أن دستور المملكة المعدل بعد حركة 20فبراير أقر مقاربة النوع على مستوى الصياغة اللغوية وصار يتحدث عن المواطنين والمواطنات، فلا تبخسوا النساء حقهم في الترشح للرئاسة، إن رغبن في ذلك، وأتمنى أن لا تؤول ملاحظتي أو تفهم بطريقة “ماكرة” أو مغرضة

> ما هي الأولويات التي ترين ضرورة طرحها للنقاش في المؤتمر؟
< أتطلع لأن يجيب المؤتمر في حالة انعقاده على سؤالين أساسيين:
أ) أي اتحاد نريد؟
ب) أي ثقافة نحن في حاجة إليها في مغرب ما بعد كورونا، وفي سياق ما يعرف بالثورة الرقمية التي تضمر في ثناياها ثورة ثقافية قادرة على استيعاب تحولات الألفية الثالثة، إننا نريد بمناسبة انعقاد المؤتمر التاسع عشر لاتحاد كتاب المغرب، أن نتطلع من أجل صوغ أسئلة مغايرة تنفتح على الهوية المغربية السائلة والمتدفقة عبر استنطاق مرجعيات الثقافة المغربية وسياقاتها ومآلاتها مع احتضان كل مكونات هذه الهوية التي تتكون من الروافد المتعددة العربية والأمازيغية والحسانية والعبرية والمتوسطية، لكي يكون الاتحاد صوتا حاضرا ورائدا في المشهد المغربي والعربي، مساهما في صناعة وبلورة سياسة ثقافية تتلاءم والأدوار الجديدة المنوطة بالثقافة المغربية، وأن يجعل من الثقافة كرأسمال رمزي رافعة للتنمية المستدامة، نريد من الاتحاد في مؤتمره المقبل أن يعمل على تحقيق مزيد من المكتسبات لمغرب الانتقال إلى الديمقراطية بمختلف أسمائها الجهوية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساكنة والمساواة والمناصفة.

< إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top